عقد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لقاءً تواصلياً، يوم الثلاثاء 04 يوليوز 2023، على الساعة العاشرة صباحاً، بمقرّه، لعرض الآراء التي أعّدها، وصادقت عليها الجمعية العامّة، استجابة لطلب الُحكومة، بشأن مشروع قانون، وثلاثة مشاريع مراسيم بالإضافة لمشروع قرار، تهمّ المنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي.
كما هدف هذا اللقاء إلى تنوير الرأي العام حول مضامين آراء المجلس التي أعدها بناء على دراسة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية مواضيع طلبات الرأي، معتمدا في ذلك على إطار مرجعي يضم دستور المملكة، والتوجيهات الملكية السامية ذات العلاقة بمواضيع هذه المشاريع، ومضامين القانون الإطار رقم 51.17، بالإضافة إلى ما جاءت به الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030.. وفيما يتعلق بالمحتوى، يؤكد المجلس على مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، وعلى مركزية المتعلمِ، باعتباره حجر الزاوية في بناء المدرسة الجديدة، مما يستدعي التنصيص على المتطلبات المترتبة عن الإطار المرجعي والمتعلقة بالانتقال الضروري نحو نموذج بيداغوجي قائم على مكتسبات التعلُّم، وتفعيل الدور الاجتماعي للمدرسة من أجل ضمان فاعلية الولوج إلى تعليم جيد مع استحضار مبادئ العدالة المجالية والاجتماعية بين كافة المناطق والأوساط. كما يدعو المجلس إلى دمج التربية الثقافية والفنية والرياضية في البرامج وإدراجها في استعمالات الزمن الخاصة بالمعلمين والمتعلمين، وتعزيز الموارد اللازمة لذلك، مع العمل على التطبيق الفعلي لاستقلالية المؤسسة المدرسية، والإشراك الفعلي للأسر في سير المؤسسات التربوية، كما يؤكد على ضرورة إعادة تأهيل مهن التربية وتجويد التكوين وتحسين ظروف عمل أطر التدريس والتدبير في المؤسسات التعليمية، والعمل على تطوير التعليم عن بعد كنمط مهم وضروري، مع استحضار مبدأي الإنصاف وتكافؤ الفرص. ويدعو المجلس كذلك إلى مشاركة فعلية للجماعات الترابية في تطوير التعليم المدرسي مع استحضار ما تقتضيه هذه المشاركة من تدابير تشريعية وتنظيمية ومالية، وتيسير إمكانية إسهام القطاع الثالث في تطوير التعليم المدرسي. وأما فيما يتعلق بالشكل، فيقتضي مشروع القانون إضافة ديباجة تتضمن مفهوم “المدرسة الجديدة” وتوضح أهداف المشروع وتستحضر إطاره المرجعي، وتشرح مقاصد المشرع من إصداره، كما يقتضي كذلك استحضار مبدأ تجانس مستويات التفصيل فيه، ومبدأ التوازن في مواد المشروع بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تحديد جدولة زمنية لإصدار النصوص التنظيمية. كما تفحص المجلس مشروع المرسوم المتعلق بشأن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي في صيغته الجديدة، ولم يمكن من توضيح الرؤية من حيث ماهية التوجيه، والمفاهيم المهيكلة له وكذا المقاربات المعتمدة في هذا الشأن، بما يضمن إرساء نظام توجيه موحد ومندمج وشامل لكل من التعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي والتعليم العتيق ومحو الأمية. كما أظهر أن هذا المشروع اعتمد على مقاربة ظرفية، انتقائية وتجزيئية، تُفضي أساسا إلى تحسين مكونات وآليات النظام الحالي دون تحقيق الإصلاح التربوي الشمولي المنشود. واستحضارا لجسامة رهانات الإصلاح المعقودة على ورش المراجعة الشاملة لنظام التوجيه والتي تقتضي إحداث تحول في هذا النظام وفق مقاربة أفقية وعمودية، تراعي الترابط والتكامل الداخلي بين مختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، كما تستوعب أسس ومضامين النموذج البيداغوجي الجديد كما نص عليها القانون الإطار، فإن المجلس يعتبر أن التوجيه يقوم بوظائف تربوية متنوعة ومتكاملة تهدف أساسا إلى مواكبة وتتبع تنمية المهارات والكفايات والمكتسبات الفردية للمتعلمين والمتعلمات التي من شأنها تنمية الاستقلالية وتعزيز التربية على الاختيار، و كذا إلى مساعدتهم على استدامة التعلم بنجاح وبلورة مشروعهم الشخصي في بعديه الدينامي والمتغير، واكتساب القدرة على التكيف والاندماج مع متطلبات الحياة العملية ومع متطلبات سوق الشغل، وتطوراتها. وفي هذا الصدد، فإن المجلس يشدد على ضرورة اتساق مجموع مكونات الإصلاح البيداغوجي في أفق بناء “المدرسة الجديدة”، ويدعو إلى الارتكاز على مجموعة من المستلزمات القبلية، وعلى رأسها إصدار النصوص التشريعية المؤسِّسَة التي تهم إحداث اللجنة الدائمة للتجديد والملاءمة المستمرين للمناهج والبرامج والتكوينات، وإعداد الأطر والدلائل المرجعية، وبلورة نموذج جديد للارتقاء بمهن التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، ووضع إطار وطني مرجعي للإشهاد والتصديق وإحداث مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات الجديدة وحاجات سوق الشغل. ومن أجل إرساء منظور مهيكل جديد للتوجيه، فإن المجلس يوصي بملاءمة مضمون المرسوم مع مقتضيات القانون الإطار، والنصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة به، بما يمكن من إرساء منظور مهيكل جديد للتوجيه ومن تحقيق الشروط اللازمة لضمان أجرأته الفعلية بكل نجاعة. كما يؤكد على ضرورة إطلاق دينامية جديدة للإصلاح الشامل لنظام التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، على أساس التنسيق بين جميع مكونات المنظومة والالتزام بالآجال المحددة في القانون -الإطار. وتدارس المجلس مشروع مرسوم القاضي بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي، وبخصوصه خلص إلى أن مجمل مواد هذا المشروع، قد انحصرت فــي التذكير بالأهداف والمبادئ الأساسية المرتبـطة بتطبيق الهندسة اللغوية بدل تفصيلها وترجمتها إلى إجراءات عملية وتطبيقية، نوعية وكمية، واضحة الآجال، ومحددة من حيث الجهات المسؤولة و/أو المعنية بتطبيقهــا.
وقد مرت هذه الآراء في صياغتها واعتمادها من عدة مراحل تتمثل في ترتيب منهجية التكفل بها من طرف مكتب المجلس، وإنجاز الأشغال من طرف اللجن الدائمة لدى المجلس التي تم تكليفها بالإحالة بمشاركة باقي اللجان، ثم تدارس مشاريع الآراء واعتمادها بعد إدراج التعديلات من طرف مكتب المجلس قبل تداولها وإدراج التعديلات والتغييرات المقترحة من طرف الجمعية العامة للمجلس قصد المصادقة النهائية عليها ومن ثم إرسال هذه الآراء إلى رئيس الحكومة من طرف رئيس المجلس. ويتعلق الأمر برأي المجلس حول مشروع القانون رقم 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي المنصوص عليه، من بين نصوص تشريعية وأخرى تنظيمية، في القانون الإطار رقم 51.17، من أهم ركائز بناء “المدرسة الجديدة “، وهو أيضا من أهم النصوص التشريعية الرامية لضبط تنظيم التعليم المدرسي، وتجويد حكامته، وتحسين مردوديته، وبعد دراسته لمشروع القانون 59.21، يٌسجل المجلس أن هذا المشروع لا يشمل جميع القضايا المتصلة بوظائف ومهام ومكونات وحكامة وتمويل وتقييم منظومة التعليم المدرسي. لذلك، قدَّم في هذا الإطار مجموعة من الملاحظات على مستوى المنهجية المتبعة في إعداد مشروع القانون وكذلك على مستوى المحتوى والشكل. ففيما يتعلق بالمنهجية، يرى المجلس بأنه يفترض في المشروع أن يستحضر المبادئ والأبعاد المتعلقة بجميع مكونات التعليم المدرسي، والمقتضيات التشريعية المؤطرة للتعليم المدرسي بما فيها القانون المحدث للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مع مراعاة الانسجام بين هذه النصوص واستحضار توصية المجلس في هذا الصدد في رأيه رقم 12/2021. كما يتطلب إعداد هذا المشروع توسيع دائرة التشاور بشأنه مع جميع الفاعلين في المنظومة وذلك اعتبارا لأهميته، مع استحضار الطابع النسقي لمجمل المنظومة. ويعتبر المجلس أن هذا المشروع يستدعي تبني بعدٍ استشرافي، وتبني كذلك مقاربة التجريب قبل التعميم والتي يجب تعزيزها عند بداية كل ورش من أوراش الإصلاحكما يلاحظ المجلس أن هذا المشروع قد استند في تقديمه على كل من القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إلا أن مضمونه لم يستحضر هذه القوانين في حين أنها تحدد الإطار المؤسساتي لإرساء التعدد اللغوي وتتضمن أحكاما تطبيقية في هذا الشأن.
ونظرا لكون وظيفة المرسوم لم تبرز في المشروع المقترح، فإن المجلس يسجل غياب معطيات أساسية بخصوص التصور الإجرائي لإعمال الهندسة اللغوية على مستوى؛ المبادئ والمرتكزات، ولاسيما كيفية تفعيل مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص وكيفية تصريف مقتضيات القانون-الإطار خاصة ما يتعلق بالقضايا العرضانية؛ التطبيقات البيداغوجية، خاصة التدقيقات المتعلقة بالإطار المرجعي للمنهاج والدلائل المرجعية للبرامج والتكوينات، وبدور اللجنة الدائمة لمراجعة المناهج والبرامج، وبالمصطلحات والمفاهيم الأساسية وبالمســتويات المرجعيــة ومؤشرات التمكــن مــن اللغــات، وبآليـات وقواعـد تســليم الشــهادات، وبالموارد البشرية؛التطبيقات المؤسساتية المتعلقة بكيفية تحقيق التناسق والتماسك والالتقائية بين تدابير السياسات العمومية التربوية وتطبيقات الهندسة اللغوية، وبآليات الحكامة وشروط التفعيل.ولكون الرهان على التمكن من اللغات رهاناً استراتيجياً يندرج ضمن تمكين وتأهيل الرأسمال البشري، واعتبارا أن الهندسة اللغوية موضوعاً أفقياً يتعلق بهيكلة وتنظيم شبكة التعلمات والتكوينات وتفرعاتها وتداخلاتها، فإن المجلس يدعو إلى استحضار مستلزمات “المدرسة الجديدة” عبر إعمال النظرة النسقية التي يقتضيها الإصلاح الشمولي والعميق للمنظومة التربوية، وإلى إرساء نموذج بيداغوجي جديد يمكن من الانتقال من منطق الشحن إلى منطق التعلم والاستقلالية الفكرية حيث تتمفصل الكفايات اللغوية مع سائر الكفايات التي تسهم في التكوين الفكري والثقافي والمواطني، وإطـلاق أشـغال اللجنـة الدائمـة للمناهــج والبـرامــج والتكويــنات قصد وضع الإطار الذي ستخضع له تطبيقات الهندسة اللغوية على المستوى البيداغوجي (مواصفات الملمح اللغوي للمتعلم(ة)، تدقيق الكفايات اللغوية المستهدفة حسب المراحل والأسلاك والمستويات التعليمية؛ تدقيق كيفية إعمال التناوب اللغوي الجواز اللغوي…).
كما يشدد المجلس أيضا على ضرورة استباق الأجرأة بإعداد الموارد البشرية من خلال تحديد الشروط النظامية لولوج مهنة تدريس اللغات أو التدريس بها، والشروط البيداغوجية للتكوين والتدريس والتقييم المهني، لا سيما تحديد معايير ومستويات التحكم في الكفايات اللغوية اللازمة لممارسة التدريس باللغات، فضلا عن تدقيق مواصفات وكفايات مدرسي المواد اللغوية وفق الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات. كما يدعو المجلس إلى مواكبة إرساء التناوب اللغوي بالتعليم المدرسي عن طريق تشخيص مستوى التحكم في لغة التدريس والارتقاء بالأداء المهني للمدرسين، وإعداد هيئة التفتيش التربوية ومؤطري المكونين بشكل منسجم مع الاختيارات المعتمدة للهندسة اللغوية، بالإضافة إلى توجيه البحث في مجال التربية نحو قضايا راهنة ومستقبلية في مجال تدريس اللغات والتدريس بها.كما يدعو المجلس كذلك إلى ضرورة تحديد الآجال القصوى لتنفيذ التدابير الإجرائية للهندسة اللغوية على صعيد كل سلك ومستوى وكل مكون من مكونات المنظومة التربوية، بالإضافة إلى ضبط محتوى النص بخصوص التعاريف والمحددات الموجهة لتطبيقات الهندسة اللغوية المستهدفة، لاسيما البعد المفاهيمي الموظف لإعمال مبدأ التناوب اللغوي باعتباره خيارا ديداكتيكيا، وتدقيق المقاربة المعتمدة في هذا الشأن ومستويات إدراجه؛ إدراج الوثائق المرجعية التـي سـتعتمد لتفعيـل الهندسـة اللغويـة حسب مستوى التنفيذ لاسيما إعداد النص التنظيمي الخاص بتطبيقات الهندسة اللغوية للتعليم العتيق موازاة مع مشروع المرسوم، وفي انسجام مع مضامينه؛ إبراز الإجراءات الكفيلة لضمان العدالة المجالية وتحقيق مبدأ الانصاف وتكافؤ الفرص بين سائر المتعلمين في التمتع بالحق من التمكن اللغوي؛ إرساء البنيات وتحديد أدوار المتدخلين على كافة المستويات مع تفعيل مبدا التفريع لا سيما ما يتعلق بالبنــيات الإدارية للبحـث والابتكار البيداغوجــي لتطوير اللغة العربية والأمازيغية، وتجديد وتطوير الدعائم الديداكتيكية لباقي اللغات المعتمدة جهويا؛ اعتماد التتبع والتقييم لا سيما عن طريق إجـراء تقييمـات مؤسساتــية منتظمـة للمناهــج والبـرامــج والتكويــنات المتعلقة باللغـات، وإجراء تقييم للهندسة اللغوية المعتمدة حاليا فيما يخص الانفتاح على اللغات الأجنبية، ومراجعـة مراحـل إدخـال اللغـات والانتقال اللغـوي أخذا بعين الاعتبار خصوصية المرحلة العمرية بكل مستوى تعليمي.
وفيما يخص مشروع مرسوم بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.04.89، بتحديد اختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، ومشروع قرار يهم دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الإجازة، ويتعلق الأمر أساسا باعتماد شهادة الإجازة والإجازة في علوم التربية، وإحداث نظام للأرصدة القياسية بأسلاك التكوين بالمؤسسات الجامعية، وكذا شهادة التأهيل الجامعي. ويتمثل أهم ما يقترحه مشروع القرار في تحديد عدد الأرصدة القياسية لكل فئة من الوحدات (معرفية، لغات، مهارات قوة)، مع حذف مشروع نهاية الدراسة (PFE) والتداريب المهنية، كما يتيح إمكانية إعادة التوجيه مع الاحتفاظ بالأرصدة القياسية المكتسبة… وبعد دراسـة مشـروعي المرسوم والقرار، موضوع طلب الرأي، يؤكد المجلس على أهمية استكمال مقتضيات مشروع المرسوم لجعله مطابقا لما هو معمول به دوليا، ويقترح مصاحبة هذين المشروعين بمجموعة من التوصيات، أهمها الدعوة إلى توفير مستلزمات وشروط التفعيل الأمثل لنظام الأرصدة القياسية ولشهادة التأهيل الجامعي (لما بعد الدكتوراه)، كما يدعو إلى اعتماد بدائل مناسبة لمشروع نهاية الدراسة. ويوصي المجلس كذلك بمراجعة منظومة التوجيه والإرشاد الجامعي وإعادة التوجيه خاصة بمؤسسات الولوج المفتوح، وكذا اعتماد تغيير جذري ووظيفي في طريقة التكوين في اللغات الوطنية والأجنبية مع إرساء التناوب اللغوي، وتوفير موارد بيداغوجية متجددة ورقمية وتأطير ملائم. إضافة إلى ذلك، يوصي المجلس بضرورة بذل مجهود لوجستيكي وبشري ومالي يضمن لجميع الطلبة كيفما كانت وضعيتهم الاجتماعية إمكانية متابعة دروسهم عن بعد بكل أريحية ودون تمييز، استحضارا للمادة 33 من القانون الإطار 51.17.