ليس الغرض من الرجوع إلى هذا الموضوع القديم الجديد الإتيانُ بأفكار جديدة بقدر ما هو المساهمةُ في رفع اللبس المقصود أو غير المقصود الذي يكتنف الخطاب حول “العلاقة بين الأمازيغية والإسلام”…
المعادلة الكاذبة
وأول ما ينبغي القيام به في هذا المضمار هو الكشف عن سوء النية الكامن وراء اختراع هذه الثنائية ذاتها. إن وضع لغة وثقافة بإزاء دين إجراءٌ ينطوي على نية مبيتة بالإيحاء بأننا بصدد دينين: دين الإسلام ودين الأمازيغية! ثم القول: إن “دين الأمازيغية” خطر على دين الإسلام! هكذا يتضح أن إقامة هذه المعادلة ذات القطبين توحي، حتى قبل الدخول في تفاصيل نوع العلاقة بينهما، بأن الأمر يتعلق بكينونتين من نفس الطبيعة؛ وعليه لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما إلا علاقة تنافس، وربما تَنافي.
وقد بلغ من انتشار هذه المعادلة الكاذبة في خطب “الشيوخ” و”الوعاظ” وتعاليق رواد العالم الافتراضي أن اكتسبت صفة البداهة. هذا، مع أنه لا أحد يتحدث عن “العلاقة بين الفارسية والإسلام” ولا “العلاقة بين التركية والإسلام” ولا “العلاقة بين الأندونيسية والإسلام” ولا حتى “العلاقة بين الفرنسية أو الإنجليزية أو الصينية … والإسلام”!.
إن إفراد الأمازيغية بهذه المعادلة المغلوطة وراءه، كما ذكرت، نية خبيثة لدى واضعيها ومُروّجيها. وهي، من جهة، التفريقُ بين حاملي اللغة والثقافة الأمازيغية أنفسهم عن طريق خلق صراع بين “مسلمين” و”مستمزغين”، من جهة؛ ومن جهة أخرى، تأليب العامة على المدافعين عن الهوية الأمازيغية بإظهارهم في صورة المعادين للإسلام.
العلاقة بين الأمازيغية والإسلام
أضع العبارة بين علامتي تنصيص لكي أوحي بأنني لا أتبناها إلا جدلا. إن الجواب عن السؤال: ما العلاقة بين الإسلام والأمازيغية؟ هو: لا علاقة بينهما! فالأول دين، ودين عالمي universel، والثانية هوية قوم (حضارة، ثقافة، لغة، مرتبطة بأرض). هذا القوم هم إيمازيغن، منذ أن كانوا، وأيا كانت أديانهم ومذاهبهم في الماضي والحاضر والمستقبل.
الآن وقد وضعنا هذه المُسَلَّمَة البديهية على أنقاض المسلمة الكاذبة التي تجعل من الإسلام والأمازيغية قطبي معادلة تقوم على التنافي بذريعة اشتراكهما في الطبيعة والنوع – الآن، ما هي العلاقة بين الإسلام باعتباره دينا عالميا والأمازيغية باعتبارها لغة ومنظومة قيم وهوية قوم؟ لن أكرر هنا القول : إن الأمازيغ هم الذين حملوا لواء الإسلام في الغرب الإسلامي وحموا الثغور وتصدوا للحملات الصليبية ونشروا الإسلام في افريقيا… ؛ وأن اللغة الأمازيغية كانت أداة تبليغ مبادئ الدين الإسلامي وشعائره إلى الأمازيغ عبر العصور… فكل هذا معروف ومتداول؛ لكني أريد بالتذكير بتلك المعطيات أن أسأل هؤلاء الأمازيغيين الذين يعملون على إيجاد علاقة تَضَادٍّ وتَنافٍ بين الإسلام دينا وبين الأمازيغية بالتعريف المذكور: ماذا يمنعهم من أن يسيروا على النهج الذي سار عليه علماء الأمازيغ وفقهاؤهم ووعاظهم السابقون في نشر مبادئ الدين وقيمه وشعائره ونصوصه بين الجمهور الناطق بالأمازيغية؟ هل كان أسلافهم من الفقهاء والوعاظ أرَقَّ تدينا وأقل علما بالدين؟! إن الحقيقة التي يخفيها “شيوخ” و”خطباء” اليوم من المتعصبين للعربية ضد الأمازيغية هي أنهم نسخة متأسلمة من القوميين العروبيين، إما عن وعي، كاختيار أيديولوجي، وإما عن غير وعي، جَرّاءَ سيطرة فكر التيار القومي العروبي على التعليم والاعلام بعد الاستقلال.
إن المرء ليتساءل باستغراب: على أية نظرية تواصل يعتمد هؤلاء الخطباء الشباب والأقل شبابا وهم يتوجهون بخطبهم إلى جمهور أمازيغي اللغة بلغة شعراء العصر العباسي؟ هل المقصود هو تبليغ رسائل أم خلق مسافة الغرابة، مع ما يرتبط بها من التبجيل لشخص الخطيب، باعتباره محتكرا لرأسمال رمزي يتفرد به عن الجمهور الذي انتُزِعت منه صفة المتلقي النشط بسبب عائق اللغة، ليتحول الى كتلة سلبية تنتظر بضجر أن ينتهي الخطيب المفوه تمرينه اللغوي.