اللاقمي مشروب النخيل المصري من إرث الأمازيغية

الساعة تشير إلى الرابعة عصرا، تكاد حرارة الشمس تنكسر، ولا تزال الرمال تحتفظ بسخونتها، في حين استعد النخل العالي ليطأ “اللاجاب” جريده ويصل القلب فينسال “اللاقمي”، وهو مشروب بنكهة التمر، لكنه أشهى من العسل.

لا أحد ينسى أبدا تلك النكهة التي تحمل رائحة سيوة، الواحة المصرية الممتلئة بالأسرار. فاللاقمي هو عصير جمار النخل، والجمار هو قلب النخلة الذي يعلوه الجريد.

ورث الشاب السيوي منصور، ذو الأصول الأمازيغية، مهنة أجداده في استخراج عصير النخيل، الذي يسميه أهل سيوة “اللجبي”، والتي تدر عليه ربحا مريحا كل صيف، ويعتزلها مع دخول الشتاء، ليبحث عن مصدر رزق آخر في التمر والزيتون.

منصور واحد من 6 أشخاص ما زالوا في سيوة يعملون في هذه المهنة التي تكاد تنقرض، ويسعى “اللاجاب” الأخير لأن يورث المهنة لأبنائه، كي لا ينتهي نسل اللاجابين في مصر.

تنتشر تلك المهنة في شمال أفريقيا، لا سيما تونس، وتكاد تنقرض في مصر، ولا يعرفها سوى أهل سيوة، فلا يغيب عصير النخل عن موائد الإفطار في رمضان وشهور الصيف، فكوب واحد من اللاقمي يروي عطش يوم شديد الحرارة في بلاد الصحراء.

اللاقمي يستخرج من النخل مرتين يوميا (بيكسلز)

يقوم اللاجاب باستخراج اللاقمي من جمار النخل مرتين يوميا؛ الأولى مع شروق الشمس، وهو ما يفعله والد منصور، ومرة أخرى قبل الغروب، وهي الطلعة المخصصة للابن.

يبدأ في صعود النخلة بأدوات خاصة، لتأتي مرحلة تقليم الجريد، ثم تبدأ عملية تقشير الجمار، قبل إحداث فتحة في قلب النخلة، ليعاود اللاقام وضع القشر بها، ويتركه 4 أيام، وهو ما يطلق عليه التخمير.

وبعد مرور الأيام الأربعة، تبدأ النخلة إخراج اللاقمي، فكل نخلة تستطيع إنتاج من 8 إلى 20 لترا من اللاقمي كل يوم، ويتم بيعه مقابل 5 جنيهات للتر الواحد.

يقول منصور للجزيرة نت إنه رغم الشقاء الذي تبدو عليه المهنة، فإن ألمها يتبدد مع كل كوب من اللاقمي.

وينتشر عصير القصب في القاهرة، في حين يباع اللاقمي في سيوة، وبين المشروبين تشابه كبير، من حيث الحلاوة وتغير اللون في حال بقائه خارج الثلاجة، فهو سريع الفساد، وقدرة كل منهما على أن يتحول إلى عسل مصفى، لكن -حسب منصور- اللاقمي ينفرد بحموضته التي تحوله إلى خل، في حال تخميره لفترة طويلة.

يضيف منصور “تمتاز واحة سيوة المصرية بتعدد أنواع التربة فيها، بين الرملية والطينية، وهو ما يسهم في تنوع مذاق اللاقمي؛ فالنخل في التربة الطينية يصبح قلبه أكثر حلاوة، من ذلك المزروع في تربة رملية، وإن كانت التربة الرملية تمتاز بطول نخلها وكثرة اللاقمي، مقارنة بالنخل الطيني”.

واحة سيوة المصرية تمتاز بتعدد أنواع التربة فيها بين الرملية والطينية (بيكسلز)

واللاقمي له فوائد صحية متعددة، يعرفها منصور بفطرته، فهو يحمي المعدة ويحصن الأمعاء من اضطرابات الهضم، كما أنه مفيد في ضبط نسبة السكر في الدم، ويسهم في تحسين نسبة الكوليسترول بالدم، ويحتوي على نسبة كبيرة من الحديد والبروتين، وفيتامين ج، لكنه السكريات قد تسبب رفع نسبة السكر في الدم، إذا كان متناوله يعاني من ارتفاع السكر في الأساس، كما قد تسبب كثرته في الإصابة بالإسهال.

حتى الآن لم يظهر فيروس كورونا في سيوة، فبقيت الواحة آمنة من الوباء، تحافظ على طهارتها بالتزام أهلها بالتعليمات، وتحصين الشوارع والمساجد والبيوت.

ويؤكد منصور أن النظافة من أساسيات عمله، فلا بد من التزامه بنظافته الشخصية، ونظافة الأواني والأدوات المستخدمة في تخمير النخل للحصول على اللاقمي.

المصدر – الجزيرة نت

اقرأ أيضا

ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك

نظمت شعبة الفلسفة، بالتعاون مع مجتمع الخطاب وتكامل المعارف وماستر الفلسفة المعاصرة: مفاهيم نظرية وعملية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *