الكاتبة فتيحة سعيدي عاشت ثلاث ثقافات بهوية أمازيغية

ولدت الكاتبة فتيحة سعيدي بمدينة وهران سنة 1961، بعد أن هاجر والديها نحو الجزائر خلال خمسينيات القرن الماضي، لكنا لم تنسج علاقة عميقة بمسقط رأسها، لأنها هاجرت رفقة أسرتها مرة أخرى نحو مدينة بروكسيل-بلجيكا، في عمر خمس سنوات ونصف، ما لم يجعل ذاكرتها تراكم رصيدا مهما من الذكريات داخل هذه الجغرافيا، رغم أنها ترددت إلى المنطقة لكنها كانت زيارات قليلة وقصيرة، لكن قضية المغاربة المطرودين من الجزائر خلال دجنبر 1975 طبعت مسارها النضالي، خاصة وأن جديها كانوا من ضمنهم، ودافعت فتيحة سعيدي كثيرا على ملف هؤلاء الذين عاشوا فترة جد صعبة، حيث فقدوا ممتلكاتهم وتجارتهم حياتهم الاجتماعية التي استمرت هناك لعقود، وهي الآن ضمن جمعية دولية تترافع على حقوق هذه الفئة، بينما تعتبر المغرب عامة والريف خاصة وطنا لها وأرض أصولها، لها ارتباط عميق به وترغب في أن تراكم معارف أكثر حوله، وتشتغل أيضا كباحثة في كل ما ارتبط بثقافة ومجتمع الريف، حيث كتبت حول المرأة الريفية وحول الشعر الريفي، واعتبرت بلجيكا بلدا ثاني لها، رغم أنه لا يحتل مكانة الوطن إلا أنها ترعرعت هناك، ونشأت هناك، وهذه الدولة شهدت ميلاد بناتها، واحتضنتها وساعدتها على بناء مستوى علمي وثقافي جيد ومنحتها فرص عديدة، وخلقت حياة اجتماعية هناك، جعلتها محاطة بالعائلة والزملاء والأصدقاء.

تعددت ثقافات الكاتبة فتيحة سعيدي، حيث احتفظت بوصفات الطبخ الجزائرية التي كانت والدتها تعدها، كما أخذت ثقافة الأغنية الجزائرية، لمغنيين كثر مثل نورة ووردة الجزائرية، وللريف خصوصية لديها كبيرة لديها، حيث عاشت الأعراس التقليدية، وأيام الزمن الجميل على أنغام “إزران” التي تلقيها نساء المنطقة، كما شاركت في صناعة الحلي المحلية رفقة بنات عائلتها، واحتفظت بثقافتها التي بلورتها إلى كتابات تحكي أصالتها. تمكنت في بلجيكا من طبع مسارها الثقافي نتيجة توفر دور المسرح والسينما والمكتبات، الأمر الذي تتأسف عن غيابه في الريف، حيث توجد مكتبة وحيدة لبيع الكتب بمدينة الحسيمة.

تابعت سعيدي مسار البسيكو-بيداغوجيا، بعد أن تم تزويجها قصرا قبل أن تبلغ سن الرشد، وعاشت تجربة عمل ومارست العمل الجمعوي، وجهها نحو هذا المسلك، الذي أمدها بوسائل ومناهج في غاية الأهمية، لوضع بصمتها في عالم الثقافة والكتاب والعمل الجمعوي.

عاشت تجربة جد قاسية في مدينة نامور البلجيكية، التي تبعد بحوالي 60 كيلومتر عن بروكسيل، لتتمكن من تجميع تجربة كتابها حول النساء المتسولات الذي يحمل عنوان “Dans La Peau D’Une Femme Mendiante”، ووقع اختيارها على هذه المدينة لتكون المهمة في سرية تامة، وأخبرت فقط سيد يشتغل في المجال الاجتماعي، وصديقة مقربة، تحدثت مع الإثنين، كونها تعود ليلا بحالة نفسة مدرة تستوجب البوح بما عاشته خلال يوم كامل من التسول، وصفت البرلمانية السابقة هذه التجربة بالقاسية، وأكدت أن لو تم اقتراح إعادة التجربة لن تتمكن من ذلك، وخلال اليوم الثالث تسلل إليها اليأس وقررت إنهاء التجربة، لكن المسؤولة عن نشر الكتاب تمكنت من إقناعها، لتستمر في التجربة التي دامت أسبوع، ورافقتها ثلاثة أيام إضافية، وبالنسبة لها هذه التجربة تفقد الإنسان كرامته، وتجعله محط سخرية واستخفاف، وقليل من الناس من أسدى لها نصائح للالتحاق بجمعيات للإيواء…، وأضافت تجربة أخرى عن طريق ماستر متخصص في مقاربة النوع، توجته بدراسة حول نساء بدون مأوى، وذلك خلال مرحلة كرونا، والآن هو كتاب متاح للعموم.

توجت الأستاذة الجامعية مسارها العلمي بعدة إنتاجات أبرزها “Les Fourmis Prédatrices” كتاب صدر سنة 2017، وهو عبارة عن قصيدة محمد مولاي الذي كان ضمن المغاربة المطرودين من الجزائر خلال 1975، وكان في سن الثامنة عشرة آن ذاك، كما قامت بإصدار كتاب ثاني حول “Par Les Liens Forcés Du Mariage” حيث تروي قصة زواجها القصري عبر رواية اجتماعية، إضافة إلى كتابها حول تجربة النساء المتسولات، قامت بكتابة دراسة ثقافية اجتماعية حول النساء الريفيات “Echos De La Mémoire Sur Les Montagnes Du Rif” والذي جمعت مادته سنة 2008، حيث عاشت تجربتها مع نساء من فئات عمرية مختلفة أصغرهن 69 سنة وأكبرهم 92 سنة، ومن خلالهن كشفت عن تقاليد طقوس العبور…، وتواريخ ذات أهمية في الريف من ضمنها مجاعة 1945…، وأخذت منهم أسرار حياة المرأة الريفية وطرقهن الشعبية في التداوي في ظل غياب الطب، واستقت رغبتها في تكريم المرأة الريفية عن طريق اصدار علمي، بعد أن عاشت تجربة زلزال الحسيمة سنة 2004، حيث عاينت أن المرأة الريفية هي المجتمع الريفي وحاملة همومه، هي التي تسهر على رعاية الأسرة بكل الوسائل، في نكران تام للذات، بحثن تحت الأنقاض على أشيائهن وقمن بمساعدات في عملية البناء، وسهرن على توفير طعام العمال، لاحظت الأستاذة فتيحة سعيدي أن المرأة الريفية لم تنل حظها من الدراسة، ولم تأخذ فرصة التعبير عما يخالجها، وتتحدث عن نفسها وحياتها، وتمكنت من أن تخرج المرأة الريفية من وراء الستار وتقدمها للعالم.

عبرت فتيحة سعيدي عن رضاها عن الوضعية الحقوقية للمرأة المغربية، ووضعتها في تقييم أفضل من وضعية المرأة في أوروبا، التي تتهدد مكانتها بصعود وتنامي تيارات اليمين المتطرف، وفي الريف لاحظت أن الفتاة أصبحت تكمل دراستها وتعمل وتعيل عائلتها، رغم مواجهتها بعض الصعوبات على غرار ما هو سائد في العالم بأسره، من ضمنها بعد المدرسة وبعض مظاهر التمييز العنصري القائم على النوع…، المرأة منذ مدونة الأسرة سنة 2004، وهي تحصد الإنجازات، في أفق فتح حوار لتعديل المدونة وإضافة مكاسب أخرى…

نادية بودرة

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *