المؤرخ أحمد الطاهري: طارق بن زياد لم يتلقى أي أمرٍ من الخليفة الأموي بدمشق ولا من واليه موسى بن نصير بالقيروان لفتح الأندلس

قال المؤرخ أحمد الطاهري أستاذ التعليم العالي ورئيس مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري في حوار مع جريدة “العالم الأمازيغي” “لكي ندرك بعض جوانب الأهمية التاريخية لفتح الأندلس هذا الحدث البارز، علينا أن نطَّلِع على الوضعية التي كانت عليها شبه الجزيرة الإيبيرية خلال الفترة السابقة على كافة المستويات.
وأكد أن “فتح الأندلس قد تم كما هو معلوم في أوثق مصادر التاريخ وأدق الأبحاث العلمية المغربية بمشاركة نخبة من أكفأ رجالات أمازيغ المغرب وإثني عشر ألفا من شجعان شباب كافة قبائله يُرافقهم سبعة وعشرون رجلا من العرب فقط”.
واضاف الدكتور الطاهري أن “ثمة سبب في طمس دور الأمازيغ في فتح الأندلس ونسبه للعرب. ويتعلق الأمر بإصابة النخب المتعلمة من المشارقة والمغاربة منذ بدايات القرن الماضي بجرثومة الوطنية القومية الغربية المنشأ – كما هو معلوم- وقد اعتقدوا، يُساندهم في ذلك المستعربون والمستشرقون بأن حضارة دار الإسلام حضارة عرق عربي، قياسا على قومياتهم الوطنية بأروبا: الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية وما شابه”.

 

المؤرخ أحمد الطاهري أستاذ التعليم العالي ورئيس مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري لـ «العالم الأمازيغي»:

لم يتلقى طارق بن زياد أي أمرٍ من الخليفة الأموي بدمشق ولا من واليه موسى بن نصير بالقيروان لفتح الأندلس

◊ حاورته نادية بودرة

* ما هي الأهمية التاريخية لحدث فتح الأندلس؟

** لكي ندرك بعض جوانب الأهمية التاريخية لهذا الحدث البارز، علينا أن نطَّلِع على الوضعية التي كانت عليها شبه الجزيرة الإيبيرية خلال الفترة السابقة على كافة المستويات، حسبما بيناه بتفصيل ضمن الكتب الثلاث التي أنجزناها عن هذه المسألة بالذات. ويتعلق الأمر بما وسمناه بالفصل المظلم من تاريخ القوط. وقد بلغت الاختلالات البنيوية في ظل سيادة نُظم القهر الإقطاعية وجبروت الكهنوت الكنسي في عهد الملك إِخِقَة مستويات لا تُحتَمَل. ولم تكن الاصلاحات المتأخرة التي حاول الملك المُستنير غيطشة إدخالها على المنظومة الإقتصادية والمجتمعية وعلى الهياكل الكنسية لتُنقِذ البلاد من الوَرطة التي وقعت فيها. مما دفع بالقطاعات الأكثر ظلامية من النبلاء ورجال الدين وقادة الجند إلى الانتظام في حركة انقلابية تزعمها قائد الفرسان في الجيش مِمَّن لا يُضاهى في الشر واللؤم إذ كان عنيدا جبارا مهيبا، فأقام نظاما للطغيان قائما على العنف والقهر والظلم. فما كان عندئذ إلا أن انفجرت الحرب الأهلية وأخذت البلاد الإيبيرية تتآكل من أطرافها. ومن هذه الزاوية يكون فتح الأندلس انقاذاَ للبلاد من هذه الورطة وانتشال لأهلها من طغيان العسكر ورِبْق العبودية وتسلط الكَهَنوت الكنسي الذي كان جاثِماً على كافة أنحاء أروربا. وبذلك تكون شبه الجزيرة الإيبيرية مع امتداداتها السياسية إلى منطقة نربونة بجنوب بلاد إفرنجة قد استفادت من أنوار دار الإسلام وبلغت شأوا بعيدا في مدارج الحضارة، بينما ظلت معظم القارة الأروبية غارقة في ظلمات العصور الوسطى. إن فتح الأندلس كان بمثابة إمضاء العقد بين الأمازيغ المغاربة والإسبان الإيبيريين الذي أسفر عن ميلاد الأمة الأندلسية التي صبغت تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط وما زالت آثارها الأدبية والمعمارية والفنية حية إلى اليوم بديارنا المغربية وبكافة أنحاء العالم.

* لماذا تم تغييب دور الأمازيغ في هذا الحدث التاريخي ويتم نسبه للعرب؟

** حقيقة أن هذه الأمة الأمازيغية المتوسطية العريقة قد تعرَّضت لإجحافٍ قلَّ نظيره في التاريخ قديما وحديثا إلى اليوم. وإذا ما توسَّعنا في قراءة ما خلفه الأجداد من كتب وما وضعوه من علوم وفنون نجدهم حاضرين بقوة وفي كل المجالات على مدار تاريخ الأندلس من الفتح إلى سقوط غرناطة. وهو مع الأسف ما تخلى عنه الأحفاد المُنساقِين مع دعوات الداعين إلى التخلي عن جذورهم ومصادر كتابة تاريخهم ومنابع المعارف المتعلقة بأصولهم، وقد انجَرُّوا وراء السَّراب المُتحرك في فيافي الجهل القاحلة بجامعتنا ومعاهدنا ومجالسنا الثقافية.

وثمة محطات هامة للوقوف على الأسباب التي كانت وراء طمس الحقيقة. ففتح الأندلس قد تم كما هو معلوم في أوثق مصادر التاريخ وأدق الأبحاث العلمية المغربية بمشاركة نخبة من أكفأ رجالات أمازيغ المغرب وإثني عشر ألفا من شجعان شباب كافة قبائله يُرافقهم سبعة وعشرون رجلا من العرب فقط. وقد تم فتح كافة جهات وأقاليم ما كان يعرف بمملكة القوط من حد جبل طارق إلى نربونة ببلاد إفرنجة، بالتمام والكمال. ولم يعُد هناك، بعدما تم فتحه من بلاد وإمضاؤه من عقود الصلح مع فلول الإنقلابيين، من مجالٍ لعمل عسكري إضافي. أما وقد نجح أمازيغ المغرب بقيادة أميرهم طارق بن زياد في تحقيق ما لم يكن يتصوره أحد، فمن الطبيعي أن يشعر موسى بن نصير بأنْ لم يعُد له محلٌّ من الإعراب ضمن المنظومة السياسية بالمغرب والأندلس وأن مصداقيته وسلطته قد أصبحت مُهدَّدة فتحرك بجيوشه العربية في تلك المسرحية الهزلية المعروفة بحملة موسى بن نصير الثانية لفتح الأندلس. ولذلك وسمناه بفارسٍ بدون ساحة قتال.

أردف ذلك بالشروع – بكل ما أوتي من قوة ونفوذ – لمحو أثر كل ما يتعلق بمنجزات طارق بن زياد وأمازيغ المغرب. وقد صرف الأموال الطائلة لتسخير الأقلام المأجورة بهدف تزييف الحقيقة وتزوير الوقائع. وحتى لا يصل الخبر بحقيقة ما أنجزته هذه الأمة المغربية العريقة إلى الخليفة بدمشق هَمَّ باغتيال أميرها طارق بن زياد لولا تدخل النافذين من رجالات الخليفة الذين أبوا الانصياع لابتزازه، وقد شرع فعلا في اغتيال الشهود لزرع الرعب وإسكات صوت الحق. أما محطة التزوير الثانية فقد كان بطلها أحد أحفاد موسى بن نصير الذي تمكننا من كشف عملية التزوير الواسعة التي حركها بالأندلس الأموية خلال عصر الخلافة، إذ كان من أهل القلم.

طارق ابن زياد تقلب في الإمارة على البلدان بدءاً من أنطابلس بليبيا الحالية إلى أن أصبح أميراً بسجلماسة ثم أميراً بتلمسان على مجمل بلاد المغرب الممتدة من وادي شلف بالجزائر الحالية إلى أعماق الصحراء المغربية

وقد أمكننا من خلال تعميق البحث في هذه المسألة البالغة الخطورة على المعرفة التاريخية ضبط اسمه ونسبه. ويتعلق الأمر بالمدعو: محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن موسى بن نصير الذي أغرق المصادر التاريخية بسيلٍ من الأخبار الزائفة والروايات المدسوسة والبيانات المزعومة، وهو ما كشفنا عنه لأول مرة سنة 2011 فيما ألفناه من كتب عن فتح الأندلس بمناسبة مرور 13 قرنا عن هذا الحدث التاريخي الفاصل. وثمة سبب آخر لا يقل أهمية في طمس دور الأمازيغ في فتح الأندلس ونسبه للعرب. ويتعلق الأمر بإصابة النخب المتعلمة من المشارقة والمغاربة منذ بدايات القرن الماضي بجرثومة الوطنية القومية الغربية المنشأ – كما هو معلوم – وقد اعتقدوا، يُساندهم في ذلك المستعربون والمستشرقون بأن حضارة دار الإسلام حضارة عرق عربي، قياسا على قومياتهم الوطنية بأروبا: الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية وما شابه. ولم يدركوا بأن حضارة دار الإسلام ليست عرقية وإنما هي حضارة كل الشعوب التي ساهمت في صياغة أصولها. ولا يخفى تأثير مئات الكتب وآلاف الأبحاث الصادرة بمختلف بقاع العالم التي تنص على كيانات وهمية لا وجود لها في الأصول التاريخية من شاكلة الأندلس العربية وإسبانيا العربية والبرتغال العربي والمغرب العربي. إنه بتر عميق وشامل لكل ما أنجزه الأمازيغ وطمس شامل لدورهم التاريخي.

* ما هي الأسباب والقناعات التي دفعت الأمازيغ إلى فتح الأندلس؟

** إنها الأسباب والقناعات التي كشف عنها أميرهم طارق بن زياد بما يكفي من الدقة والوضوح بقوله مخاطبا إثني عشر ألفا من خيرة أهل البلد في العبارة الجامعة التالية: «قد انتخبكم الوليد بن عبد الملك من الأبطال عُزْبَاناً [هكذا في الأصول المخطوطة وليس «عُرْباناً» كما أوَّله المحققون المشارقة المتأثرون بالحركة القومية الحزبية والعسكرية المعاصرة] ، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً». ومن المعلوم في قواميس اللغة العربية أن معنى «الخَتَن أبو امْرَأة الرجل وأخو امرأته وكل مَنْ قِبَل امرأته، والجمع أختان». إنها دعوة صريحة إلى التزاوج والمصاهرة والمؤاخاة بين الشعبين والأمتين الأمازيغية المغربية والإشبانية الإيبيرية، في إحدى أكبر وأعمق وأحر الروابط المجتمعية والإنسانية التي تمَّ نسجُها بين العدْوَتين، كما بينا ذلك بتفصيل في مختلف دراساتنا المنشورة بمختلف اللغات. وقد تحقق ذلك فعلا كما يتجلى من خلال عقود الصلح والمسالمة التي وقعها طارق بن زياد مع أعدائه من الانقلابيين على الشرعية، بمن فيهم زوجة وكذلك ابن أخت الطاغية لذريق، وقد أبقى على أموالهم وممتلكاتهم وحافظ على كل حقوقهم لم يمسهم بسوء. وقد بلغت شهامة الأمازيغ وأميرهم أنْ لم يعتَبِروا أنفسهم غالبين ولم يُعامِلوا أعدائهم الإنقلابيين بعد انتصارهم عليهم معاملة المغلوبين. وهو ما أفصحت عنه أوثق المصادر التاريخية المعتمَدَة لدينا من خلال ما أوردته من تفاصيل عن مدى وفاء الأمازيغ للعدو والصديق على السواء، مؤكدة بالحرف: «وكان الوفاء عادتهم». وهو ما لم ينتبه إليه المؤرخون جميعا: مشارقة ومغاربة ومستشرقين، الذين انساقوا مع أعمال موسى بن نصير العدائية ضد المغاربة والأفارقة والإشبان وسياساته الفاسدة القائمة على الغنم والسبي وخيانة العهود.

* حدثنا عن شخصية طارق بن زياد ودوره في حدث فتح الأندلس وانتمائه الأمازيغي.

** لا يخفى المجهود الجبار الذي بذله موسى بن نصير وأبناؤه وحفدته لطمس كل ما يتعلق بشخصية ونسَب وأعمال طارق بن زياد. وحتى يتم التشويش على ما أنجزه لم تدَّخر الأقلام المأجورة وُسعاً في التدليس بنَسْبِه تارة فارسياً همذانيا وطورا عربيا من صدف ومن عشيرة ليث أيضاً. كما نسبوه – زورا وبهتانا – باعتباره مولى لموسى بن نصير. ولا يخفى كيف ظل معظم المغاربة، بمؤرخيهم وعلمائهم ونخبهم المتعلمة وعموم المواطنين – منذ وقوع البلد تحت نير الاستعمار وتمزيق كيانه ووحدته – مشلولي الإرادة جاهلين، ليس فقط بشخصية وسيرة طارق بن زياد بل بغيره أيضاً من كبار الشخصيات الأمازيغية – نساء ورجالا – ممن كان لهم بالغ الأثر في توجيه مسارات التاريخ بعموم الحوض الغربي للمتوسط وفي صياغة قواعد وأصول العلوم والمعارف والفنون. وقد أمكننا انتشال شجرة نسب طارق بن زيادة كاملة غير منقوصة وذلك من خلال المسح الشامل في المصادر العربية واستقراء الشذرات المتناثرة فيما وضعه كبار النسابة الأمازيغ على مدار عقود من الغوص في أعماق الأصول الذي اعتمدناه منهجا في البحث والتوثيق والتحليل. وهو ما وثقناه، كالتالي: طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن يزناسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو. ويتصل يطوفت بن نفزاو بــ: لوا الكبير بن مادغيس بن بر الذي يتصل بدوره بـ: بر بن تميلا بن مازيغ الذي ينتهي إلى جد الأمازيغ جميعا: مازيغ بن هراك. فهو إذاَ من شرق بلاد الريف الذي احتضن المهد الذي ترعرعرت فيه أولى عشائر الأمازيغ ومنه انطلقت هجراتهم القديمة شرقا إلى تخوم مصر وغربا إلى جزر الخالدات وشمالا إلى جزر البليار، حسبما وثقناه في أعمال سابقة.

ولم يتورع المستشرقون والمؤرخون الأجانب وعموم تلامذتهم المشارقة والمغاربة من التنقيص من شأن طارق بن زياد وإشاعة الخبر الساذج بأن مجرد قائد عسكري في الجيش العربي. إلا أن أبحاثنا تكشف بما لا يدع مجالا للشك أنه تقلب في الإمارة على البلدان، بدءاً من أنطابلس بليبيا الحالية إلى أن أصبح أميراً بسجلماسة ثم أميراً بتلمسان على مجمل بلاد المغرب الممتدة من وادي شلف بالجزائر الحالية إلى أعماق الصحراء المغربية. وقد ظل أميرا عليها منذ سنة 85 هجرية (704م) مدة سبع سنوات، وقد اتخذ مدينة طنجة عاصمة للبلاد قبل شروعه في فتح الأندلس سنة 92 هجرية (711م). وفي عهده وتحت إشرافه تم إسلام جميع المغاربة وتحرير بلاد غمارة ومدينة سبتة من نفوذ القوط وبناء المساجد في كل أنحاء البلاد، من أقصى بلاد السوس إلى بحر المجاز. تجدنا إذا أمام أول أمير لمجمل بلاد المغرب في الإسلام وأول أمير للعدوتين المغربية الأندلسية مجتمعتين بعد فتح الأندلس. وهو ما تم طمسه جملة وتفصيلا من طرف حمَلة الأقلام.

لم يتورع المستشرقون والمؤرخون الأجانب وعموم تلامذتهم المشارقة والمغاربة من التنقيص من شأن طارق بن زياد وإشاعة الخبر الساذج بأن مجرد قائد عسكري في الجيش “العربي”

وعلى عكس كافة المزاعم التي ملأت كتب التاريخ المنشورة بمختلف اللغات التي وقعت في شباك عملية التزوير الواسعة، لم يتلقى طارق بن زياد أي أمرٍ من الخليفة الأموي بدمشق ولا من واليه موسى بن نصير بالقيروان لفتح الأندلس. كل ما في الأمر أنه كان منشغلا بتحرير المغرب من نفوذ القوط، بناء على مضمون عقد ولاية المغرب الذي يُفَوِّض له – كما جرت العادة بذلك في تعيين الولاة على البلدان – فتح ما يليه من البلاد عموما دون تحديد. وعندما استعرت قعقعة سيوف الحرب الأهلية بالجزيرة الإيبيرية على إثر الانقلاب على الشرعية الملكية القوطية من طرف قطاعات من الجيش بقيادة لذريق، لم يجد الملك المعزول أخيلا والأسرة الملكية وكافة المناهضين للانقلاب بُدّاً من اللجوء إلى طارق بن زياد لطلب العون، وقد علِموا بما كان عليه من عدلٍ واستقامة وشهامة وكريم أخلاق. ونتوفر بهذا الخصوص على أدق المعلومات المستقاة من أوثق المصادر العربية والحوليات الملكية القشتالية التي تخبرنا عن الوفد الدبلوماسي الذي حل بطنجة عاصمة المغرب آنذاك، برئاسة الملك المعزول يُصاحبه الوصي على العرش بِمَعية يليان أمير سبتة التي لم تكن قد تحررت بعد، طلبا للحماية. وقد استجاب طارق بن زياد لطلبهم وشرط لهم واشترط عليهم وشرعوا مجتمعين في سرية تامة بوضع ترتيبات فتح الأندلس والإخاء بين الأمازيغ والإشبان. وهو ما كشفنا عنه لأول مرة في كتابنا الصادر بمدينة بلنسية باللغتين العربية والإسبانية سنة 2011، وفي مؤلفاتنا اللاحقة.

* قدم لنا بعض المحطات التاريخية عن الحضور الأمازيغي بالأندلس؟

ثمة محطات تاريخية فائقة الأهمية عن الحضور الأمازيغي وسيادة اللسان والثقافة الأمازيغيتين بشبه الجزيرة الإيبيرية منذ أقدم العصور. وهو ما تجدد مع طارق بن زياد من خلال الإثني عشر ألفا من العُزبان من مختلف قبائل المغرب الذين تزوجوا بنات الملوك والأمراء والنبلاء وعِليَة القوم وعموم أهل البلد الإشبان فأنجبوا جيلا أمازيغيا إسبانيا. وهو الجيل الذي شكل اللحمة المجتمعية الأولى التي صاغت معالم ما أصبح معروفا بعدئذ بالأمة الأندلسية. وقد تتبَّعنا عشائرهم النفزية والمكناسية والمصمودية والصنهاجية المتناثرة الديار بمختلف الأقاليم والجهات على طول وعرض شبه الجزيرة. وبعد نحو خمسة وأربعين سنة، حلت موجة جديدة من الأمازيغ بالأندلس معظمهم من بلاد الريف بعثهم أمير مملكة نكور مع عبد الرحمن الداخل ليعتضد بهم في تأسيس الدولة الأموية على أسس مركزية وفل شوكة العشائر العربية ذات التوجهات الإقطاعية المناهضة للمركزية السياسية. ومرة أخرى ومع انفلات الأمور واختلال الأوضاع وتشتت البلاد وتمزقها بالفتن والحروب بين العشائر القبلية والطوائف الدينية أمسك عبد الرحمن الثالث بدفة الحكم وشرع في بناء نظام الخلافة وتلقب بالناصر وقد قرَّب إليه أمازيغ شمال المغرب المعروفين في المصادر الأندلسية بالبربر الطنجيين. ومن المتعارف عليه بين الباحثين أن المنصور بن أبي عامر المستبد بالحكم قد عمد إلى تفكيك الجيش الأندلسي وإنشاء قوة عسكرية ضاربة مشكَّلة من كبريات العشائر الزناتية والصنهاجية المستقدَمَة من المغرب الأوسط بالجزائر الحالية. وهي العشائر الأمازيغية التي كان لها دورا كبيرا في سقوط نظام الخلافة وإعادة هيكلة البلاد وِفقَ نظم الإقطاع العسكري التي أسفرت عن تشتت البلاد وقيام ممالك الطوائف. وثمة موجة أمازيغية سادسة دخلت الأندلس على إثر قيام دولة المرابطين الصنهاجية الضاربين بخيامهم في أعماق الصحراء المغربية. ويستكمل الأمازيغ حضورهم في النسيج المجتمعي الأندلسي بقيام دولة الموحدين المصمودية القادمة في موجة سابعة من بلاد السوس. إلا أن حضور الأمازيغ من مختلف مجموعات المغرب القبلية كان أعمق تأثيرا وأوسع عطاء في المجالات العلمية والفكرية والفنية وفي النظم السياسية والإدارية، حسبما بيناه بتفصيل ضمن أبحاثنا العلمية التي لم نتوقف عن إعدادها ونشرها للعموم بمختلف اللغات في بلدان عربية وأروبية على مجار العقود الأربع الأخيرة.

شاهد أيضاً

أكادير تحتضن الملتقى الأول لتجار المواد الغذائية

تحتضن مدينة أكادير من 24 الى 26 يوليوز الجاري الملتقى الأول لجمعية تمونت لتجار المواد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *