“المتمرد الأمازيغي” معتوب لوناس…26 سنة على اغتيال أشرس معارض للنظام العسكري الجزائري

خلد ابناء منطقة القبائل ومعهم كل عشاق الأغنية الأمازيغية، أول أمس الثلاثاء 25 يونيو الجاري، الذكرى السادسة والعشرين لاغتيال “المتمرّد” أو “الثائر”، كما يلقبه الامازيغ، مستحضرين روحه الكفاحية والقتالية من أجل اللغة والثقافة الامازيغيتن، من خلال اغانيه والحانه وموسيقاه وانخراطه الفعلي في النضال الذي خاضته الحركة الثقافية الامازيغية للترافع عن القضية الأمازيغية وعن الحرية والديمقراطية…

ويأتي تخليد ذكرى اغتيال المتمرد معتوب، بعد مرور شهرين فقط، على الذكرى الرابعة والأربعين لـ”تافسوت إيمازيغن” (الربيع الامازيغي) الذي انطلقت شرارته عقب قرار منع (تأجيل) محاضرة كان سيلقيها الاب الروحي للحركة الامازيغية، مولود معمري، يوم 10 مارس 1980 بجامعة تيزي وزو حول الشعر القبايلي الامازيغي القديم، وكذا الذكرى الثالثة والعشرين للأحداث المأساوية لـ “تافسوت تابركانت”(الربيع الاسود سنة 2001)، التي انطلقت شرارتها الأولى عقب استشهاد التلميذ ماسينيسا كرماح البالغ من العمر 17 سنة على يد عناصر الدرك، لتندلع مواجهات قوية بين جماهير منطقة القبائل وقوى الجيش، الذي لم يتردد في استخدام الرصاص الحي لسحق الانتفاضة، مخلفا سقوط 128 قتيلاً وإصابة الآلاف بالجروح بالإضافة إلى المئات من المعتقلين…

وأثار الوناس جدلاً كبيراً في حياته وبعد رحيله، وهو الذي سقط برصاصات غادرة عام 1998 أثناء عودته إلى منزله ببلدة بني دوالة قرب مدينة تيزى وزو (منطقة القبائل)، وأعلنت الجماعة الإسلامية المسلحة (GIAA) مسؤوليتها عن اغتياله، إلا ان العائلة لاتزال تطالب بتسليط الضوء على حادث مقتله فيما تحول شكوك كثيرة حول مسؤولية المخابرات العسكرية في تصفيته.

ولد معطوب الوناس يوم 24 يناير عام 1956، وانتشر كنجم للغناء بمنطقته في سن الـ 15، بمطلع السبعينيات. وكان تأثره بالشيخ الحسناوي ومحمد العنقي واضحاً. هاجر معطوب الوناس إلى فرنسا، قبل أن يعود ليستقر في الجزائر. وعام 1988، سقط جريحاً في محاولة اغتيال فاشلة، ليتحول إلى أسطورة أمازيغية تلهب المسارح كلما صعد إليها.

حاول معتوب بأغانيه إعادة كتابة تاريخ موازٍ للثورة الجزائرية في مواجهة التاريخ الرسمي، ودافع من خلال أغانيه عن المطالب الثقافية والسياسية الأمازيغية. كانت الأمازيعيَّة بالنسبة له أكثر من أداة تواصل. “الأمازيغية هي لغتي الأم، وكلما نطقت بها أتصور نفسي كما لو أنني أقاوم”. هكذا، تحوّل الوناس إلى صوت الأمازيغ. وكانت سيرته التى سجلها فى كتابه “المتمرد” وثيقة تاريخية حية تشهد على تحولات الجزائر المعاصرة.

استطاع الراحل معطوب الوناس أن يحشد من ورائه كل الأمازيغ، وتمكن من خلال مواقفه وقناعاته الراسخة أن يجمع ابناء منطقة القبائل الكبرى والصغرى في الجزائر، ولم يغيّر مواقفه، وظل ثابتًا على عهده إلى أن خطفه الموت في ظلمات التسعينيات التي لم ترحم أحدًا من أبناء الجزائر، عندما تواطؤ الظلاميون مع الطغمة العسكرية لارتكاب مسلسل من الجرائم الشنعاء التي وسمت العشرية السوداء وظلت محفورة في ذاكرة الشعب الجزائري…

وكانت مواقف الوناس، وعناده البطولي قد جرّ عليه حقد وعداء الظلاميين ونظام الجنرالات بالجزائر، قبل ان تطلق عليه يد الغدر رصاصة الموت، معتقدة ان ذلك سيجعل حدا لأفكاره وآرائه، لكن معطوب لا يزال حيًا في قلوب الأمازيغ ولاتزال قضيته هي قضية الجميع ألا وهي تحقيق الديمقراطية ودولة الحق والقانون ورد الاعتبار لثقافة وهوية الامازيغ في بلادهم..

شكلت أغاني معطوب الوناس علامة فارقة في مسار الأغنية الأمازيغية، سواء في الجزائر أو خارجها، حيث غنّى عن الحب والهوية واللغة، وانتقد الساسة والحكام ولم يغفل معاناة المواطن البسيط، وضمنها اغنيته “الله أكبر” التي أثارت جدلًا واسعًا، والتي قدمها في أحد البلاطوهات التلفزيونية الفرنسية، وأخرى تحت عنوان “أمّا الرصاص الذي قتل لم يقتلني”، وفي هذه الأغنية يثير قصة نجاته من محاولة القتل التي تعرّض لها خلال مظاهرات 1988 والتي أعقبتها أحداث عنيفة قبل دخول الجزائر في نفق ما سمي بـ”العشرية السوداء”، بعد توقيف المسار الانتخابي سنة 1991 عقب فوز الاسلاميين في الانتخابات…

خلّد معطوب تمرده ومعارضته لنظام الحكم الديكتاتوري في بلاده، ورفضه للإرهاب والتطرّف في كتاب وسمه بــ”المتمرّد”، الذي ترجم إلى عدة لغات وضمنها تلك التي أنجزها بالامازيغية صديقنا المناضل لحبيب فؤاء(أو حبي يشّو كما نسميه)، ويقول الراحل في الفصل الرابع من هذا الكتاب: “إننا مهدّدون في وجودنا وحياتنا وكرامتنا وحريتنا، نريد أن نعيش ونفكّر ونكتب ونغني..”.

كما عكس الراحل الدفاع عن أفكاره من خلال اغانيه ومواقفه وجسد ذلك في إحدى مقولاته التي لا تزال خالدة والتي جاء فيها: “أفضّل أن أموت بسبب أفكاري على أن أموت على فراش المرض أو بسبب الشيخوخة”.

وبسبب مواقف معطوب الوناس الجريئة، تم اختطافه من طرف الإرهابيين سنة 1994 وعُذّب نتيجة لإصراره على مواقفه وقناعاته، إذ لم يكن ينافق أحدًا بل كان صريحًا سواءً في خطاباته أو في أغانيه، او في ممارساته، لا يخشى في ذلك لومة لائم.

اغتيل معطوب الوناس أو “المتمرّد”، يوم 25 يونيو 1998، وخرج عشرات الآلاف من الشباب الجزائري بمنطقة القبائل للتعبير عن غضبهم بعد مقتله باعتباره رمزا من رموز النضال والدفاع عن الهوية الأمازيغية، مما أدى إلى حدوث مظاهرات واحتجاجات بالمنطقة دامت أسبوعًا كاملًا.

وعقب اغتياله تبنت “الجماعة الإسلامية المسلّحة” المعروفة بـ”GIA” العملية وتم إغلاق ملف القضية سنة 2011، إلا ان عائلته ومناضلي القضية الامازيغية يصرون على كشف الحقيقة الكاملة حول عملية اغتياله..

وتأتي ذكرى اغتيال معتوب السادسة والعشرين، في ظل الازمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعرفها الجزائر، وفي ظل استمرار المؤسسة العسكرية ونظام الجنرالات في التحكم في دواليب الحكم بالبلاد، والقمع المسلط على كل الاصوات المعارضة حيث عمد النظام العسكري إلى استغلال ازمة كوفيد-19 للانتقام من نشطاء الحراك الشعبي الذي انطلقت شرارته الأولى في فبراير 2019 للمطالبة برحيل النظام الفاسد وكل رموزه، وهو ما تحقق بعد الزج بعشرات المناضلين والمعارضين للكابرانات في السجن وفرار العديد من النشطاء إلى الخارج خوفا من بطش الطغمة العسكرية..

ورغم مرور 26 سنة على اغتيال معتوب لوناس، والتي تورط فيها نظام العسكر، إلا أن طيفه لايزال يخيف الكابرانات خاصة بعد تحول الذي عرفته منطقة القبائل في ظل المطالبة بالاستقلال الذاتي والدعم الواسع الذي تتمتع به حركة “الماك” على المستوى الدولي.

رغم مرور 26 سنة على رحيل الفنان معطوب الوناس، لاتزال روح المتمرّد ترفرف فوق سماء تامازغا، ولاتزال اغانيه تصدح في ربوع شمال افريقيا وترددها حناجر ملايين الامازيغ من سيوة إلى جزر الكناري وفي اوساط الدياسبورا الامازيغية المنتشرة في كل ارجاء العالم..

محمد بوداري/ تليكسبريس

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *