ابراهيم الشعبي – رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان وأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال: «العالم الأمازيغي» 20 سنة من النضال والكفاح والمهنية
عندما اتصلت بي العزيزة أمينة ابن الشيخ، مديرة ورئيسة تحرير الشهرية الأمازيغية «العالم الأمازيغي»، و طلبت مني المساهمة في إحياء الذكرى الفضية لميلاد هذه الصحيفة المناضلة والمكافحة، عادت بي الذاكرة إلى البدايات الأولى لتأسيس «العالم الأمازيغي» التي تزامنت مع انفتاح المملكة المغربية على فضاء الصحافة والإعلام الذي شهد قفزة نوعية كبيرة، انطلاقا من إصدار قوانين وتشريعات متطورة، مرورا بخلق مؤسسات إعلامية للحكامة وانتهاء بتوسيع هامش الحرية الذي بدأت ملامحه الأولى في منتصف تسعينيات القرن العشرين، زمن الراحل الحسن الثاني.
في هذه الأجواء الجديدة، تأسست الصحيفة الشهرية «العالم الأمازيغي» في شهر ماي 2001. الجريدة التي كانت حلما وأصبحت مؤسسة إعلامية تتحدث ثلاث لغات: العربية، الأمازيغية والفرنسية. صحيفة مستقلة عن مؤسسات الدولة وعن الهيئات السياسية.
صحيفة انطلقت بقرض بنكي خاص بالمقاولين الشياب، لتستمر حرة طليقة معتمدة في تحريرها على الطاقات الصحفية الشابة من مختلف مناطق المغرب الناطقة جزئيا أو كليا باللغات الأمازيغية، ومعتمدة في نموذجها الاقتصادي على قرائها وأيضا على الإشهار والإعلانات التي لا تؤثر على خطها التحريري الرصين والمعتدل، محاولة «الاستفادة من التراكمات الإعلامية التي حققتها الفعاليات الفردية والجمعوية الأمازيغية».
شخصيا أعتبر الخط التحريري ل «العالم الأمازيغي» من الخطوط التحريرية الأكثر وضوحا، والأكثر جرأة وشجاعة. خط تحريري ينتصر للموضوعية والمصداقية والحرية. فلا خير في صحافة بدون حرية ولا فائدة من صحيفة لا تبحث عن الحقيقة والتحري عن الأخبار والأحداث والوقائع بطرق مهنية وسليمة، محترمة في ذلك آداب وأخلاقيات مهنة الصحافة.
فسياسة التحرير أو ميثاق التحرير هو النهج الذي تتبعه الصحيفة لتحديد توجهاتها وميولاتها السياسية أو الفكرية وانعكاساتها على الكتابة والتحليل والتعليق على الأحداث والوقائع، والتعبير عن المعايير الأخلاقية والإنسانية ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
صحيفة «العالم الأمازيغي» من المنابر الإعلامية القليلة جدا التي اتخذت من الدفاع عن الحقوق والحريات ومن الأمازيغية في كل تجلياتها كخط تحريري لا رجعة فيه. خط تحريري لا يقبل التنازل أو المساومة.
وهذا التوجه الحقوقي ليس غريبا، خاصة إذا علمنا أن المؤسسين الرئيسيين لهذه التجربة الإعلامية الرائدة: أمينة ابن الشيخ ورشيد الراخا يعتبران مناضلين كبيرين، بل من المدافعين الشرسين والمؤمنين بعدالة القضية الأمازيغية التي يعتبرونها قضية شعب، بل قضية حياة أو موت.
لا جدال في أن جريدة «العالم الأمازيغي»، وعلى مدى عقدين من الزمن، استطاعت بل نجحت في التأسيس لقيم حضارية وإنسانية غير مسبوقة، عنوانها: التنوع الثقافي والتعدد اللغوي، لتصبح علامة من العلامات المضيئة في الثقافة واللغة الأمازيغيتين، ومصدرا من مصادر الفخر والاعتزاز بهذه التجربة الإعلامية المتميزة التي بدونها لا يمكن للإعلام الأمازيغي المكتوب أن تقوم له قائمة، خاصة بعد تراجع، غياب أو تغييب كل التجارب الإعلامية المكتوبة التي كانت قبلها أو تلك التي جاءت بعدها وأقفلت أبوابها لأسباب اقتصادية، إدارية أو سياسية.
فلا يجب أن ننسى أن الثقافة واللغة الأمازيغية عانت الأمرين طيلة عقود كثيرة، قبل أن يعيد لها العهد الجديد جزءا كبيرا من قيمتها وحضورها الدستوري والمؤسساتي والإعلام العمومي السمعي البصري.
في البداية، كانت علاقتي بجريدة «العالم الأمازيغي» وخاصة بعد عودتي من المملكة الإسبانية سنة 2004، علاقة مهنية، كقارئ ومتتبع غير منتظم لهذه التجربة الإعلامية الامازيغية، بل كنت أعتقد أن هذه التجربة قد تتوقف عن الصدور، كما توقفت العديد من التجارب الإعلامية الناطقة باللغة الأمازيغية. لكن عندما تعرفت على الصديقة أمينة ابن الشيخ والصديق رشيد الراخا في سنة 2005، في إحدى اللقاءات التي نظمتها المدرسة الإسبانية بالعاصمة الرباط، تبين لي بما لا يدع مجالا لأي شك أن هذه التجربة المهنية ستستمر ولن تتوقف لأن مديرتها ورئيسة تحريرها العزيزة أمينة وناشرها العزيز رشيد من الفعاليات الأمازيغية العنيدة التي لا يمكن أن تتنازل بسهولة عن حلم راوداهما منذ زمن بعيد رغم المصاعب والإكراهات التي رافقت هذه التجربة الإعلامية منذ انطلاقها.
اليوم، وبعد 20 سنة من الكفاح والنضال والعمل الإعلامي الجاد والمضني. اليوم وبعد أن كبر الحلم وأصبح يافعا، ناضجا وراشدا ومؤمنا، يحق للزميلين أمينة ورشيد أن يطمئنا على تجربتهما الإعلامية التي باتت رمزا من رموز الثقافة الأمازيغية وعنوانا للأمل والتحدي والنجاح.
فهنيئا لكما زميلي العزيزين بعالمكما الأمازيغي الذي أصبح عالمنا جميعا، بل هنيئا للصحافة الأمازيغية بكما وبكفاحكما المستمر من أجل أن تبقى الثقافة واللغة الأمازيغية قوية، شامخة.
اليوم أخيرا، يحق لكما أن تفتخرا بهذا الإنجاز الإعلامي الكبير ومن واجبنا أن نفتخر بكما. فهنيئا لكما بل هنيئا لنا بكما.