الطريق الطويل لاعتراف المغرب بالثقافة الأمازيغية

حين اعترف المغرب لأول مرة رسميا -من خلال تعديل دستوري- بلغة الأمازيغ وبثقافتهم بعد احتجاجات العشرين من شباط/فبراير 2011، مثَّل هذا الاعتراف بالنسبة للأمازيغ في المغرب خطوة تاريخية مهمة. ولكن الكثير من الأمازيغ لا يزالون يشعرون بعد ستة أعوام من هذا الاعتراف بخيبة أمل من عملية الإصلاح. الصحفي ماثيو غرين يسلط الضوء لموقع قنطرة من الرباط على الحركة الأمازيغية في المغرب.

في الاحتجاجات التي شملت المغرب أيضًا في عام 2011 إثر الانتفاضات الشعبية في أجزاء كبيرة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لعبت مطالب أمازيغ المغرب دورًا مهمًا. في تلك الأيَّام انضمت الحركة الأمازيغية المكوَّنة من مختلف المجموعات الفرعية إلى المتظاهرين في العشرين من شباط/فبراير 2011، بغية دعمهم في نضالهم من أجل الحرِّية وضدَّ الفساد.

يمثِّل الأمازيغ أكبر مجموعة سكَّانية في شمال أفريقيا. وينتمي لها نصف المغاربة تقريبًا. وتنتشر جماعات الأمازيغ المحلية في جميع أنحاء البلاد، مع تركيز انتشارهم في كلّ من سهل سوس وفي منطقة الريف (شمال المغرب) وكذلك في جبال الأطلس الفلاحية.

الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية

يقول أبرز الناشطين والمثقَّفين الأمازيغ منذ فترة طويلة إنَّ المملكة المغربية لا يمكنها تحقيق أي تقدُّم نحو الديمقراطية إلاَّ عندما ينتهي تهميش مجموعاتها العرقية. ومن أجل التعبير عن مطالبها بالاعتراف بثقافتها ولغتها الخاصة (الأمازيغية)، بدأت الحركة الأمازيغية في المغرب بتنظيم صفوفها سياسيًا قبل عدة عقود.

يعزو الكثيرون من الناشطين في مجال حقوق الإنسان التمييز المؤسَّساتي الطويل الأمد إلى سياسة تعريب المغرب بعد الاستقلال. ويدَّعون أنَّ من خلال تحديد اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد، لم يتم تجاهل التراث الثقافي الأمازيغي وحسب، بل تم أيضًا الحدُّ من فرصهم التعليمية والوظيفية. بالإضافة إلى معاناتهم من التمييز داخل الدولة والإدارة، خاصة من الناحية القانونية.

خلال السبعينيات بدأت الحركة الأمازيغية الضغط تدريجيًا على الدولة من أجل الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة دستورية إلى جانب العربية. وحتى أنَّ الأمازيغ الأكثر راديكالية ذهبوا إلى أبعد من ذلك: فهم يحاولون حتى يومنا هذا استبدال اللغة العربية بلغتهم الخاصة في جميع الشؤون الرسمية، بما في ذلك استخدام لغتهم في المدارس وفي وسائل الإعلام. وبحسب الإحصاءات وتعداد السكَّان فإنَّ نحو ثلاثين في المائة من جميع المغاربة يتكلمون لهجة من اللهجات الأمازيغية. غير أنَّ منتقدي هذه البيانات يدَّعون أنَّ الرقم الحقيقي أعلى بكثير من ذلك.

بقاء الشكّ

بما أنَّه قد تم تعديل الدستور في المغرب، من أجل تلبية مطالب الأمازيغ أيضًا، فقد شكَّل هذا بالتأكيد إشارة إلى تصحيح مسار الدولة السياسي. وهذه التعديلات الدستورية، التي تم الاعتراف ضمن إطارها باللغة والثقافة الأمازيغية، تم اعتبارها من قبل أبرز ممثِّلي الحركة الأمازيغية كـ”أكبر إنجاز تم تحقيقه في العقود الأخيرة من أجل مصلحة الأمازيغ”. ومع ذلك فإنَّ تفاؤلهم يتلاشى من خلال استمرار الشكِّ العميق، الذي يعود إلى تجاربهم السابقة مع العائلة المالكة المغربية.

عندما أسَّس الملك محمد السادس “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” في عام 2002، تم تفسير ذلك من قبل البعض على أنَّه محاولة لاحتكار أجندة الأمازيغ وتفتيت حركتهم. وبناءً على ذلك فقد كان يسود دائمًا انقسامٌ في آراء الأمازيغ حول التنازلات المقدَّمة من قبل العائلة المالكة. حيث كان البعض منهم راضين عن سياسة الدولة، في حين أنَّ الآخرين كانوا لا يثقون بالملك وباعتياده على استخدام المعارضين السياسيين بعضهم ضدَّ بعض.

وفضلاً عن ذلك فقد لاحظ الناشطون أنَّ محتويات الدستور الجديد لا تتبعها آليات تنفيذ واضحة. وقد باتوا يشعرون بالقلق من أنَّ النخب الحكومية، التي ترفض مطالب الأمازيغ، يمكن أن تعرقل جميع العمليات القانونية الرامية إلى نشر اللغة الأمازيغية رسميًا وإداريًا بشكل أوسع.

وحتى يومنا هذا تتعرَّض محاولات الحركة الأمازيغية الهادفة إلى إدراج أجندتها في الخطاب السياسي الوطني إلى الانتقاد من قبل كبار السياسيين المغاربة؛ الذين يتَّهمون النشاطين الأمازيغ بتأجيج التوتُّرات العرقية بين المغاربة والسعي إلى تقويض ارتباط الشعب المغربي بالأمة العربية الإسلامية.

يدعو الكثيرون من الأمازيغ إلى دولة علمانية ونظام حكم فيدرالي، يتعيَّن فيه على “المخزن” أن يتخلى عن جزء من سيطرته على السياسة المغربية. قبل عدة أعوام كان الحزب الديمقراطي الأمازيغي في المغرب يطالب بالعلمانية والفيدرالية قبل أن يتم حظره في عام 2008 مع غيره من الأحزاب الأمازيغية ذات الصبغة العرقية.

“الأمازيغية” – لغة مُهمَّشة

منذ التعديلات الدستورية والشكوك المرتبطة بها باتت خيبة أمل الأمازيغ تظهر بقوة أكبر، حيث يزداد شعورهم بأنهم متروكون وحدهم، وذلك لأنَّ الإصلاحات التي يأملون تحقيقها يتم تنفيذها ببطء شديد.

يشير تقرير صادر عن الاتِّحاد الوطني للجمعيات الأمازيغية في المغرب إلى أنَّ “الأمازيغ لا يزالون عرضة للتمييز من خلال القانون المغربي في كثير من المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. ويشمل ذلك “لوائحَ تتعامل بتمييز واضح ضدَّ لغتهم وثقافتهم”.

وكذلك ينتقد هذا التقرير مشاريع القوانين التي لا تعمل على تنظيم حقِّ مشاركة الأمازيغ، الذي يعتبر ضروريًا من أجل جعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية. ففي المؤسَّسات العمومية والحكومية – مثل المستشفيات ومراكز الشرطة والمحاكم – لا تزال اللغة العربية هي المهيمنة. ومن النادر أيضًا العثور في المغرب على اللغة الأمازيغية في المواقع الإلكترونية الحكومية وفي وسائل الإعلام والإعلانات وحتى في لافتات الطرق والشوارع.

وفي الوقت نفسه تشير التقديرات إلى أنَّ اثني عشرة في المائة فقط من تلاميذ المدارس الابتدائية يتم تعليمهم باللغة الأمازيغية، على الرغم من إدراج الأمازيغية عام 2003 في المناهج الوطنية. صحيح أنَّه توجد -خاصة في المناطق ذات الأغلبية الأمازيغية- برامجُ حكومية من أجل دعم اللغة الأمازيغية؛ لكن هذه البرامج لم يكن لها أي أثر يذكر، وذلك لأنَّ المعلمين في العادة غير مدرَّبين تدريبًا جيِّدًا ولأنَّ وجهات النظر مختلفة حول كيفية توحيد اللغة الأمازيغية.

ولكن على الرغم من هذه النكسات فإنَّ الحركة الأمازيغية في المغرب لا تزال نشطة وتتمسَّك بمطالبها. وفضلاً عن ذلك فقد بات الأمازيغ يحوِّلون اهتمامهم بشكل متزايد إلى موضوعات مثل استغلال الموارد الطبيعية والتعامل مع حقوق الأراضي وسياسة المصادرة والخصخصة الحكومية.

لا تزال الاحتجاجات في جبال الريف بعد وفاة بائع سمك في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2016 مستمرة تحت السطح، ومن خلال استمرار العسكرة في المنطقة تزداد باستمرار الدعوات إلى إنهاء الظلم والقمع.

وفي جبال الأطلس الكبير لا يزال أهالي بلدة “إيميدر” يحتجُّون مثل ذي قبل ضدَّ مشروع تعدين ملكي، يقولون إنَّه المسؤول عن تلويث البيئة والأضرار الصحية. في بلدة “تنغير” المجاورة توفيت الشهر الماضي طفلة عمرها ثلاثة أعوام بسبب عدم تلقيها الرعاية الطبية الكافية. وهنا تدعو قبل كلِّ شيء الجماعات الأمازيغية في المنطقة إلى العمل سياسيًا ضدَّ تهميش الأمازيغ على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

في مسيرة تاوادا Tawada السنوية في الرباط شكَّل الظلم الاقتصادي والاجتماعي في المغرب الموضوع الأكثر  أهمية. حيث خرج الناشطون الأمازيغ في العاصمة المغربية الرباط إلى الشوارع من أجل “وقف الظلم والفساد وسرقة الموارد الطبيعية والتمييز ضدَّ الأمازيغ في البلاد”.

تصادف في الشهر القادم الذكرى السنوية السادسة لتعديل الدستور المغربي. ولذلك فإنَّ ما بدأ كوعد عابر للحركة الأمازيغية بإمكانية تشكيل تحالفات مع جماعات سياسية أخرى في البلاد، أصبح الآن يهدِّد بزيادة الاستقطاب أكثر في البلاد.

ماثيو غرين – ترجمة: رائد الباش

المصدر:  موقع قنطرة

اقرأ أيضا

الاتحاد الإقليمي لنقابات الناظور يعلن عن تنظيم أيام السينما العمالية

في إطار سعيه لتعزيز الوعي الثقافي وتسليط الضوء على قضايا العمال، أعلن الاتحاد الإقليمي لنقابات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *