الفلاحة المعيشية بتاركا ن ماست
الجزء الأول: نظام تنضافت TANDAFT
….وتستمر هذه الوقفة التأملية، التي سنخصصها للفلاحة المعيشية ومختلف ممارسات أفراد القرية إزاءها. ممارسات تندرج كلها تحت غطاء البراديغم الاجتماعــــي المؤطر لحياة القرويين، والذي تحدثنا عنه سلفا….من باب التذكير مجددا أن هذه الوقفات التأملية التي تهم مكون الفلاحة المعيشية تم الاستناد أثناء إعدادها على الرواية الشفهية للوالد أطال الله في عمره الذي كان يمارس جزءا من المهام التي ستكون موضوع الحديث التأملي (خاصة نظام تنكافت). كما تم الاستناد أيضا على بعض الوثائق التي كانت بحوزته، والتي تضم بعض المعطيات الرقمية ..
معلوم أن أهل ماست عموما، أيت ماست، يعتمدون في وقت من الأوقات على النشاط الفلاحـــي المعيشي كمورد أساس للرزق. فتاركا Targa ن ماست، المكونة تقريبا من 2670 بقعة فلاحية، منها 2656 أمتول Amttoul مسقية (أي ما يعادل 241 هكتار) تحتضن فلاحة معيشية متنوعة. يظل أسنكار Asngar ” الذرة” بمختلف أصنافه (أبلدي، أمليل، أزكاغ) أبرز منتوج مميز للمنطقة، فضلا على الفول والشعير والقمح وأشجار التين والرمـــان وبعض الحوامض وبعض الخضروات كالقرع والجزر واللفت ….أمام كثرة المهام التي يمارسها القرويون، واعتبارا لكون تاركا الشاسعة هي المصدر الوحيد لعيشهم، فلا بد من رعاية وحراســــة المنتوجات الفلاحية، خاصة أنها تتعرض بين الفينة والأخـــرى لهجمات وسرقات من طرف الغرباء…هذا الأمر فرض على القبيلة استحداث نظام للحراســــة في إطـــار البراديغم الاجتماعي سالف الذكر….
القبيلة، ومن منطلق إيمانها بجدوى العمل التعاوني التضامني، الذي يخفف العبء على الأفراد، خاصة أن هؤلاء يختلفون من حيث القدرات والإمكانات المادية واللوجيستيكية، خلقت لنفسها نظاما يسمى تنضافت Tandaft أو الحراسة المنتظمة والمؤطـــرة. كان أهل قريتي مثلا يختارون بالإجماع شخصين بمواصفات نوعية، بدءا بالانتماء للدوار، مـــرورا بالقوة البدنية والصرامة والبعد التبصري والاستباقي انتهاء بالاتصاف بالعدل والأمانة والثقة…توكـــل إليهما مهمة الحراسة النهارية لحقول تاركا حفاظا على المنتوجات الفلاحية لأهل البلدة. بعد اختيارهم بالإجماع، يتم إبلاغ جميع أفراد القـــرية بمضمون التكليف وبالمعنيين به….كما يتم إبلاغهم بفحوى ومبلغ الغرامات الواجب أداؤها من طرف كل شخص قبض عليه متلبسا من طرف أنضافن andafn ” الحارسان” …كما يتم التفاوض مع المختارين للحراسة بشأن أجرتهما، التي تكون سنوية ولا تؤدى نقدا، وإنما عبر قيمة متفق عليها مشكلة من المحصول الزراعي….وغالبا تتم الأجرة عن طـــريق الذرة ” أسنكار”…صاع أو صاعين على الأكثر…
يباشـــر أنضافن ” الحارسان” مهمتهما وفق خطة يتم إعدادها من قبلهما، تعتمد غالبا المباغتة، والفجائية والتنكر…فلا أحد يتوقع مكان تواجدهما….فكل من يقع تحت قبضتهما يتم اقتياده للساحة العمومية ليقدم للقائد، ويؤدي بعد ذلك مبلغ الغرامة ….وليكون عبرة للآخرين ….مادامت الأمور تخضع لاتفاق قبلي، لا أحــــد يعترض على القرارات، ولا أحـــد يحقد على أنضاف لأن قيامه بواجبه على أحسن وجه فيه مصلحة للجميع ….هكذا يطمئن الجميع على ممتلكاته، وتضيق مساحـــة الكراهية بين الأفراد التي يمكن أن تنشب بسبب التطاول على حرمة الملكيات الخاصة. وبهذا النظام تمكن المجتمع رويدا رويدا من اكتساب مناعة احترام الملكية الفردية، والامتثال للقانــــون الذي يحمي الجميع من الجميع ….
غذا نستمر معكم مع نظام آخــــر يهم سقي هذه المساحات الزراعية وفق نظام يدعى تنكافت، له قوانينه وأساسيته ….فكونوا معنا في الموعد بحول الله…
إلى تأمل آخـــر، أرجــــو لكم ليلة رمضانية كلها أحاسيس إنسانية …. إلى لقاء آخر بحول الله
يتبع..
ملاحظة: في الصورة جزء من تاركا ن ماست بعدسة هاتفي
أمتول Amttoul : بقعة زراعية مسقية
إبــــــــراهيم عفيف
سوس ماســـــة
14/05/2020