الماركسيون المغاربة.. أزمة فكر أم أزمة تطبيق

بقلم: وليد البورماقي*

تعد التنظيمات اليسارية والمنظمات النقابية والحقوقية و”الفصائل” الطلابية التي تسمي نفسها بيسار؛ الممثلين للفكر الماركسي والماركسي-اللينيني، والتروتسكي والماوي… منذ بروزهم في الساحة السياسية المغربية عامة وداخل الجامعة خصوصا بداية السبعينات من القرن الماضي، اتخذوا من (الوطن العربي) ملجأ ومسكنا لهم، وجعلوا من القضايا البعيدة علينا بآلاف الكيلومترات قضايا وطنية.. في حين أنهم نسوا وتناسوا قضايانا المحورية والمركزية التي كان بالأجدر أن يدافعوا عنها بكل الوسائل المتاحة وجعلها من أولويات المواطنين الشمال-إفريقيين باعتبارهم أبناء ثامزغا عموما والمغرب خصوصا.

إن تبنيهم لمواقف عروبية محضة تتناقض مع الخصوصيات التاريخية للشعب الأمازيغي هو بالأساس استهداف للعواطف المتذبذبة والهشة والضعيفة فكريا وثقافيا… والتي لم تصل بعد إلى استيعاب خبايا القضايا الكبرى والحساسة كالفلسطينية مثلا، التي لا تمت بصلة للمغاربة إلا أنهم يتقاسمون الإنسانية.. هدف هذه التنظيمات ليس معانقة هموم الشعب أو الفئات/الطبقات الإجتماعية الهشة والمقهورة وإنما محاولة الركوب على القضايا التي تعرف تعاطفا لافتا من طرف مجموعة من الشعوب.

إن الضرب في العنصر الجوهري لشمال إفريقيا واستبعاده من جميع مقررات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفي المقابل إصدار مواقف خطيرة وممارسة “الرومانسية” السياسية مع (الكيان الصحراوي الوهمي) في إطار ما سموه زورا وبهتانا ب”تقرير المصير”، مثل هذه القرارات اللامسؤولة تضرب في العمق التاريخي والثقافي والأركيولوجي والسوسيولوجي… للشعب الأمازيغي.

إن اليسار العروبي بالمغرب منذ بروزه في الساحة السياسية العامة إلى يومنا هذا، عاش الاستلاب الثقافي، اللغوي، الهوياتي… وظل متشبثا بقضايا المشرق بل عانقها بقوة دون استحضار ولو لمرة النظرة النقدية والموضوعية إزاءها. هذا لا يعني أنهم لا يفقهون في التاريخ شيئا وإنما ارتموا في أحضان المشرق من أجل كسب أكبر عدد من “المتعاطفين” وتطبيق سياسة القطيع التي ورثوها من الذين سبقوهم إلى الميدان “الاسترزاقي”.

إذا وقفنا وقفة تأمل وقارنا اليسار بمفهومه العالمي (الفرنسي، البريطاني، الألماني…) مع ما يطلق عليه ب”اليسار” في المغرب سنجد تباين واضح وبين للجميع؛ سواءا على المستوى الفكري، أي النقد النظري الهيجلي أم على المستوى التطبيقي، أي النشاط العملي كما سماه كارل ماركس في كتابه “الأيديولوجية الألمانية”.

إن اعتبار النظرية الماركسية في شقها السياسي كهوية وفي شموليتها كعقيدة للخلاص.. لهو خرف وترف فكري قاتل، وخصوصا في المرحلة التي نعيشها في ظل التطور التكنولوجي والتقني الذي تشهده البشرية.. لأن ماركس نفسه قد تبرأ من هذا الافتراء المزعوم وذلك بقوله في البياش الشيوعي: “إنا نظريتنا ليست مبدأ عقائديا بل هي أداة للعمل”، وبالتالي فإن الماركسية منهج للتحليل الملموس للواقع الملموس وليس اعتناقها بعقل أعمى وبعقلية إسقاطية بتعبير “إدغار موران”، لم تستوعب بعد محتواها الحقيقي.

اليسار المغربي لم يصل بعد إلى حدود المرحلة، للتصالح مع هويته الذاتية والوطنية مثل ما فعل الشهيد بوجمعة الهباز الذي تنكرت له كل التنظيمات اليسارية المغربية، ومثل ما فعل الأحرار بمنطقة “القبايل” بالجزائر بداية من “تافسوت إيمازيغن” سنة 1980، مرورا عبر انتفاضة 2001 التي راح ضحيتها الشاب اليافع “كرماح مسينيسا” ذو التاسعة عشر ربيعا، ومجموعة من الانتفاضات المجيدة الأخرى وصولا إلى انتفاضة 2018/2017.

يعتبر القبايليون الماركسيون من المناضلين العقلانيين الذين تشبثوا بهويتهم وثقافتهم الأصلية رغم اختلافهم الفكري والديني والأيديولوجي… وذلك ما جسدوه على أرض الواقع من خلال رفعهم للعلم الأمازيغي والإيمان بالقضية الأمازيغية وإلى جانبه رفع شارة النصر (Victoire)، هذا إن كان يدل على شيء فإنما دل على أن القبايليين واعون جيدا بهويتهم وثقافتهم الأمازيغيتين.. ولم ينساقوا وراء الشعارات العاطفية التي نادوا بها العروبيون مستغلين بذلك الدين والقضية الفلسطينية من أجل جلب أكبر نسبة ممكنة من الشخوص ومحاولة اللعب على عقولهم وتنويمهم مغناطيسيا.

إن المناداة بتحرير الطبقة العاملة من داخل أسوار الجامعة لهو خروج واضح عن منهج كارل ماركس وعن المحتوى النقي للماركسية؛ إذ قال ماركس: “أن الطبقة العاملة ستحرر نفسها بنفسها” وأتى ليون تروتسكي بعده وأكد ذلك بقوله: “الطبقة البروليتارية لا تحتاح إلى أحد لكي ينوب عنها”.

من خلال ما استحضرناه اعلاه يمكن القول أن فئة الطلاب لم يراهن عليهم ماركس كي يحرروا القوة الكلاسيكية للثورة بتعبير “هاربرت ماركيوز” وإنما اعتبرهم في كتابات أخرى كلابا للثورة؛ أي طبقة متذبذبة يميلون حيث تميل موازين القوى. وبالتالي فإن التنظيمات “اليسارية” التي تعمل من داخل الجامعة المغربية وتنادي بتحرير الطبقة العاملة من بطش الرأسمالية المتوحشة والكومبرادورية، فإنها تغرد خارج السرب وخارج المنهج العملي الماركسي، وفي هذا السياق نتساءل مع من اعتنق هذا المنهج؛ هل نزلتم يوما إلى الميدان وبلورتم النقد النظري الماركسي إلى النشاط العملي اللينيني “البراكسيس” ؟!

وهل أطرتم ما يكفي من “العمال” بالمغرب من أجل تحطيم النظام السياسي البيروقراطي عن طريق الثورة الديموقراطة الشعبية بقيادة البروليتاريا وفرض ديكتاتورية البروليتاريا ؟؟

وهل يمكن الحديث عن اليسار و الطبقة العاملة بالمغرب، أم أنها مجرد شعارات مستوردة من كتابات مهدي عامل ومن بعض طبعات بيروت دون الوعي بالخصوصيات الثقافية والتاريخية للمجتمع المراكشي، وبدون دراسة علمية للبنية الاجتماعية الأمازيغية بشكل عام ؟؟

* طالب بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

تعليق واحد

  1. عنوان المقال المكتوب يتكون من جملتين والجملة الأخيرة “أزمة فكر أم أزمة تطبيق” هي عبارة عن سؤال تخيري ، أي لابد من إختيار جوابا واحد من الجوابين هل هي أزمة فكر أم هي أزمة تفكير … وكاتب المقال أقصى الجوابين الإثنين ولم يختار جوابا لسؤاله المطروح ….
    جييد جدا ههه أيعقل ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *