الكاتب السوري نضال نعيسة في حوار مع «العالم الأمازيغي»

nidal
الكاتب السوري نضال نعيسة

الأمازيغية تعرضت للعنصرية والتطهير العرقي من قبل «الغزاة العرب»

في هذا الحوار الحصري مع جريدة «العالم الأمازيغي» قال الكاتب والمحلل السياسي السوري، نضال نعيسة، بأن الأمازيغ تعرضوا لـ «جريمة الأسلمة والتعريب والتطهير الثقافي ومحو الثقافة والذاكرة وطمس التاريخ»، وأضاف أن الأمازيغ ضحايا فقدوا خصوصياتهم الثقافية وعاداتهم النابعة من بيئتهم بالتقييم الحضاري والمدني والإنساني والأخلاقي بسبب من يسمون أنفسهم بالعرب، مضيفا بأن القضية الأمازيغية واحدة من كثير من قضايا التي تعرضت للعنصرية والتطهير والجرائم الثقافية التي عانت منها مجتمعات وشعوب على مستوى العالم، وطالب الكاتب السوري المعروف بنقده اللاذع للأنظمة العربية في حواره مع «العالم الأمازيغي» باحترام خصوصيات الأمازيغ من قبل من أسماهم بـ «الغزاة العرب والمستعربين»، وتحدث نعيسة المحكوم عليه بالإقامة الجبرية لمدة سبع سنوات من طرف النظام السوري عن الأوضاع والصراع الدموي الجاري في سورية، كما تحدث عن الصراع الإسلامي ـ العلماني، وعن التنظيمات الإسلامية المسلحة والتدخلات الأجنبية في سورية، وعن موقفه من الفيدرالية المعلن عنها من مؤخرا من طرف الكورد في شمال سورية.

تحولت سورية إلى ساحة لنزاعات إقليمية ودولية منذ سنة 2011، كيف تنظر للمشهد السوري اليوم؟

تماماً هناك حرب كونية وصراع قوى ونفوذ بين دول عظمى وأخرى إقليمية على الساحة السورية، وهو نمط جديد من حروب الوكلاء يضع داعش في الواجهة وقوى العدوان من خلفها في مواجهة «النظام» السوري، واللعب على ذلك سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً، وحقوقياً، وما كانت السعودية وأتباعها ليجرؤوا على إطلاق طلقة واحدة في سوريا لولا الرعاية والتغطية الغربية الأطلسية الكاملة فهذا خرق فاضح للميثاق الأممي. وهناك وكلاء محليون، وواجهات سورية بكل أسف لتبرير واستدامة الصراع وليس من مصلحة دول العدوان وقف الحرب في ظل عدم تحقيق الأهداف الرئيسية للحرب، المعلنة وغير المعلنة، وبجوانبها المختلفة العسكرية والاقتصادية والسياسية.

خمس سنوات من الصراع الدموي المسلح، في نظرك من الرابح ومن الخاسر من هذه الحرب؟

حتى الآن لم تحسم الحرب، ولذلك لا يبدو هناك رابح حقيقي أو خاسر مستسلم بالمعنى العسكري للكلمة، لكن يمكن الحديث عن صمود أسطوري للجيش والشعب السوري أمام هذا العدوان الكوني وهذا بحد ذاته إنجاز كبير إن استحال الحديث في المرحلة الراهنة عن رابحين وخاسرين.

كيف تنظر ككاتب ومثقف للتدخل الأجنبي عربيا كان أو غربيا في المسألة السورية؟

طبعاً هو تدخل مرفوض قانونياً ووطنياً وأخلاقياً، وشخصياً، وتحت أي عذر وتبرير، وهو لعبة دولية يحاول البعض إيجاد تبريرات شتى لها وشيطنة الدول والرموز والقيادات المستهدفة بهذا النمط من الحروب، وهذا، ومن دون شك يتعارض مع مواثيق الأمم المتحدة، هو عدوان بالنهاية وانتهاك لسيادة الدول وتدخل سافر في شؤون بلد حر ومستقل وذي سيادة يجب أن يعاقب وفق القانون الدولي كل من قام به وسهله ودعمه.

وماذا عن صراع الأقطاب بين أمريكا وروسية فوق الأراضي السورية؟

هو وجه آخر لهذه الحرب وهو قائم، قضية صعود وتمركز أقطاب جديدة وانحسار هيمنة ونفوذ أقطاب قديمة، يبدو أن مرحلة القطبية الأمريكية الواحدة التي سادت لحوالي العشرين عاماً بعد انهيار الكتلة الشيوعية الشرقية هي في طريقها للنهاية والزوال….الاتفاق النووي مع إيران هو جزء من المشهد واعتراف بانضمام أعضاء جدد لنادي الكبار الدولي…

اليوم من هم أصحاب القرار الذين يمكن أن يكونوا أكثر فعالية وتأثيرًا في المشهد السوري؟

بكل أسف القوى الكبرى ووكلاؤها الإقليميون الذين يسيطرون على المقاتلين على الأرض وهم من يدفع لهم ويدعمهم ويحمونهم ويوفرون الغطاء السياسي والإعلامي والقانوني لهم، هؤلاء شق، والشق الآخر هم من يقاومون ويتصدون لهذا ويفشلونه حتى اللحظة.

في ضل الأوضاع القائمة على الأرض ألا توحي بإمكان حلٍّ قريبٍ للمسألة السورية على الأقل سياسيا؟

حالياً وفي المدى المنظور لا أتصور، لكن في النهاية كل الحروب والنزاعات تنتهي لطاولة المفاوضات وبعملية سياسية. حالياً كما قلت في المقدمة لا مصلحة لقوة العدوان بوقف الحرب دون تحقيق أي من شروطها وهذا هو سر استمرارها.

لماذا الحلّ السياسيّ ليس قريباً برأيك؟

بالتأكيد غياب أي توافق بين فرقاء الصراع المختلفة وتصور وشكل لما سيكون عليه الحال بعد أن تضع الحرب أوزارها وقسم كبير من الأهداف العسكرية والجيوسياسية لم يتحقق..

هل تعتقد أنه من الممكن أن تكون المفاوضات بين النظام والمجموعات المعارضة مفتاحاً للحل؟

المجموعات المسلحة «لا تمون» على نفسها وقرارها ليس بيدها، ورأينا كيف انسحب وفد ما يسمى بـ»الرياض» من الجولة الأخيرة في جنيف بأوامر سعودية ومن ورائها أمريكا بالطبع. هؤلاء ليسوا أصحاب قرار بكل أسف، وهم وكلاء لقوى إقليمية ودولية منخرطة بالصراع.

وأيّ شكلٍ للدولة تستشرف لسورية المستقبل على ضوء المفاوضات الجارية في جينيف؟

من المفترض وكما ورد في البند الأول من إعلان فيينا أن تكون دولة علمانية ودستور علماني ودولة مواطنة حديثة ديمقراطية لجميع السوريين تحترم فيها الحريات وحقوق الإنسان وينعم فيهل جميع المواطنين بالعدالة والمساواة والحقوق والواجبات أمام القانون.

ألا تعتقد أن الانقسامات الحاصلة بين الفصائل السياسية في سوريا يمكن أن يتم تجاوزها؟

الانقسامات هي تجسيد وانعكاس وصدى لانقسام وتنوع وتعدد المرجعيات الداعمة ومن يمول ويقف وراء تلك الفصائل بشكل عام، وحين يتفق الكبار، فاتفاق هؤلاء الصغار هو تحصيل حاصل.

وحسب رؤيتك ما هو الحل الأنسب لما يحدث في سورية؟

كما قلنا وأكدنا في النهاية كل الحلول سياسية… لكن من رفع السلاح بوجه الدولة والجيش والشرعية الوطنية لا يريد الحل في المدى المنظور كما سبق وأسلفنا، ويجب أن يخضع هذا «الثائر» المبرمج من الخارج للمساءلة القانونية من منطلق قانوني وأخلاقي ووطني فهناك ضحايا وأبرياء وخسائر ودمار كان وراءه هؤلاء.

دعنا نعرج للقضية الكردية، كيف ترى الفيدرالية التي أعلن عنها مؤخرا من طرف الكرد في شمال سوريا؟

هذه مشاريع-الفيدرالية- أيضاً مرتبة بالخارج وهي تصورات وبتوافقات دول وقوى العدوان وتندرج في أهداف العدوان التفتيتية والشرق أوسطية، لكنها في ضوء وجود واستمرار الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها وعلى رأسها مؤسسة الجيش الوطني السوري الباسل البطل، ودعم الأصدقاء، ستبقى كلها مجرد فقاعات إعلامية وسياسية للضغط والابتزاز والاستهلاك المحلي والتوظيف على غير مستوى وبغير اتجاه ولغير غاية وهدف، وتغيب وتظهر مع اشتداد وتيرة الصراع وانخفاضها أحياناً…من يقرر الخرائط الجيوسياسية بعد الحروب العالمية هي القوى المنتصرة في الصراع.

لكن ألا يمكن عمليا قيام دولة كردية مستقلة تتمتع بكل مقومات الدولة المستقلة؟

لم يكن هناك في تاريخ المنطقة دولة كردية وكيان سياسي قائم بحد ذاته وفق ذاكرتي؟ لماذا المطالبة بدولة كردية الآن، إذا، وليخضع الأمر لسلسلة تجاذبات إعلامية وسياسية؟ ثم لماذا نفس تلك الدول والجهات، ما دام قلبها على الحريات والشعوب والحقوق ووو، لا تدعم حتى اليوم قيام دولة وفلسطينية مستقلة وتحارب وتستخدم الفيتو لمنع هذا الأمر؟ لماذا هي مع حقوق الأكراد وليست مع حقوق الشعب الفلسطيني؟ أعتقد القضية واضحة، لكن هذا لا يعني أننا لسنا مع تمتع الأكراد بكامل حقوق المواطنة في أية دولة وجدوا فيها واحترام كل خصوصياتهم الثقافية. يجب أن نتعلم جميعاً مبدأ ومعنى التعايش ونجسده على الأرض. دول الطوائف هشة وضعيفة ومهينة وليست في مصلحة أحد..

كيف تنظر إلى الإسلام السياسي الصاعد في المنطقة؟ وهل يُشكل خطرا على القضايا التحررية في مقدمتها القضية الكردية؟

لا يوجد إسلام سياسي صاعد وآخر هابط. كما لا يوجد هناك شيء اسمه إسلام. هناك ثقافة وتقاليد وقيم ونمط عيش بدوي يتم توظيفه بصراعات سياسية لسهولة تأجيج وتحريض واللعب على عواطف ومشاعر حملة هذه الثقافة والفكر والقيم السلفية البائدة منتهية الصلاحية. هذا الفكر والثقافة والقيم والتقاليد البدوية التي يسمونها بالإسلام تشكل تهديداً وخطراً ليس للأكراد وحسب بل للبشرية جمعاء بما تحمله من تكفير وتخوين وعنصرية وفاشية ليس ضد الآخر وحسب بل ضد معتنقي نفس الفكر والثقافة والتقليد والقيم والدليل حروب الألف عام وعام بين الفرق المسماة بالإسلامية وانشطارها السرطاني إلى ألف ملة وملة ومذهب وعقيدة وطريقة، ونرى اليوم في الحرب السورية الاشتباكات والمعارك الطاحنة والتصفيات بين أجنحة ذات التنظيم الإسلاموي الداعشي القاعدي الإخواني المتأسلم وحروب الانتقام والثأر والتكفير القائمة بين الجميع.

كيف تنظر إلى حالة الكورد وتفاعلها مع الحراك المعارض للنظام السوري وموقفها؟

هناك تيارات بين الأكراد ولا يمكن وضعهم في سلة واحدة والنظر لهم ككتلة سياسية متجانسة، ففيهم من هو منخرط بمشروع الحرب على سوريا والتقسيم والعدوان ويستخدم كأداة في أجندات الغير وبكل أسف، وفيهم الوطني والشجاع والسوري وابن البلد والجندي الباسل الذي ما زال يقاتل في جيش سوريا الوطني وفيهم المحايد…إلخ

إلى أي مدى يمكن أن يشكل الحوار حلاً لإزالة الفجوة بين الكرد والنظام السوري؟

هناك حالة كردية في سوريا واستعصاء تاريخي له أسبابه وموجباته واختلاف رؤى حوله وما كان يجب أن يتطور خارج الإطار الوطني السوري وبالطبع، في النهاية، تحل كل الإشكالات القائمة بالحوار وهو نهاية لكل خلاف سياسي أو عسكري.

وهل تعتقد أن بإمكان النظام السوري الاعتراف بالنظام الفيدرالي المعلن عنه مؤخرا وتمتع المناطق الكردية بحكم ذاتي موسع؟

بتصوري هذا الأمر لن يحصل مطلقاً، ولا أعتقد أن «النظام» في وارد الإقدام أو مجرد الاعتراف بهكذا خطوة، أما الإمكانية فتلكم قضية أخرى.

كمهتم كيف تقيم الوضع في دول ما يسمى بالربيع الديمقراطي؟

هل هناك من عاقل يمكنه الحديث عن شيء اسمه ربيع بعدما انفضح الأمر للجميع وصار اللعب على المكشوف ولم يعد هناك أي لغز أو ملابسات بشأن ما يسمى بالربيع. انظر للكوارث السياسية في الدول التي ضربها هذا الربيع المزعوم…هل في ليبيا ربيع أم خريف وصقيع سياسي مرعب وقاتل؟ ربيع يقوده برنارد هنري ليفي وأوباما وهولاند وكاميرون ويتعالج «ثواره» في إسرائيل تحت حراب جيش الدفاع والموساد والمستشفيات الإسرائيلية وتغطيه الإمبراطوريات الإعلامية المردوخية وأذنابها وأبواقها؟ هذا يضع عشرات علامات الاستفهام عليه

لا يزال العديد من الكتاب والمتثقفين السوريين بعيدين عن النقاش حول القضية المصيرية للشعب السوري، ما تفسيرك لهذا الأمر؟ وهل يستطيع المثقف السوري مستقبلاً لعب دور ريادي حقيقي وردم الفجوة بينه وبين الأزمة السورية؟

سأقول لك من الآخر، الناشطون في سوريا نوعان لا ثالث لهما، ناشطون ومثقفون مدعومون من قبل النظام يحتلون واجهاته الإعلامية، وناشطون ومثقفون مدعومون من قبل «قوى الثورة» (الجهات الخارجية والإقليمية)، ويحتلون واجهات الإعلام المعارض أو إعلام «الثورة» (مع التحفظ طبعاً على كلمة ثورة)… ومن كان خارج هذين الإطارين والقناتين فلا مكان له، بمعنى لا مكان للمستقلين عن «الأجهزة»، لا صوت من خارجهما…إذ يبدو الصراع اليوم صراع أجهزة وكل يقدم ما لديه من واجهات وكل بالأجر المعلوم…نعم هناك الكثير من التيارات الوطنية غائبة عن الساحة الثقافية والإعلامية بسبب هذا الأمر…أنا موجود في سوريا من حوالي عشر سنوات لم أظهر في الإعلام السوري إلا مرة أو مرتين وعلى مضض واستحياء وفي أوج العدوان وبعد اشتداد وطأة العدوان، وبعدما رأت «الجهات» التي تقف وراء هذا الإعلام بالدفع في لحظة «يأس» بكل القوى والأصوات إلى ساحة المعركة، وبعد ذلك كان هناك مقاطعة كاملة وتجاهل وتنكر لي ولأمثالي في هذا الإعلام الذي يدعي الوطنية، فلا ذنب ها هنا للكثير من المثقفين الذين يتم إقصاؤهم رسمياً وبقرارات من مكتب الأمن القومي «الوطني لاحقاً»، وجهاز أمن الدولة السوري الذي كانت وظيفته التاريخية مطاردة وملاحقة وتجويع وإفقار كل شخصية ذات ميول وطنية ويسارية وعلمانية ومحاربتها وتهميشها، وتصدير الأنماط البدوية السلفية الظلامية العروبية البعثية التقليدية الانتهازية المعروفة ودعمها وتلميعها….هذا أمر معروف وشائع في أوساط كل النخب السورية…وقد تعرضت لعقوبة الإقامة الجبرية ومنع السفر من قبل جهاز أمن الدولة السوري الفاشي المستعرب (صديق العروبيين)، لسبع سنوات بلياليها ومنع سفر ومغادرة وأنا بأشد الحاجة للعمل والكسب ولقمة الخبز لإطعام أطفالي الصغار بسبب مقال فيه مناهضة للفاشية الدينية.

ما هو سبب غيابك عن الإعلام؟

طبعاً كما قلنا كتيار وطني علماني مستقل نحن أضعف ما يكون ونحن مستقلون عن «النظام» الذي يسيطر على الإعلام الداخلي، وعن «المعارضة» التي تسيطر على الإعلام الخارجي…التيار السلفي الظلامي العروبي هو السائد على الساحة لدى جميع الفرقاء التيار العلماني وخطابه مرفوض…لا أحد يريد هذا التيار اليوم..كل اليافطات المرفوعة هي يافطات عروبية سلفية فاشية ودينية إسلاموية لا مكان للتيار العلماني فيها على الإطلاق ناهيك عن خضوعي لحظر سفر لمدة سبع سنوات من قبل قوى التيار العروبي البعثي الأمني التي تسيطر على الأوكسجين والهواء في سوريا لم أستطع فيها مغادرة سوريا رغم أنني تلقيت عروضاً للعمل والظهور في الإعلام الخارجي لم أستطع الوفاء بها .

هل الصراع العلماني الإسلامي حقيقي أم وهمي؟

لا يوجد من حيث المبدأ صراع علماني إسلامي لأنه لا يوجد شيء اسمه علمانية في محيطنا بالمعنى العلماني المجرد. هناك تصور في ثقافتنا الشائعة وهي ثقافة وقيم وتقاليد بدو الصحراء في القرن السابع الميلادي وعداء مسبق لكل ما هو حداثي وعصري باعتباره بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار..هناك حقيقة رفض من قبل الثقافة البدوية من هذه المناظير الإقصائية لكل قيم العصر والأفكار التي توصلت لها البشريو، هناك عداء ليس للعلمانية وحسب بل للديمقراطية علناً هم يرفضونها على رؤوس الأشهاد ويريدون فقط الشريعة التي لا تراعي الديمقراطية ولا حقوق الإنسان..هناك رفض معلن للميثاق العالمي لحقوق الإنسان أيضاً، هناك قوى سلفية ظلامية فاشية عروبية دينية تقود المجتمع وتسيطر على كل شيء فيه، وتستحوذ على وسائل الإعلام والمال والاقتصاد، لا يوجد لها أي مقابل أو كفة تعادلها أو على الأقل تخل بتوازنها، هناك ميلان واستحواذ مطلق لتلك القوى البدائية التي تحرسها وتدعمها وترعاها الأنظمة الفاشية القبلية العائلية البدوية العروبية القائمة…إلخ

أستاذ نعيسة، في الكثير من لقاءاتك ومقالاتك تنتقد «العرب» دائما وتصفهم بأوصاف قدحية، ما سر هذا التحامل إن صح التعبير؟

الأمازيغ طبعاً كباقي شعوب المنطقة التي تعرضت لجريمة الأسلمة والتعريب والتطهير الثقافي ومحو الثقافة وإلغاء الثقافات والذاكرة وطمس التاريخ هم ضحايا فقدوا خصوصياتهم الثقافية وعاداتهم النابعة من بيئتهم بالتقييم الحضاري والمدني والإنساني والأخلاقي لتجربة من يسمون بالعرب (هناك قسم كبير منهم مستعربون أي ليسوا عرباً ولكن تم تعريبهم)، لم تكن التجربة الحضارية والإنسانية «العربية» موضع فخر وزهو لا في حاملها الإيديولوجي ومضمونها الثقافي ولا في سلوكها السياسي والسلطوي..انظر إلى كل الدول التي استوطنها العرب أو ثقافة «العرب» من طنجة لجاكرتا، والحصيلة الحياتية والتجارب التاريخية المريرة السوداء في كل مكان وصلت له يد ورجل «العربي»، وكان ابن خلدون قبلنا خير من لاحظ ذلك وكتب عنه.انظر إلى وضع ما تسمى بالدول العربية فقط لتحكم على التجربة العربية تاريخياً…هذا كله يستوجب النقد المرير..وحجم ومدى وقوة الصرخة يجب أن توازي، بالمبدأ الفيزيائي، حجم الألم والوجع المكبوت…وتم فرض ثقافة هجينة غريبة فاقدة الصلاحية وصفها مؤسس الإسلام ذاته بأنه «غريبة»، هذه الثقافة الإقصائية والإشكالية ولدت الكثير من الصدامات والانقسامات والصراعات الأبدية والحروب الدموية أدت لإفقار وتضعضع وعجز وانهيار هذه المجتمعات وخروجها من دائرة التنافس والسباق العصري والحضاري والمدني الإنساني وعاث التخلف والفساد والقهر والانحطاط العام في عموم هذه المجتمعات التي فقدت خصوصياتها وأصبحت تابعة ومكبلة وأسيرة لتلك الثقافة المستوردة العاجزة التي لم تفلح في بيئتها وزمنها ومكانها حتى تفلح في بيئات جديدة..من هنا الأمازيغ ضحايا مستعبدون لا سيادة ولا استقرار وهم كباقي الشعوب المؤسلمة والمعربة ألحقوا بتاريخ وبيئة وجغرافية وزمن ليس لهم وليس منهم وهذا هو سر هذا الشرخ الذي يعيشه الجميع..

أنت من مناصري القضية الأمازيغية، ماذا تعرف عن هذه القضية؟ وهل هناك تشابه بينها وبين القضية الكردية؟

في الجانب الثقافي، أي من حيث طمس الخصوصيات الثقافية والغزو الثقافي ومحاولات الأسلمة والتعريب ومحو الذاكرة والتطهير وغسيل الدماغ الجماعي الممنهج والمبرح ومحاولات إحلال ثقافات وطرد قيم وعادات وتقاليد ربما هناك تشابه كبير رغم أن الأكراد كانوا أكثر تحصيناً ومنعة في مقاومة الأسلمة والتعريب وجرائم التطهير، أما في الجانب السياسي فالأمر مختلف فقد كان هناك كيان سياسي إمبراطوري على ما تختزنه ذاكرتي للأمازيغ لم يكن متوفراً للأكراد في منطقتنا في يوم ما أي كان هناك استقلالية وخصوصية سياسية وجغرافية للأمازيع.

ككاتب سوري، كيف تنظر للقضية الأمازيغية على مستوى شمال أفريقيا؟

القضية الأمازيغية واحدة من كثير من قضايا العنصرية والتطهير والجرائم الثقافية التي عانت منها مجتمعات وشعوب على مستوى العالم، نتمنى أن يتمتعوا بكل خصوصياتهم الثقافية التي يجب أن تحترم من قبل الغزاة العرب والمستعربين وأن يكونوا كغيرهم مواطنين من الدرجة الأولى في كيانات سياسية مستقلة أو موحدة تحترم فيها حقوق البشر ويعامل فيها الجميع بعدالة ومساواة وأن تكون اللغة الأمازيغية لغة رسمية تدرس في المدارس الرسمية وألا يتعرض هذا الشعب مع ثقافته لأي نوع من التهميش والانتقاص أو التصنيف العنصري واللا إنساني وغير الأخلاقي البغيض.

حاوره: منتصر إثري

اقرأ أيضا

الكورد والأمازيغ.. الكفاح من أجل الهوية بين تشابه الواقع واختلاف أساليب النضال

الحدود السياسية التي رسمتها الدول الاستعمارية بعد بسط نفوذها على أرث الامبراطورية العثمانية وفرض هيمنتها …

تعليق واحد

  1. دوما ارى في مقالات الاستاذ نضال نعيسة معلومات جديدة وقيمة سياسية وثقافية وتحليله للوضع في سورية كان واقعي تماما….لكم التحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *