لم يتم اختيار العنوان اعتباطيا بل إيمانا منا بالحدود الشائكة الملغومة والغير دستورية التي فرضتها المادة 9 في قانون المالية رقم 70/ 19 للسنة المالية عشرون عشرون 2020 .
باستقراء سطحي لسطور هذه المادة التي تمنع الحجز على ممتلكات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية رغم استصدار قرار قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به ودون الحاجة إلى خبراء دستوريين يتجلى بوضوح مخالفتها الصريحة لأسمى قانون في المملكة المغربية في فصله 126 الذي ينص بصيغة الوجوب في فقرته الأولى على أنه يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء، وبهذا الخرق فهي تضرب في روح وأسس دولة الحق والقانون .
ونتساءل كيف سيتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون كما هو منصوص عليه في الفصل 117 من الوثيقة الدستورية التي صفق لها الجميع وهو يعلم أن كلامه لا نفاذ له بمقتضى مادة أدرجت في قانون المالية (لاعلاقة لها لا بالموارد ولا بالنفقات) عوض إدراجها في قانون المسطرة المدنية بعد تعديل أو نسخ الفصل 126 من الدستور وما يتطلبه ذلك من إجراءات ليتم احترام أسمى قانون في دولة المؤسسات، وليس تعديل مرسوم الصفقات العمومية كما يقول السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة ، تمنع الحجز على الممتلكات العمومية كوسيلة للتنفيذ الجبري في حالة تراخي الدولة عن التنفيذ أو التنفيذ الجزئي أو امتناعها كليا عن التنفيذ .
وهنا نستحضر عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لأبي موسى الأشعري في شروط القضاء “…فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاد له”.
فرغم عدم صدور الحكم أو القرار إلا بعد استدعاء الإدارة للدفاع عن مصالحها وحقوقها عن طريق ممثليها القانونيين ومحاميها وكذا الوكالة القضائية للمملكة وتوفرها على وسائل غير متاحة للأفراد تصر بعض الجهات على إقحام المادة موضوع النقاش في مشروع قانون المالية جاعلة حرمة القضاء في مهب الريح وسببا قد يفقد ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
علاقة بحرمة القضاء وفي شدة الحرب رفض رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرشل” إيقاف تنفيذ حكم قضائي قائلا ” أهون أن نخسر الحرب من أن يخسر القضاء البريطاني هيبته ” والحكومة المغربية تحاول قول العكس في عز حالة السلم .
لم نكن لنتطرق إلى إشكال المادة 9 ليقيننا بعدم دستوريتها وبعدم التصويت على مشروع قانون المالية إلا بعد إلغائها أو على الأقل هذا ما كان يبدوا لنا، إلا أننا فوجئنا كبقية المغاربة بل والمستثمرين في بلادنا بمصادقة لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية عليه بالأغلبية .
ومن المفارقات السياسية قيام فريق يقود المعارضة بالتصويت لفائدة المادة 9 في مقابل التصويت الأبيض (الامتناع) للحزب المتزعم للأغلبية، وننتظر رأي المحكمة الدستورية بخصوص المادة 9 في مشروع قانون المالية، التي تم المصادقة عليها.
إن الإشكال الدستوري والقانوني الذي طرحته المادة موضوع النقاش جعلنا نتساءل عن مدى التوافق في اختيار حكومة الكفاءات ، فإلى حدود الآن و كنموذج من مشروع قانون المالية لم يتم اللجوء إلى آليات مبتكرة بل تم نهج نفس الطرق السهلة التي نهجتها الحكومات السابقة من زيادة الضريبة على المواطن والاقتراض والتخصيص كتفويت المستشفيات الجامعية إلى الصندوق الوطني للتقاعد وهو ما نراه حل مشكل بخلق مشكل اكبر.
أهكذا سيتم تنزيل الخيار الديمقراطي والتنموي ؟؟؟
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان