ولد معطوب الوناس في 24 يناير 1956، ومتأثرا بالأغاني الشعبية القبائلية وبصوت أمه الرخيم، بدأ معطوب الوناس بالغناء في الأعراس والحفلات الشعبية الأمازيغية، وكان يكتب أغانيه ويلحنها بنفسه. شكلت عودة والده المهاجر في فرنسا إلى الوطن، حاملا إليه قيثارة أجمل هدية تلقاها في حياته، على ما يظهر من كتاب سيرته ”المتمرد”، الذي يعد وثيقة تاريخية حية تشهد على تحولات الجزائر المعاصرة بآلامها وآمالها وطموحاتها ومفارقاتها أيضا، ليقول ”إنه تمرد ضد الفكر المتحجر والتعصب الديني، والقمع اللغوي والثقافي”.
تمحورت أغاني الوناس حول الهوية والثقافة الأمازيغية في مواجهة سياسات طمس هذه الهوية، كان يتغنى بكريم بلقاسم والقائدين عميروش وعبان رمضان، وحمل الوناس مشروعاً معاكسا بأدوات فنية، وانتشرت أغانيه في القرى والمداشر، وكانت الأمازيغية بالنسبة له أكثر من أداة تواصل، حيث قال ”الأمازيغية هي لغتي الأم، وكلما نطقت بها أتصور نفسي كما لو أنني أقاوم”.
غادر معطوب إلى فرنسا، وخاض تجربة فنية حقق فيها شهرة بين أوساط الجالية الجزائرية، ومن هناك تابع أحداث ”الربيع الأمازيغي”، ”كنت متوترا حد السعار لعدم مشاركتي في الأحداث، كنت ممزقاً بين رغبتي الجامحة في أن أكون بين ظهران أبناء منطقتي وبين التزامي الفني”، فقدم أغنية ”يحزن واد عيسي” التي ذاع صيتها وخلدت ذكرى الضحايا، ومع مرور الوقت، تحول إلى أسطورة أمازيغية. وبفضل لونه الغنائي وصوته المميز ومساندته القضية الأمازيغية الجزائرية وفكرة اللامركزية، تعلم معطوب الغناء بشكل ذاتي وأصدر العديد من الألبومات الغنائية الأمازيغية الناجحة، آخرها ”رسالة إلى…” الذي صدر بعد اغتياله.
كان يجهر معطوب بأفكاره حول العلمانية والحرية والديمقراطية والأمازيغية، وتسبب اغتياله في قيام مظاهرات احتجاج كبرى، أدت إلى مواجهات بين آلاف قوات الأمن وعشرات الآلاف من المحبين الغاضبين، وتم تنظيم جنازة مهيبة له، حضرها عشرات الآلاف من الجزائريين، وتصدر خبر اغتياله الأخبار في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية والأجنبية. كتب معطوب لوناس سيرة ذاتية مفصلة عن حياته، استعرض فيها عالم طفولته وقريته وظروف الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، والفترة التي تلت استقلال الجزائر، واستعرض القمع الذي تعرضت له الهوية الجزائرية، وتمسكه بأمازيغيته، كما يبين آرائه في القضية الأمازيغية وأسباب إخفاق الأمازيغ في الحصول على حقوقهم.
خلال العشرية الدامية، وثقت أغاني معطوب الوناس أغانيه هذه الفترة بالحزن، أهمها أغنيته في نعي الرئيس محمد بوضياف، وكان رأيه مسموعا ومؤثرا في القبائل، لذلك، أصبح رأس الرجل مطلوبا، وقد وضعته الجماعات الإسلامية على قائمتها السوداء، وفي سبتمبر 1994، اختطفته خلية تابعة للجماعة الإسلامية المسلحة، فخرج الشباب الأمازيغي الغاضب باحثا عن معطوب في أحراش منطقة القبائل، وهددوا بحرب شاملة ضد العناصر الجهادية المتحصنة في الجبال.
ليلة العاشر من أكتوبر، أطلقت الخلية سراح الوناس تحت وطأة الضغط الشعبي، وردا على اتهامه بالانفصالية، ترجم النشيد الوطني الجزائري إلى اللغة الأمازيغية محافظاً على اللحن نفسه، وفي 25 جوان 1998، استقرت في جسد معطوب الوناس 78 رصاصة أثناء عودته إلى منزله ببلدة ”بني دوالة”، قرب مدينة تيزي وزو، ولا تزال أغانيه الثورية يرددها مئات الآلاف من عشاقه، وتحول إلى أيقونة أمازيغية.
رغم رحيل معطوب لوناس، إلا أن الجزائريين عامة وسكان منطقة القبائل خاصة، يتذكرونه ويستمعون إلى أغانيه التي كانت سلاحه الوحيد، إضافة إلى آلته الموسيقية، في محاربة الظلم والتخلف والإقصاء. عرف معطوب لوناس بدفاعه القوي عن الثقافة الأمازيغية، مطالبا بإلحاح، إدراجها كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، كما عرف بلطفه وكرمه وتواضعه وعدم اكتراثه بالمال، والدليل أنه كان يرفض رفضا باتا إحياء أية سهرة غنائية مدفوعة الأجر في منطقة القبائل.
الأكيد أن لحلاوة الاستماع إلى أغاني معطوب الوناس، سواء الملتزمة منها أو العاطفية، ذوق خاص، إذ يحمل بألحانه الشعبية إلى عوالم متفردة تجعلك تدخل في دوامة لا يمكن وصفها، مثلما لا يمكنك السير عبر جبال ودروب جرجرة، دون أن تستمع إلى إحدى أغانيه التي تنطق حبا والتزاما بالقضية، والكثير من هذه الأغاني باتت مرافقة لجل النشاطات والمواعيد المرتبطة بكل ما هو أمازيغي في شتى الفنون، لأن معطوب الوناس الذي ظل طوال حياته مثيرا للضجة والجدل، سيظل بعد مماته علامة فارقة في مسار النضال من أجل القضية وفي المكتبة الغنائية الجزائرية.
المساء الجزائرية