العثماني والقوانين الأمازيغية: رد جمالك علينا !

عبد الله بوشطارت

في كلمة لرئيس الحكومة اثناء زيارته الوزارية الضخمة إلى جهة سوس، تحدث العثماني عن القضية الأمازيغية التي اصبحت مؤخرا قضية تسيل لعاب السياسيين الحزبيين خاصة المنتمين إلى الأغلبية الحكومية ويتناوبون على استغلالها المفرط دون ذرة حياء ولا خجل. قال الوزير التافراوتي أن القوانين الأمازيغية سيتم استصدارها في أجل قريب جدا لا يتعدى شهرين من الزمن، كما تطرق ايضا إلى مسألة تدريس الامازيغية من خلال ارغام وزيره في التربية والتكوين أمزازي الامازيغي ايضا، بعض الاساتذة المدرسين للامازيغية لتدريس مواد أخرى غير مادة التخصص وهي الامازيغية، وتعتبر هذه فضيحة كبيرة لا يمكن تصور وقوعها في دولة تحترم نفسها.

رئيس الحكومة وهو يتحدث في أكادير، المدينة التي خرج منها ميثاق اكادير سنة 1991 الذي وقتعه جمعيات امازيغية قادمة من مختلف مناطق المغرب والذي كان في حينه أول وثيقة يجتمع عليها الأمازيغ وطنيا ويتوحدون بشأنها ورفعوا من خلالها رزمانة مطالب موحدة في عهد الحسن الثاني على شكل ميثاق اصبح الان وثيقة مرجعية في تاريخ الحركة الامازيغية .

كما أن اكادير وجهة سوس معروفة بنضالها المدني والميداني من اجل الامازيغية…بسبب انتشار جمعيات ثقافية امازيغية في عدة مدن وحتى في القرى و البوادي…وهو يعلم ذلك جيدا ، فلابد أن يكون لسانه لطيفا في الحديث عن الامازيغية، لعدة اعتبارات أهمها :

– فشل الحكومة بعد 8 سنوات من التصويت على الدستور في تنزيل القوانين التنظيمية لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية في الدستور، وهذه معضلة دستورية كبيرة لان الدستور ينص على ضرورة المصادقة على القوانين التنظيمية في الولاية الحكومية الاولى، وبالتالي يبقى هذا التأخير المقصود غير ذي مبرر قانوني ولا دستوري، سبب ويسبب للامازيغية الكثير من الهدر للزمن السياسي والمؤسساتي كان بامكانها ان تستفيد منه كثيرا.

– فشل الحكومة في الحفاض على النسق التسلسلي لادماج الامازيغية في منظومة التربية والتكوين، وهو المسلسل الذي بدأ سنة 2003 . وظهر ان الحكومة تتحمل كامل المسؤولية في التراجع الخطير عن مبدأ التدرج والتسلسل حيث تم توقيف تدريس الامازيغية في المستوى الابتدائي ولازال يراوح مكانه عوض التهييء والسير نحو التعميم من خلال وجود عراقيل كثيرة متعلقة بالتكوين البيداغوجي واستثناء الامازيغية من امتحانات ولوج الاساتذة، وظهور خطاب غير مفهوم يقصي الامازيغية من المساواة اللغوية ومن الالزامية في كل من الرؤية الاستراتيجية لاصلاح التعليم والقانون الاطار 17 – 51 حيث تم ادراج الامازيغية كلغة التواصل وهو استمرار لسياسة وروح الميثاق الوطني للتربية والتكوين لسنة 1998.

فشل الحكومة وعجزها عن احترام دفاتر التحملات وتعهداتها في تحصين مكانة الامازيغية في وسائل الاعلام العمومي والشبه العمومي والخاصة ، حيث اصبحت الامازيغية شبه منعدمة في بعض القنوات ومنعدمة كليا في اغلبية القنوات والاذاعات العامة والخاصة .

– ظهور نوع جديد من النضال والترافع داخل مؤسسات الدولة يقوده أساتذة مدرسي اللغة الامازيغية الذين يعانون من سياسات اقصائية مجخفة من قبل الوزارة الوصية واكاديمياتها الجنوبية في اعتبار تدريس الامازيغية وظيفة ثانوية بدون اية اهمية اعتبارية وهو العكس الذي يجب أن يحصل في حق لغة وطنية رسمية عانت عقودا من التهميش والهامشية وصامدت بفعل حيويتها خارج مؤسسات الدولة.

– ضغط دولي متواصل على المغرب لاحترام التعددية الثقافية واللغوية واحترام للاتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومة المغربية لمحاربة كافة اشكال الميز العنصري، ولا بد أن نسجل في هذا الاطار حديث وزير الخارجية والتعاون المغربي في لجنة التعدد الثقافي في المؤتمر الدولي للجمعية العامة للامم المتحدة مؤخرا حيث أكد أن المغرب يملك استراتيجية شاملة لتدبير التعدد الثقافي واحترام الاختلاف والثقافات ، وهذا غير موجود بطبيعة الحال في المغرب..حيث نعيش في ظل الهيمنة الثقافية ..

– استمرار اعتقال معتقلي حراك الريف والحكم عليهم بعقوبات قاسية جدا، اصبحت تحرج الدولة المغربية عالميا واوروبيا ، وهو حراك امازيغي يجسد وجود أزمة هوية وثقافة داخل الدولة المركزية التي تفرض لغة معينة وتدعمها بكامل القوى والامكانيات الهائلة لاماثة اللغة الامازيغية بتعبيراتها الجهوية والمحلية، وحراك الريف في الحقيقة يعبر عن فشل نموذج الدولة المركزية التي تركتها فرنسا في 1956 وتقوم بانعاشها كلما انتفضت الجهات والاطراف…خلل ثقافي يوازيه خلل اقتصادي وخلل في توزيع الثروات والموارد.

– استمرار خنق الحقوق السياسية الامازيغية منذ حل الحزب الديموقراطي الامازيغي وتشتيت الدينامية الامازيغية بمختلف الاشكال، واعتماد الدولة عن طريق احزابها بمحاولة احتواء الفعل الامازيغي عن طريق استمالة بعض الفعاليات والنخب وهو الامر الذي ينعكس على مسار الحركة الامازيغية وخطابها حيث تكون انعاكسات غير مطمئنة، لان الدولة لا تترك الحرية السياسية للافراد والمجموعات، النزوع نحو الهيمنة يؤدي الى انفجار الوضع كما هو في الحسيمة …

امام هذا الوضع الكارثي للامازيغية وحقوقها، فلم يعد الحديث عن تحقيق المزيد من المطالب والحقوق وانما اصبح الرهان فقط هو الحفاظ على المكتسبات التي تم نزعها قبل دستور 2011 بسبب قوة النكسة والتراجعات الخطيرة التي وقعت في مرحلة مابعد الترسيم. واستغلت الحكومة السابقة عدم صدور القوانين التنظيمية لتبرير تراجعاتها وتقاعسها فيما له علاقة بالامازيغية .

إن كلام العثماني عن الامازيغية هو كلام سطحي جدا فهي قضية تتجاوزه كثيرا، فكما يعلم الجميع فان العثماني فاقد للقرار السياسي ويبدو لجميع المغاربة بمثابة موظف في ادارة صغيرة لا يملك سلطة القرار في القضايا البسيطة جدا، ويتحدث عن الامازيغية التي قال عنها ابن كيران أنها لا تدخل ضمن اختصاصاته .

يجب على العثماني ووزراءه الذين يتجولون في المغرب ان القضية الامازيغية هي قضية وطنية معقدة ومركبة تحتاج إلى ارادة سياسية قوية والى استراتيجية وطنية شاملة بمافيها اعطاء الامازيغ الحق في التنظيم السياسي للدفاع عن الحقوق المهضومة والاراضي المغتصبة …أما حديث الحكومة عن الفقر والتشغيل فلن تقولوا ما قاله المرحوم عبدالله ابراهيم عنهما هو اول رئيس حكومة في المغرب كما ان العثماني لن يقول ولن يدافع عن الامازيغية مثلما يتصورها احرضان منذ 1958 …فكلام الوزراء عن الامازيغية لا يفيد في شيء لان الدولة لا تتوفر عن الارادة الحقة للمصالحة مع الهوية والثقافة والتاريخ.

لم اتحدث عن مشروع القوانين التنظيمية المتعلقة بالامازيغية لانها في اخر المطاف تعبر عن تصور الدولة وعن مواقف الاحزاب القائمة عن الامازيغية وهو تصور ومواقف متخلفة جدا.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *