العدالة والتنمية أو حين يصير الفشل مقدسا

bouchtart-590x429
عبد الله بوشطارت

إن المتتبع للخطاب السياسي المروج له من لدن أتباع حزب العدالة والتنمية، وزراء ومناضلين، سيكتشف لا محالة مستوى التخبط والتشجنج واللامنطق، بعد وصول الحزب إلى رئاسة الحكومة، الحزب دخل إلى محيط الضباب يتموج ويتوغل في اتجاه المجهول المخيف.

الحزب الذي يفتقد إلى تراكم تاريخي كبير في النضج المؤسساتي والتسيير الحكومي، ركب موجة أخونة السياسة التي اجتاحت العالم الإسلامي بعد فشل أنظمة وأحزاب ما بعد الاستقلال، أي ما يسمى بالدول الوطنية التي عاشت على ارث الحركات التحررية…. ووصل بسرعة البرق الى الحكومة بفعل احتجاجات شعبية كان خارجها وبعيدا عنها….

الخطير في خطاب البيجدي بعد وصوله إلى الحكومة، هو العمل على صناعة عدو هلامي يتناطح معه في السماء، للاحتفاظ على ميكانيزمات المعارضة التي تقوي الشعبية وترسخ الشعبوية في نفوس العامة، فهو حزب يحكم ويستفيد من كل أشكال الريع السياسي والامتيازات والوظائف والأجور المرتفعة لأتباعه مركزيا وجهويا ومحليا، وفي نفس الوقت يظهر للشعب الوجه الدعوي، المظلوم، الذي يسعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر….”التمسكين”.

وقد كشفت معركة إسقاط المرسومين للاساتذة، على أن الحزب يشتغل بمنطق “حزب الله” بمعنى أن ما يقوله زعيم الحزب هو كلام مقدس ومنزل، لا يمكن إخضاعه للنقاش… وكل توجهات الحكومة الحالية التي تضرب أولا في مصالح وقدرة عيش الشعب، ثم في مصداقية الحزب ثانيا، لأنه يضرب وعوده وهويته الاجتماعية على عرض الحائط…فبالرغم من هذا كله، يلح الحزب ووزراءه وأتباعه على الدفاع على الحكومة التي لا يمثلون فيها إلا الهامش الضعيف…، وأغلب الوزارات المهمة أسندت لأشخاص بعيدة عن الحزب وموزعة على أحزاب أخرى كما هو معروف….

فلماذا لا يخرج بعض من الإتباع أو الوزراء المنتمين للبيجدي ويعارضون قرارات الحكومة، وتحديدا مواقف ابنكران وخاصة في موضوع العنصرية ضد أهل سوس، وقسمه المشهور على عدم التراجع عن المرسومين وخرجات كثيرة غير محسوبة؟ لماذا يستميت أتباع الحزب في الدفاع عن قرارات الحكومة بالرغم من إدراكهم ومعرفتهم بخطورتها على مصالح الشعب كالزيادة في الأسعار وإصلاح التقاعد وسياسة عفى الله عما سلف تجاه المفسدين….

لماذا جلبوا مفهوم الدولة العميقة من مصر في سياق مختلف يتميز بالصراع بين الجيش والإخوان المسلمين، وينشرونه (أي المفهوم) في الأوساط ووسائل الإعلام المغربية؟ هل حزب العدالة والتنمية هو مشروع لدولة أخرى غير معلنة؟ هل أصبح الحزب يقدس الفشل وسوء التدبير الذي يرتكبه بعض وزراءه ومسؤوليه المحلين والجهويين؟ لماذا يسخر الحزب جيشه الالكتروني لمواجهة منتقدي الحزب في الشأن العمومي الذي يهم مصير جميع المغاربة، مثلا فاعل سياسي أو حقوقي أو كاتب ينتقد قرارات الحكومة التي تضرب القدرة الشرائية للمغاربة، يخرج الجيش الالكتروني للعدالة والتنمية لضرب صاحب الموقف والتشهير به، عوض شرح وتوضيح توجهات الحكومة- الحزب وتصورها مثلا…

لنعود إلى تجربة حكومة ما يعرف بالتناوب، بالرغم من الرصيد السياسي والتاريخي الكبير الذي كان لعبد الرحمان اليوسفي، فحين أصبح وزيرا أولا، عارضه الكثير من المناضلين الذين كانوا في الاتحاد الاشتراكي، وانتقدوا مواقفه وبعض قراراته، وواجهوه بالنقاش والتحليل، حينذاك أطلق قولته المشهورة؛ ارض الله واسعة….وغادر بعضهم الحزب.. للأسف؛ ما نلاحظه اليوم، هو نوع من تقديس الفشل، إيهام النفس أولا والناس ثانيا بأن كل ما يقوله الحزب ويقوم به وزراءه هو عين الصواب، هو الصحيح، ويجب على الجميع الخضوع والقبول به كما هو، بل ومواجهة من يريد تنبيه الحزب أو انتقاده، ونعته بخادم “الدولة العميقة”..

هذا التصور والنموذج في تصديق الوهم وتقديسه، يعبر عنه المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية حين انفجر بالضحك بعد أن تفوه أمينه العام ورئيس الحكومة بكلام عنصري خطير في حق فئة مهمة من الشعب المغربي…سكان وابناء سوس… هو مثال لا حصر.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *