عبد السلام خلفي*
نظم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب لقاء دراسياً، يوم 15 يناير 2019، حول “مشروع القانون – الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ورهانات الإصلاح”. وقد شارك في هذا اللقاء الذي أطره الأمين العام للحزب السيد نزار بركة، عددٌ من الفعاليات الأكاديمية والسياسية، من ضِمنهم الأستاذ عبد السلام خلفي، مدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية، مُمثّلاً عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والذي قدّم بالمناسبة عرضاً حول موضوع: ” قانون الإطار واللغة الأمازيغية” تناول فيه بالتحليل الهندسة اللغوية المقترحة في المشروع ومكانة اللغة الأمازيغية في هذه الهندسة. ويمكن إجمال بعض الملاحظات العامة التي عرضها بالمناسبة فيما يلي:
1- على مستوى الغاية من تدريس اللغات:
اعتبر الباحث أن مشروع القانون يميزُ في العديد من مواده بين الغاية من تدريس اللغة الأمازيغية والغاية من تدريس اللغات الأخرى سواء من حيث “التمكن” أو “الإتقان” أو “القدرة”. فالمشرع الذي كتب مشروع النص يميزُ بين ثلاث مقاربات:
– الأولى خاصة باللغة العربية: ويقترحُ فيها تعددية لغوية تجعلُ “المتعلم الحاصل على الباكالوريا متمكناً من اللغة العربية”؛
– الثانية خاصة باللغة الأمازيغية: ويقترح فيها أن يكون المتعلم الحاصل على الباكالوريا “قادراً على التواصل بالأمازيغية”؛
– الثالثة خاصة باللغات الأجنبية: ويقترح فيه أن يكون هذا المتعلم الحاصل على الباكالوريا “متقناً للغتين أجنبيتين على الأقل“.
ونظراً إلى أن المصطلحات الثلاث (“التمكن”، “الإتقان”، “القدرة”) تخفي تمييزاً واضحاً بين الغايات المستهدفة للوضع الذي ستحتلّه كل لغة، على حدة، داخل المنظومة التربوية، فقد دافع الباحث عن إعادة صياغتها بما يكفل من اعتماد كتابة قانونية للنص يتساوي فيها وضع اللغتين الرسميتين من حيث الغاية التي هي: التمكن منهما كتابة وشفاهة.
وذكّر الباحث هنا بالنص الذي تقدم به المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي نَصَّ على تأجيل إدراج الاستعمال الكتابي للغة الأمازيغية إلى ما بعد السنة الثانية من التعليم الابتدائي وعلى تحديد الغاية النهائية من تدريس الأمازيغية عند نهاية التعليم الثانوي التأهيلي (البكالوريا) في جعل المتعلم قادراً فقط على التواصل (ترسيخ المقاربة الشفهية)، وليس التمكن والإتقان من اللغة الأمازيغية على غرار اللغة العربية (التركيز على الكفايات التواصلية بشقيها الشفوي والكتابي إضافة إلى جعلها اللغة الأساسية للتدريس)؛
2- على مستوى وضع اللغتين الرسميتين:
إذ اعتبر الباحثُ أن مشروع هذا القانون لا يمنح نفس الوضع القانوني للغتين الرسميتين في علاقتهما باللغات الأجنبية؛ فالمشروع يؤكد، في هذا الصدد، على ثلاث مقاربات مختلفة:
– المقاربة الأولى خاصة باللغة العربية: يقترح فيها “اعتماد اللغة العربية لغةً أساسية للتدريس”؛
– المقاربة الثانية خاصة باللغة الأمازيغية: يقترح فيها “تطوير وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع الدستور، باعتبارها لغةً رسمية للدولة، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة بدون استثناء“؛
– المقاربة الثالثة خاصة باللغات الأجنبية: يقترح فيها “العمل على تهيئة المتعلمين من أجل تمكينهم من إتقان اللغات الأجنبية في سن مبكرة، وتأهيلهم قصد التملك الوظيفي لهذه اللغات، وذلك خلال أجل أقصاه ست سنوات ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون – الإطار حيز التنفيذ”.
اعتباراً للتفاوت الواضح بين الوضعيات القانونية لكل لغة على حدة في نص المشروع، فقد اعتبر الباحث أن الصياغة الخاصّة بالمقاربة التي عولجت بها اللغة الأمازيغية فضفاضة وتمييزية ويشوبها الكثير من الغموض، كما أنها لا تتحدث عن التعميم (التعميم الأفقي والتعميم العمودي) ولا عن أفق هذا التعميم مثلما فعلت عندما تحدثت عن حال اللغة الفرنسية التي حدد فيها كاتبُ مشروع القانون ست سنوات كأجل أقصى لتهيئة المتعلمين المغاربة وتأهيلهم للتملك الوظيفي للغة الفرنسية، إضافة إلى أن عدم الإشارة إلى إمكانية تدريس بعض المواد باللغة الأمازيغية (الشأن المحلي مثلاً) اعتبرهُ غير ملائم ولا يعكس رسمية هذه اللغة، خصوصاً إذا علمنا أن اللغات لا يُمكن التمكن منها إلا إذا دُرِّس بها.
ومن الملاحظات التي تقدم بها الباحث في هذا الإطار هي عدم تنصيص مشروع هذا القانون على إلزامية اللغة الأمازيغية في جميع مستويات وأسلاك التعليم بالمغرب؛ إذ في الوقت الذي نصت فيه الرؤية الإستراتيجية الصادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتعليم على أن تدريس اللغة الأمازيغية إلزامي في التعليم الابتدائي، لاحظ الباحث أن مشروع هذا القانون لم يلتزم بمضامين هذه الإلزامية، على الأقل كما هي مسطّرة في الرؤية. والأكثر من ذلك أن مشروع القانون يتحدث عن “وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح ومتناغم مع الدستور” دون أن يحدد ماهية هذا الإطار ولا مبادئه ولا مراحله. وهو ما يعني أن كاتب المشروع لم يكن يشغله بالأساس الوضع القانوني الذي ستحتله هذه اللغة داخل منظومة التربية والتكوين، بل كان يشغله تأجيل الوضع الدستوري لها بتعميمها عمودياً وأفقياً والتدريس بها على غرار التجارب العالمية التي عرفت نجاحاً كبيراً.
3- على مستوى إدراج اللغتين الرسميتين في بعض المؤسسات الأجنبية:
لاحظ الباحث أن مشروع القانون لم يلزم المؤسسات التربوية الأجنبية بتدريس اللغة الأمازيغية للأطفال المغاربة الذين يتابعون تعليمهم بها؛ إذ اقتصر هذا المشروع على اللغة العربية فقط؛ وهو أمرٌ نبّه إليه والتمس من الفريق البرلماني أن يأخذه بعين الاعتبار، وإلا فإن عدم أخذه بعين الاعتبار يُعتبر خرقاً للدستور الذي ينص في فصله الخامس على أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة، وأنها لجميع المغاربة بدون استثناء، كما أنه ينص في تصديره على “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان”.
4- على مستوى التدابير التي على السلطات القيام بها:
– أولاً: على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي:
لاحظ الباحث في هذا المستوى أن واضع مشروع القانون يقترحُ ثلاث مقاربات مختلفة لتدبير ملف تدريس اللغات:
– المقاربة الأولى خاصة باللغة العربية: وتتلخص هذه المقاربة في: “مراجعة عميقة لمناهج وبرامج تدريس اللغة العربية، وتجديد المقاربات البيداغوجية والأدوات الديداكتيكية المعتمدة في تدريسها”؛
– المقاربة الثانية خاصة باللغات الأجنبية: وتتلخص هذه المقاربة في: “مراجعة مناهج وبرامج تدريس اللغات الأجنبية طبقاً للمقاربات والطرائق التعليمية الجديدة”؛
– المقاربة الثالثة خاصة باللغة الأمازيغية: وتتلخص هذه المقاربة في “مواصلة المجهودات الرامية إلى تهيئة اللغة الأمازيغية لسنياً وبيداغوجياً في أفق تعميمها تدريجياً على مستوى التعليم المدرسي”.
وهنا اعتبرَ الباحث أن واضع مشروع القانون لم يطَّلع – للأسف- على العمل الأكاديمي الأساسي الذي قام به المعهدُ الملكي للثقافة الأمازيغية في مجال تهيئة اللغة الأمازيغية لسنياً وبيداغوجياً، ولذلك فهو (أي واضع المشروع) انطلق من المعلومات المتقادمة المتوفرة لديه قبل إنشاء المعهد سنة 2001 بل وألقى، ضمناً، بمسؤولية عدم إتمام التهيئة على مؤسسة المعهد، وهو أمرٌ غير صحيح؛ وأشار الباحثُ، في هذا الصدد أيضاً، إلى أن المقاربة الثالثة التي لا تقترح مراجعة منهاج وبرامج اللغة الأمازيغية كما حصل مع اللغة العربية واللغات الأجنبية هو شكلٌ من أشكال تأجيل تعميم اللغة الأمازيغية أفقياً وعمودياً وتأجيل تجويد وضعها المدرسي على غرار المواد الأخرى، كما أنه تأجيل أيضاً لإدراجها في مستويات التعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي.
والأكثر من ذلك يقول الباحث أن وزارة التربية الوطنية باشرت منذ سنة 2015 تنزيل هذه المراجعة للغة العربية واللغات الأجنبية في الوقت الذي غيبت فيه مراجعة منهاج وبرامج اللغة الأمازيغية؛ والذي يدعو للاستغراب أكثر هو أن هذا التنزيل إنما هو تنزيلٌ لرؤية استشارية غير ملزمة قانوناً وليس بتنزيل لقانون كان على البرلمان أن يُصادق عليه منذ زمان.
– ثانياً: على مستوى التعليم الجامعي:
لاحظ الباحث في هذه النقطة أنه في الوقت الذي يقترح فيه كاتب مشروع القانون “فتح مسارات لمتابعة الدراسة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية في إطار استقلالية الجامعات، وحاجاتها في مجال التكوين والبحث، حسب الإمكانات المتاحة”، سكت بشكل كامل عن إمكانية إنشاء مسارات اللغة الأمازيغية، ولذلك دعا إلى تدارك هذا الأمر.
5- على مستوى استعمال اللغة الأمازيغية في مجال محو الأمية:
لاحظ الباحث أن مشروع القانون لا يتحدث هنا عن إمكانية استعمال اللغة الأمازيغية في مجال محو الأمية، فقد خُصِّص المجال للغة العربية الفصيحة بالأساس. ونظراً للأهمية القصوى التي تلعبُها اللغات الأم في هذا الإطار، فقد دعا الباحث إلى تدارك هذا العيب وإلى جعل اللغة الأمازيغية أداة من أداوت التنمية ونشر المعرفة.
6- على مستوى تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم غير النظامي:
نبّه الباحثُ السادة البرلمانيين وكل الحاضرين إلى أن مشروع النص أغفل، مرة أخرى، تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم غير النظامي؛ كما أخبرهم أن المعهد بتنسيق مع الوزارة – قسم محو الأمية قد أنتجا كتاباً مدرسياً ودليلاً لتدريس اللغة الأمازيغية، وأنه بتدارك هذا النقص في النصّ المقترح للمصادقة عليه، يمكن أن نبدأ منذ الغد في تعميم تدريس اللغة الأمازيغية داخل هذا القطاع.
وفي الأخير أشار الباحث إلى ضرورة الربط بين إلزامية تدريس اللغة الأمازيغية والهوية بما يمكن من استعمال هذه اللغة في تدريس مكونات الهوية المغربية أيضاً؛ ذلك لأن الاقتصار على الربط بين “إلزامية تدريس اللغة العربية والهوية المغربية” سيحْرمُ الأمازيغية من أن تلعب دورها في تثبيت وترسيخ قيم الثقافة المغربية في تعددها وتنوعها وغناها.
الخلاصة:
إن فتح نقاش علمي وأكاديمي مع المختصين في مجال التربية وتدريس اللغات والسياسات اللسانية، يقول الباحث، كان في الإمكان أن يمنحنا مشروعاً لقانون إطار يُحترم فيه روح الدستور الذي ينص على رسمية اللغتين: الأمازيغية والعربية؛ كما كان في الإمكان أيضاً أن يمنح كاتب المشروع رؤية واضحة عن الوضع الذي يمكن أن تحتله اللغة الأمازيغية داخل المنظومة التربوية المغربية؛ فنحن إذا ما تأملنا مشروع هذا الإطار الذي بين أيدينا لا نجد له ملامح ولا مفاصل، ولذلك يمكن أن يُدرج داخل نموذج تعليمي يُصطلحُ عليه بالنموذج التعليمي الانتقالي (modèle d’enseignement de transition)، والذي من أهدافه الأساسية هو أن يتمكن الأطفال من اللغة المهيمنة، بحيث يُسمح لهم أحياناً باستعمال اللغة الأم بالمدرسة في حدود ضيقة جداً وذلك في أفق الانتقال الكلي وبسرعة إلى اللغة التي تشكل اللغة الأساسية في التعليم.
* خلاصة عن مداخلة الأستاذ عبد السلام خلفي بالبرلمان