الصورة السلبية للمورو في المخيال الجماعي للشعب الإسباني

الدكتور مصطفى المرون

أطلعت باهنمام بالغ على المقال الذي جاء بمجلة زمان، النسخة الفرنسية، العدد 112، مارس 2020، لصاحبه عدنان السبتي، تحت عنوان:
” Comment les français et les espagnols nous voyaient “, pp.39 / 45.
وهو بالمناسبة مقال قيم استمتعت بقراءته؛ وقد خاض، في شقه المتعلق بإسبانيا، في أصول تطور الأحداث التاريخية التي تمخضت عنها تلك الصورة النمطية للمغربي المتخلف والشرس، تمت صياغتها في صور كاريكاتورية ترسخت في المخيال الجماعي للشعب الإسباني.

ما يمكن الخروج به من خلال قراءة المقال، خصوصا في الشق المتعلق بالنظرة النمطية الإسبانية للمغربي، أو الصورة السلبية للمورو في المخيال الجماعي للشعب الإسباني، هو استناد الصحفي عدنان السبتي على كتاب المؤرخ الكاطالاني الإسباني Eloy Martín Corrales تحت عنوان:
“La imagen del magrebí en España: Una perspectivan histórica siglos XVI-XX” . Edicions Bellaterra – 2002 .
وقد استند فيه إلى مقال كنت قد نشرته في مجلة Historia 16 – العدد 302 سنة 2001.

كما استتبع هذا الكتاب بمقال له نشر بصحيفة إلباييس El País الإسبانية يوم 28 يوليوز 2002، تحت عنوان:
“La xenofobia histórica hacia el vecino marroquí”
ما يمكن ملاحظته هو أن تاريخ إصدرار الكتاب ونشر المقال يتوافق مع شهر يوليوز 2002، وهو التاريخ الذي شهد أول نزاع مباشر ما بين المغرب وإسبانيا حول جزيرة تورة (el Perejil / المعدنوس أو la Isla / ليلى)، كاد أن يتطور إلى مواجهة مسلحة لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في شخص وزرير الخارجية كولن باول، وهو ما جعل أحقاد الماضي تتجسد في الحاضر عبر عدة وسائل، كانت الكتابات التاريخية أحد واجهاتها في شق تاريخ الفن أو ما يعرف بفن الكاريكاتور، الذي حاول أن يظهر المغربي في صورة سكنت المخيال الجماعي المغربي كشخص مدفوع بالنزوات الانتقامية الشرسة، ورافضا لمظاهر الحضارة، ومسكونا بأشكال الفقر والحاجة.

تعود أصول الصورة النمطية للمغربي في المخيال الجماعي للشعب الإسباني إلى حروب الاسترداد منذ القرن 11 الميلادي، وترسخت بعد أحداث دامية خلال الاحتلال الإسباني للشواطئ المغربية في القرن 15 الميلادي، وتتفاقم مع القرصنة البحرية منذ القرن 17 الميلادي بتزايد أعداد الأسرى الإسبان في المغرب، وهجمات قبائل الريف على السفن الإسبانية خلال القرن 19 الميلادي، ثم المواجهة المباشرة الإسبانية المغربية سنة 1860م خلال حرب تطوان La Guerra de Africa، وحروب سيدي ورياش، التي توجت بمقتل الجنرال مارغايو Margallo، بالإضافة إلى حروب المقاومة المغربية للتسرب العسكري الإسباني خلال العقد الأول من القرن العشرين، والتي توجت بالهزيمة النكراء للجيش الإسباني في معركة خندق الديب el Barranco del Lobo سنة 1909، تحت قيادة أب حركة المقاومة المسلحة الشريف محمد أمزيان. وقد تشوهت صورة المغربي أكثر مع المقاومة المغربية ضد التدخل العسري الإسباني منذ احتلال تطوان سنة 1913 إلى غاية سنة 1927، تاريخ انتهاء ما يعرف ب”عمليات التهدئة”، والتي قادها زعيمان شهيران هما الشريف مولاي أحمد الريسوني، والأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، واللذان ألحقا هزائم نكراء بالجيش الإسباني، مرغت كبرياؤه في التراب، كمعركة أنوال سنة 1921، ومعركة خندق الموت el Barranco de la Muerte على إثر انسحاب الجيش الإسباني من مدينة الشاون سنة 1924 بقبيلة بني حسان.

قبل الحرب الأهلية الإسبانية (1936 – 1939)، كان المغاربة قد تدخلوا في إسبانيا في أكتوبر 1934 من أجل إخماد ثورة عمال المناجم في أستورياس. فالمحزن في هذه القضية، هو أن جميع المصادر والمراجع تعطي صورة قاتمة لتدخل القوات المغربية، وتصفهم بأقدح النعوت، وقد ازدادت هذه الصورة مع مساهمة المغاربة في الحرب الأهلية الإسباينة، وهي من المآسي التي التي لم يشهد لها الشعب الإسباني مثيلا في التاريخ، والتي تميزت بتدخل حوالي 85.000 جندي مغربي، وهو العدد الذي ساهم في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).

في هذا الصدد، كان تأثير الحملات الإشهارية المتعلقة بمشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية قد تركت صورة سلبية ل”المورو الشرس والمتخلف” في المخيال الجماعي للشعب الإسباني. وقد تكونت هذه الصورة استنادا إلى الكتابات التاريخية لأشخاص فاعلين في الحدث، وهي في غالبها عبارة عن مذكرات لمتطوعي الألوية الدولية، مناضلو الأحزاب السياسية والنقابات الجمهورية، سياسيون مرموقون، من بينهم رؤساء الجمهورية والحكومة، وكذا وزراء، والذين قلما يخلو مصطلح مورو من نعت قدحي مقابل له، كالمورو المتوحش، المرتزق، اللص، المغتصب، القاتل، المتخلف، الضبع…إلخ. في موازاة ذلك، لم تقتصر هذه النعوت القدحية على الكتابات التاريخية، بل تعدتها لتشمل الأعمال الأدبية، كشعر الملاحم والروايات، والتي يظهر من خلالها المغربي في صورة كاريكاتورية، وفاعلا بدوافع الفقر والعوز.
في هذا الصدد، يذكر الأنثروبولوجي الفرنسي غييرمو ريتفاغن (Guillermo Rittwagen): “بمقدور المغربي إظهار البطولة، كما ممارسة الأساليب الوحشية على حد سواء، دون أن يتمكن أي أحد من وقفه. فبإمكانه ذبح جريح عدو يطلب منه الرحمة، وبمقدوره اختراق الميدان تحت وابل من الرصاص من أجل إنقاذ وإجلاء صديق له جريح يطلب الإغاثة”.

هذه الازدواجية في الشخصية، والتناقض على مستوى الممارسة القتالية بين الوحشية والرجولة هي التي ساهمت في إلصاق صورة سلبية للمغربي في المخيال الجماعي للشعب الإسباني، كمقاتلين غير معنيين بقوانين الحرب عن طريق اقتحام البلدات والمدن بواسطة القوة المفرطة، القيام بأعمال وحشية، كالسلب والنهب، التدمير، إشعال الحرائق، اغتيال المدنيين العزل، الاغتصابات، تشويه الجثث؛ وهي دعاية استفادت منها القيادة الفرانكوية كسلاح نفسي لإحداث الرعب داخل كيان المقاتلين الجمهوريين، وكذا، المدنيين الإسبان. فالأمر يتعلق بتثبيط معنويات العدو وإرعابه، فكلما كانت الأعمال الوحشية المرتكبة أكثر حدة، كلما كانت الاستماتة في المواجهة أكثر ضعفا.

يذكر أحد قدماء المحاربين المغاربة بأن “القادة الفرانكويون كانوا يشيعون بشكل خفي بين السكان بأننا شياطين، لنا قرون، ونأكل الناس”. في هذا الصدد، سوف يعطي هذا الصنف من الدعاية ثماره: “لأن، بعضهم انطلق في التراجع وهو يصيح: المغاربة ! المغاربة !؛ هكذا ساد الرعب وسط الجموع: ألمان، فرنسيون، إيطاليون، بولنديون، بلجيكيون، هنغاريون، تشيكيون، سويسريون، إنجليز، إسكاندينافيون، الجميع هرب، مخلفا وراءه السلاح والعديد من الجرحى والمصابين”.
في هذا السياق، كان كل جانب من الجانبين المتحاربين يبحث عن ذرائع لاتهام ووصف المجندين المغاربة بأقدح النعوت، وذلك لأهداف دعائية محضة؛ فقد كان هدف الجانب الجمهوري من ذلك إظهار الجانب الفرانكوي أمام الرأي العام العالمي كنظام غير ملتزم بالاتفاقيات الدولية التي تنص على احترام قوانين الحرب، التي ضربها عرض الحائط باستناده إلى مرتزقة متعطشين للدماء، في خطوة للضغط على لجنة عدم التدخل التي تم تأسيسها في غشت 1936، والمعنية بسحب المتطوعين الأجانب من الجبهات الإسبانية. أما هدف الجانب الفرانكوي، فقد كان يتمثل في زرع الرعب بنفوس المقاتلين الجمهوريين، عبر تمرير صورة المورو المتوحش.

“إنهم (يعني هنا القادة الفرانكويون) يحملون مسؤولية جرائمهم وأعمالهم الوحشية إلى المغاربة؛ بحيث، عند التطرق إلى موضوع جرائم الحرب، الإعدام الجماعي، الاغتصابات، ومذابح الأطفال، يتحدث الجنرالات الفاشيون بصوت خافت في آذان المراسلين الصحافيين الأجانب: هذا كله من اقتراف المغاربة، إنهم أناس متوحشون”.

خلاصة القول، هو أن مقال الصحافي عدنان السبتي يكشف عن جوانب مغفلة من التاريخ المشترك المغربي الإسباني والفرنسي على حد سواء، وهو بالمناسبة مقال قيم ورائع استمتعت واستفدت من قراءته، وما هذه الإضافة إلا لفهم جذور الكراهية اتجاه الجار المغربي من طرف الشعب الإسباني عبر عدة تجليات، سواء كاريكاتور، صور أو كتابات تاريخية أو أدبية.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *