العناق المميت أو الوجه البشع لإسبانيا بالريف (الجزء الأول)

بقلم: ذ. فـريـد ولـدمـحند
بقلم: ذ. فـريـد ولـدمـحند

بمناسبة ذكرى النزول العسكري الاسباني بسواحل الحسيمة يوم 08 شتنبر 1925 Desembarco de Alhucemas. ويعتبر هذا الانزال الاول من نوعه في التاريخ العسكري، وهو الحدث الذي يذكرنا بالاستعمال المكثف للغازات السامة بتحالف مع القوى الاستعمارية خاصة فرنسا وألمانيا لإنجاح عملية اجتياح الريف والقضاء على حكومته الفتية كآخر معاقل المقاومة المسلحة بالمغرب.

وقد صدرت مؤخرا في نفس الموضوع عن دار ابي رقراق للنشر، الترجمة العربية للكتاب الموسوم: بـ”العناق المميت من حرب الريف الى الحرب الاهلية الاسبانية” “DEADLY EMBRACE Morocco and the Road To the Spanish civil War”، لصاحبه سيبستيان بلفور، ترجمة وتقديم: ذ.عبد المجيد عزوزي، منشورات تيفراز.

قسم الكتاب الى عشرة فصول موزعة بشكل منهجي متناسق على 719 صفحة. تتخللها بعض التصويبات والتوضيحات المهمة أوردها ذ.عبد المجيد عزوزي في الهوامش. مع إغفال بعض منها قد يأتي سياق آخر للحديث عنها.

يضم الكتاب حقائق مثيرة منها ما نشر لأول مرة قبل أن تؤكدها ماريا روسا ذي مادارياكا، وهي قضايا تاريخية شائكة منسية عن حرب الغازات السامة، حجمها وآثارها على المدنيين والعسكريين من كلا الجانبين.

اعتمد المؤلف على مصادر وأرشيفات مهمة ما تزال غير متاحة لعموم الباحثين (أرشيف القصر الملكي بالمغرب AGRP، مصلحة الارشيف العسكري التاريخي SHM يضم تصنيف أشمل للقنابل المستعملة في حرب الريف..).

بالرغم من توفر الدولة المغربية على وثائق تؤكد استعمال اسبانيا للغازات السامة في الفترة الممتدة بين سنتي 1922 و1925، إلا انها ما زالت تتحاشى طرح الموضوع للنقاش ومطالبة اسبانيا بالاعتذار عن جرائمها ضد الانسانية بالريف، “.. وبالمثل لم يتم في المغرب ذاته أبدا، تداول أخبار عن الحرب الكيماوية ضد المقاومين الريفيين، فكما رأينا أعلاه كانت الحرب في الريف كفاحا من أجل استقلال الريفيين من هيمنة اسبانيا والمغرب معا. والى حدود تاريخ حديث جدا، امتنع المخزن المغربي عن الاعتراف بحدوث حرب كيماوية في الريف على الاطلاق. بل لم نشهد اعترافا بمحمد بن عبد الكريم الخطابي  الا في السنة الاخيرة، اي في ظل إدارة الملك الجديد، وقد طبع هذا الاعتراف نوع من الاحتراز، وتم ادراج كفاحه ضمن الاطار العام لنضال الحركة الوطنية من اجل استقلال المغرب. ( العناق المميت ص:286).

قد لا نختلف كثيرا مع ما أورده سيبستيان بلفور في حديثه عن غياب الاعتراف الرسمي بحركة محمد بن عبد الكريم الخطابي وكفاحه التحرري، وكذا عدم إثارة الحرب الكيماوية في الريف ومطالبة اسبانيا بالاعتذار الرسمي للريفيين والمغاربة عموما. ولتفسير ذلك يشير الباحث نفسه الى أن: “السبب الرئيسي وراء امتناع الدولة المغربية عن نشر وإشاعة أخبار الدمار الذي لحق بمواطنيها بالريف في العشرينيات من القرن الماضي، قد يعود إلى تخوفها  من احتمال تأثير هذا القرار على علاقتها مع اسبانيا. كما أنه نتيجة أيضا، للتهميش المتواصل للريف من طرف النخبة السياسية المهيمنة في المغرب”. (نفسه ص:287).

بعد الانتصار في معارك أنوال سنة 1921 وتشكيل بن عبد الكريم لحكومة قبائل الريف، شعر الاسبان بمرارة الهزيمة في حربهم بالمغرب، حتى سميت معركة أنوال في ادبـياتهم بالكارثة Desastre de Annual، مما تسبب في تراجع كبير واختلاف في مساندة الطبقة الحاكمة في اسبانيا، بين مناهض للحرب من نقابات وطلبة وجمعيات الاحياء في جميع انحاء البلاد وبين من يدعو الى مواصلة التدخل العسكري في المغرب.

ولرد الاعتبار للجيش الاسباني ونتيجة لشراسة المقاومة وانتصاراتها، بدأ التفكير في استعمال الغازات السامة، هكذا منحت لشتولتسنبرغ (المهندس الالماني الذي أشرف على إنشاء ترسانة الاسلحة الكيماوية) الجنسية الاسبانية وانتقل جوا الى مدريد بموافقة السلطة العسكرية الالمانية يوم 20 غشت 1921.

 وقد تم انشاء عدة مصانع لانتاج الغازات السامة أهمها:

معمل في بناية وزارة الحربية في وادي الحجارة  Guadalajara لانتاج القنابل الكيماوية بمساعدة تقنيين ألمان ونمساويين.

مصنع متخصص في الكمياء الكهربائية في فيليكس في إقليم تاراغونا وآخر في غرناطة وثالث في مايوركا يسمى لابيوبلا لانتاج غاز الكلور.

مصنع لانتاج غز الخرذل في بويك Puig ودينيا Denia، وكلا البلدتين قرب بلنسية، بالاضافة الى معمل في بيساكا يدعى كيرينكا..(معلومات أوردها بلفور نقلا عن مكتب السجل التابع لوزراة الحربية وأرشيف المصلحة التاريخية للجيش البري).

مصنع لامارانيوسا La Marañosa بالقرب من مدريد أطلق عليه اسم “ألفونسو الثالث عشر”، ففي موقف لا انساني لم يجد اي حرج في التصريح به، اشار الملك الاسباني الى: “وجوب استعمال الطرق الأشد عنفا وقساوة ضد ابن عبد الكريم”، ولإنقاذ الاسبان والفرنسيين يجب اعتماد حصار مزدوج بري وبحري يؤدي بالساكنة الى المجاعة، بالإضافة الى تنفيذ قصف مكثف ومتواصل بواسطة جميع أنواع الغازات السامة الاكثر فتكا وإيذاء، يضيف الملك: “إن أهم شيء هو إبادة الورياغليين والقبائل الاقرب من عبد الكريم، كما أنها حيوانات ضارة…” (ع.م.ص300).

وعن حجم القصف الجوي بالغازات السامة تمهيدا للانزال العسكري بشواطئ الحسيمة فقد اشار تقرير أعده إكناسيو منسق لجنة عسكرية مكلفة بدراسة مشروع الانزال بخليج الحسيمة أورد بلفور مقتطف منه يقول: “حيث يجب أن تلي هذا القصف الاولي عملية قصف جوي مكثف متواصل دون انقطاع على مدى أربع وعشرين ساعة عبر إلقاء طوفان من قنابل الغازات السامة بنسبة تفوق عشر مرات ما نصح به فون تشودي رئيس القوات الجوية الالمانية، ككمية ضرورية لابادة كل الكائنات الحية في ثمانين أو مائة كيلومتر مربع، من المنطقة الغنية والخصبة  والمأهولة بالسكان المجاورة لخليج الحسيمة…”، هكذا لن يتبقى أحد على قيد الحياة، وإذا ما نجى بعضهم فسيصبحون معطوبين بشكل كلي”. ص:301.

اعترف أحد الطيارين المشاركين في قصف الريفيين بقنابل غاز الخردل الخطيرة في كتاب عبارة عن سيرة ذاتية موسومة ب “تغيير المسار Cambio de rumbo”، حيث قال: “ان المهمة التي أنيطت بي كانت تصرفا دنيئا وجريمة”. (العناق المميت ص:304). وهو الطيار الذي ألقى أولى القذائف المسمومة التي تزن مائة كيلو غرام من مخزون يعود مصدرها الى دول التحالف المتبقية من الحرب العالمية الثانية اقتناها الاسبان ثم نقلوها باحتراس شديد الى المعمل الكيماوي بمليلية. ليتم شحنها في الطائرات المقاتلة والمقنبلة المائة والسبع والعشرين المشاركة في الحملة الجوية وهي كافية لالقاء ما مجموعه ألف وستة مائة وثمانون قنبلة يوميا حسب التقديرات العسكرية الاسبانية نفسها.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *