تقرير: حميد أيت علي “أفرزيز”
الكل يتفق أن العنف بالجامعة المغربية، تصرف منبوذ، وخطوة تعتبر جبانة وضعف من طرف المُمَارِسْ، كون الجامعة مكان للعلم وللمقارعة الفكرية، ونشأة أجيال المستقبل؛ إلا أن تاريخ الجامعة المغربية غير مشرف، تم تلطيخه بالدماء والشهداء، وكذا المعطوبين والجرحى؛ قد لا تخلوا أي سنة جامعية من عنف مادي ولفظي، دماء تسيل وترهيب الطالبات والطلبة مستمر، سيوف و”زبارات” تُحمل عوض أقلام وكتب علم؛ عائلات عزمت عن رفض تسجيل أبنائها بالجامعات المغربية خوفا أن تعود أجسادهم في صندوق خشبي، أو على كرسي متحرك.
على ذكر أرواح الطلبة التي تسقط تباعا في الجامعات المغربية بسبب إندلاع أحداث العنف، نعيد التذكير باسمائهم وتاريخ وفاتهم، لعل ضمير يتحرك لينهي هذا الاحتقان وبرك الدم التي لطخت سمعة الحرم الجامعي.
في سنة 2007 توفي الطالبين المرحومين، المنتميين لفصيل النهج الديمقراطي القاعدي “عبد الرحمان الحسناوي ومحمد الطاهر الساسيوي” بجامعتي مكناس والرشيدية، والطالب المرحوم المتوفي سنة 2014 المنتمي لمنظمة التجديد الطلابي “عبد الرحيم الحسناوي” بجامعة فاس، والطالب المرحوم المتوفي سنة 2016 المنتمي لمكون الحركة الثقافية الامازيغية “عمر خالق” الملقب “بإزم” بجامعة مراكش؛ مع ضرورة التذكير أن الاسماء الاربعة المذكورة توفيت في الجامعة المغربية بعد إندلاع أحداث عنف وهجومات ومواجهات، أدت لسقوط أرواحهم، وهم القادمون من المغرب العميق أسامر “الجنوب الشرقي” بحثا عن العلم والمعرفة، بالاضافة للطالب المرحوم المتوفي في السنة الجارية 2018، والمنتمي لفصيل الطلبة الصحراويين جبهة البوليزاريوا “عبر الرحيم بضري”، الذي لا يزال التحقيق جاريا عن أسباب وملابسات وفاته بجامعة اكادير.
ماهي إذن أسباب هذا العنف بالجامعة؟ وماهي الحلول المقترحة للقضاء عليه وخلق جو من التحصيل العلمي؟، أسئلة وأخرى تجدون لها جوابا، في التقرير الحصري الذي أنجزته جريدة “العالم الامازيغي”، والتي بادرت بمراسلة مكونات وفصائل منظوية في نقابة “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” وكذا طلاب ينتمون لذات المكونات، بغية تنوير الرأي العام، ومحاولة منها للمساهمة من جانبها في حقن الدماء، وجعل ضحد الحجة بالحجة والمقارعة الفكرية ونبذ العنف والاقصاء، أسمى وسيلة لإنهاء هذه الازمة الطلابية الخانقة، وخاصة إذا علمنا أنه يصعب لحد الساعة جمع كل هذه المكونات والفصائل الطلابية في طاولة واحدة للنقاش.
✔ في تصريح “…” المنتمي لفصيل “النهج الديمقراطي القاعدي”، والذي تعمدنا عدم ذكر إسمه، استجابة لطلبه واحتراما لرأيه، يفيد أنه بالامكان “في الوقت الحالي إعطاء قراءة واحدة وموحدة عن مسألة العنف بشكل عام والجامعي منه بشكل خاص، وليس من السهل بمكان الحديث عن تجاوزه بتلك البساطة التي تبدو عليها، إذ هي معقدة بمستوى تعقد الحركة المحورية للصراع الطبقي نفسه. من الناحية النظرية لا يمكن تجاوز التعاليم العلمية لكل من كارل ماركس، انجلز و لينين بخصوصها..”؛فالعنف أو الحرب يضيف “الرفيق” ليس خيارا أو رغبة ذاتية لذاك الفرد أو تلك الجماعة، كما يدعي أصحاب الفهم الميتافيزيائي المنافي للجدل الماركسي، بل هو استمرار للسياسة بأشكال ـ أخرى ـ آخر، لهذا يمكن تسميته بدقة “السياسة الدامية”.
نقطة أخرى لابد من الإشارة اليها يضيف “الماركسي”، هي التمييز بين العنف الثوري و العنف الرجعي؛ و مضمون كل منهما مستمد من خلال التمييز بين الممارسة السياسية الثورية و نقيضها الرجعية، و التي تعكسها الجامعة باعتبارها مرآة مصغرة للصراع الدائر رحاه على مستوى الشارع السياسي بين الجماهير الشعبية والنظام القائم الرجعي بالمغرب”. إلا أنه حسب تعبيره “بالرغم من من كل هذا فإنني لا أنكر المغالاة في اللجوء الى العنف بل ربما تبنيه كخيار استراتيجي لحسم الصراع دون مراعاة لأهداف ومصلحة الحركة الطلابية آنيا واستراتيجيا. هذا الإنحراف كانت ثمرة بذرتها الأولى التدني الخطير في مستوى الوعي السياسي الذي عرفته الساحة في الآونة الأخيرة وكذا الصبيانية وانعدام النضج وتحمل المسؤولية لدى ” القادة “، في طريقة تأطيرهم للقواعد عبر تربيتهم تنظيميا على تحمل المسؤولية، وكيفية التعاطي مع الإشكالات المرتبطة بممارستهم النضالية وذلك عن طريق عدم الفصل بين المناضل كطالب وممارسته السياسية والنقابية داخل الجامعة.
✔ من منظور “منظمة التجديد الطلابي”، يفيد “حميد إدبلعيد” الكاتب المحلي للمنظمة فرع أكادير، أنه منذ ولوج المنظمة/فصيل الوحدة والتواصل للفضاء الجامعي، كانت إلى جانب القوى الحية التي ترفض منطق العنف والقوة داخل الساحة الجامعية، باعتبار هذه الأخيرة فضاء للمقارعة الفكرية والنقاش الايديولوجي. وأبدت المنظمة/ الفصيل مواقف واضحة من العنف الجامعي، حيث اعتبرته سلوكا مرفوضا يُعَدُّ نتيجة لأزمة الحركة الطلابية المغربية بشكل عام.
هذا أطلقت “منظمة التجديد الطلابي” يضيف “الأخ”، للمبادرة الوطنية لمناهضة العنف منذ سنة 2007، كما أنها نوهت بعدد من المبادرات المماثلة التي دعت إليها مكونات طلابية أخرى(فصيل طلبة العدل والإحسان، الحركة الثقافية الأمازيغة). وفي هذا الإطار وجب الإشارة إلى أن موقف المنظمة من مبادرة الحركة الثقافية الأمازيغية الموسومة ب “توقيع ميثاق شرف ضد العنف والإقصاء” كان إيجابيا، وقد طالبت أكثر من مرة بصياغة هذا الميثاق وتوقيعه، لكن بقيت الأمور غير واضحة. وتبقى مسؤولية وقف نزيف العنف بالجامعة على عاتق الدولة بتعبير الكاتب المحلي “لمنظمة لتجديد الطلابي فرع اكادير” للقيام بدورها في حماية الطلبة (مواطنين)، والقبض على الجناة، وكل من يزكي ويستثمر في هذه الآفة داخل الوسط الطلابي.
✔ من موقف “إيمازيغن” يوضح “أحنين عدوي” المنتمي لمكون “الحركة الثقافية الامازيغية”، بشأن ظاهرة العنف الجامعي، حيث يفيد أن موقف الحركة واضح وهو، نظرا “لقيمنا التي لم تربينا على الرجم والجهاد أو العنف الثوري. إذ لا يمكن للنسبي العلمي العلماني الديموقراطي… ان يكون عنفيا؛ ايمازيغن على مسرح التاريخ او حتى في الجامعة طالما كانو ضحايا”.
في مسألة الحلول المقترحة بالنسبة للعنف الجامعي يضيف “أمداكل”، هي طوباوية الى حد ما، فالعنف محايث للتاريخ، كلما تقدم العقل تقهقر العنف، وكلما تراجع العقل تقدم العنف. ما يجب العمل من أجله هو إدانة العنف وعدم تبريره ايديوليجيا، فلا الجهاد او العنف الثوري مبررات لممارسة العنف وشرعنته. إذ أن لا شرعنته تفتح المجال لإدانته وتجفيف ينابيعه وذلك لا يتأتى إلا ببناء مجتمع الإختلاف.
السلطة السياسية تمارس العنف على الفرد منذ نعومة الأظافر يسترسل “أحنين عدوي”، حيت أن ذلك التلميذ الذي كان (القلم الأحمر) متعاليا عليه في بداية نشئته، وشب في محيط “عشيري” وترسانة قانونية كابحة للإختلاف، في ظل ثقافة الهامش التي لا يسمح لها المركز باالإبداع، لا يمكن ان يكون الا عنيفا، والحلول لنبذ العنف يختم “أمغناس”، تكمن في إعادة هيكلة المجتمع والمؤسسات الإجتماعية بغض النظر عن المجتمع السياسي “المغربي”، لكونه مبني على العنف وبزوال العنف يزول نمط السلطة بالمغرب، وقد اقترحت “MCA” ميثاق شرف لنبذ العنف و الإقصاء ومبادرة الوحدة الطلابية منذ سنة 1999، لكنها تبقى حبيسة الإقتراح وذلك ان الجامعة تعرف تواجد تيارات متطرفة اطلاقية، والمطلق لا يمكن محاورته بالنسبي.
✔ من جانبه وضح “عبد الغاني مموح” عضو المكتب الوطني لطلبة “العدل والإحسان”، أن
موقفهم من العنف مبدئي واضح فهو منبوذ ومرفوض، لأنه مرتبط بعقلية فاسدة استبدادية، ونحصر الحديث عن العنف الفصائلي دائما في الكليات التي توجد فيها الفصائل الاستئصالية، التي تعتبر الاختلاف في المرجعيات الفكرية والهوياتية والسياسية منطلقا لإقصاء المخالف، في الوقت الذي ينبغي للاختلاف أن يكون الداعي الأساسي للحوار والتعايش.
التعصب لهذه المرجعيات هو الخطير بتعبير “الأخ”، لأن هناك من يستغل هذا الاختلاف لخدمة أجندات معينة. ومن يمارس العنف في الجامعة من فصائل أو مكونات، سواء من منطلق الفعل أو رد الفعل، فهو –من حيث يدري أو لا يدري- جزء من مخطط رسمي مخزني، يسعى لجعل هذه المؤسسة مستنقعا فارغا من أي محتوى بنائي. وخطورة العنف الذي تمارسه الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر في حق الطلاب والجامعة أكبر، لأن المقاربة الأمنية الفاشلة أولى أولوياتها.
للخروج من هذا المأزق يختم “عضو المكتب الوطني لطلبة العدل والإحسان”، يجب أن تتوفر إرادة سياسية حقيقية من طرف الدولة للقطع مع هذه الظاهرة بداية، وقبلها إرادة حقيقية مبدئية من طرف الفصائل نفسها، عن طريق استيعاب بعضها البعض، والقبول بالآخر، واعتبار الحوار مدخلا أساسيا ومهما في لم الشتات وإرساء الاحترام بين الجميع، مع ضرورة انخراطها في تنظيم “أوطم” لأنه الكفيل بجمعها، وتنظيم شأنها في علاقة بعضها ببعض وبالطلاب والإدارة والسلطات، ثم عزل أي ممارس للعنف ومقاطعته، والتشهير به. وعلى المتدخلين في المجال، بث الوعي اللازم كل من موقعه، داخل الجامعة وخارجها. إضافة إلى أهمية تسليط المزيد من الأضواء الإعلامية على كل ما يروج داخل الجامعة وليس ما يرتبط فقط بالعنف.
✘ تشير جريدة “العالم الامازيغي” أنها حاولت مرارا وتكرارا ولمدة أربعة أيام، ربط الاتصال والتواصل بالفصائل والمكونات كلها بغية أخذ تصريحاتهم عن ظاهرة العنف والحلول المقترحة، حسب كل مكون وفصيل، إلا أنها تعظر عليها رصد باقي الاراء، لأسباب تتعلق حسب المعنيين بضرورة إجتماع المكاتب أحيانا، وتجاهل تقديم التصريح أحيانا أخرى.