الكاتب الكوردي بلال عتي :الهوية الامازيغية في الجزائر بين سندان الوطنية ومطرقة التسلط

بلال عتي

قوى التسلط تتعامل بمفهوم الوطنية بمحددات وهمية تصنعها مع متغيرات الأحداث وتفرض وصايتها على الوطن والمواطن وفق الإيديولوجيات الممزوجة بين القومية والدين.

الشعب الأمازيغي يعتبر من أهم مكونات الشعب الجزائري من ناحية الأصالة التاريخية والثقافية مع الجغرافية السياسية ولم يتعدى البعد الوطني عبر مسيرته النضالية في بناء الدولة ببعدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعايش المشترك ، فقد فرضت السلطات الجزائرية ما بعد الاستقلال سياسة التعريب الممنهج في كل مؤسسات الدولة وتسميات المدن والريف وذلك بذريعة التخلص من التركة الثقافية للاستعمار الفرنسي، لم يكن الهدف المعلن يمثل جوهر الحقيقة بقدر ما هو تشويه للتاريخ والواقع لان هذا التعريب كان يهدف إلى رسم ملامح لمجتمع متجانس عرقيا وثقافيا وحضاريا بتعابير قومية شوفينية عنصرية على أنقاض حضارة وثقافة شعوب أصيلة قدمت تضحيات كبيرة عبر مراحل التاريخ واستطاعت أن تحمي أرثها الحضاري والثقافي، لم يكن (الربيع الأمازيغي) انقلابا على السلطة أو صراعا قوميا ، إنما لإبراز الهوية الثقافية للشعب الأمازيغي بهدف أغناء التنوع الثقافي في الدولة الجزائرية ، كانت لأحداث عام 1980 وقع خاص في مسيرة النضال للشعب الامازيغي بعد كشف الوجه الحقيقي للنظام التسلطي حين منع السيد مولود معمري بإلقاء محاضرة عن الشعر الامازيغي القديم في جامعة تيزي وزو ، وكذلك منع حفل موسيقي لفرقة أمازيغن إيمولا حيث واجهت السلطات الجزائرية الجماهير الغاضبة بالعنف والقمع ولم يتأخر رد رئيس الجزائر آنذاك الشاذلي بن جديد الذي ألقى خطابًا في 17 من أبريل/نيسان يؤكد فيه ( أن الجزائر عربية وإسلامية، وأن الديمقراطية لا تعني الفوضى ) ولم تتوقف السلطات الجزائرية عند هذا الحد فقد اغتيلت عام 199‪8المغني الامازيغي معطوب لوناس، وهو مغن ملتزم من منطقة القبائل، وأحد رموز الهوية الأمازيغية مستغلة الأزمة التي كانت تمر فيها البلاد مع تنامي الإرهاب وتوجيه التهمة للإرهابيين بهدف جذب الشعب الامازيغي وصرف أنظارهم عن مطالبهم.

كان مقتل الشاب ماسينيسا قرماح عام 200‪1 في مبنى الدرك مفتاح الاحتجاجات الشعبية الامازيغية التي قبلت بالعنف والقمع من قبل السلطات الجزائرية وأدى إلى استشهاد أكثر من مئة شخص وما يقارب 700‪ شخص أخر جريح

وقد سميت تلك الاحتجاجات ( بالربيع الأسود).

وأخذت مسار الحراك الشعبي الامازيغي طابعا سياسيا وأكثر تنظيما فقد أعلن حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية ذات القاعدة الشعبية الامازيغية انسحابها من الحكومة وتأسست ( تنسقية العروش ) من المنظمات المدنية وعائلات القبائل والنشطاء السياسيين والمثقفين وتقدمت بلائحة مطالب عرفت (بأرضية القصر)

تضمنت تلك المطالب الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية كبند أساسي وقد قبلت السلطات الجزائرية تسلم تلك المطالب بالرغم من أنها اتهمت فرنسا بالوقوف وراء الاحتجاجات ، وكانت مبادرة الرئيس بوتفليقة عام 2002 وبموافقة البرلمان تم إعلان الأمازيغية لغة وطنية ليتم دسترتها رسميا في عام 2016.

ورغم تلك المكتسبات التي حققتها الحركة الأمازيغية، فإن الواقع ليس بهذه الصورة الوردية حيث لم تتوقف السلطات الجزائرية من تحجيم الحركة الامازيغية وذلك بربطها بالقوة الخارجية

تارة وتارة فصلها عن حركة الاحتجاج الشعبي العام وقد شهدت المسيرات المناهضة لسلطة العسكر والمطالبة برحيل كل رموز النظام السابق

في الجمعة 18 منذ انطلاقتها في 22 فبراير ظهور مكثف للعلم الامازيغي وقد حذر رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح من رفع أي علم آخر غير علم الجزائر خلال التظاهرات، مؤكدا أن “لدى قوات الأمن أوامر بالتطبيق الصارم للقانون” معتبرا أنها قضية حساسة وتتمثل في اختراق المسيرات بأعلام غير العلم الوطني

وأضاف: “تم إصدار أوامر صارمة لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين سارية المفعول والتصدي لكل من يحاول مرة أخرى المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال الحساس”.

في الختام لابد من توضيح أمر هام ، السلطات الجزائرية فشلت في فرض نفسها كقوة تسلط تفرض وصايتها على الوطن والمواطن وإنكار وجود القومية الاصيلة في الجزائر وهي القومية الامازيغية بعد توحد الحركة الشعبية العامة المطالبة برحيل كل رموز النظام السابق لذا فهي تلجأ لإثارة الفتنة والتفرقة مستغلة مفهوم الوحدة الوطنية في بوتقة الوطن الواحد والعلم الواحد ، لكن ما يثير الدهشة كيف تتجاهل تلك السلطات الروابط المتينة بين مكونات المجتمع  بالرغم من اختلاف خصوصياتها ؟!

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

تعليق واحد

  1. Vive koubani vive ( kurdland) .. Merci

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *