دعا شبان هيأة المحامين بالدارالبيضاء إلى تنظيم وقفة أمام المحكمة الإبتدائية المدنية، علانية وبعد تدبر حصين، تروم التضامن مع زميل تعرض مكتبه لإعتداء سافر، بعثرت ملفات المواطنين ومزقت الوثائق وما تبقى نقل “ركاما” إلى جهة غير معلومة.
ودون الدخول في تفاصيل تجزم في كون الإعتداء تمت محاولة شرعنته بإجراءات صادرة تواطئا وتضامنا من قبل السلطة المنتخبة والمحلية؛ وقد استجاب بعض المحامين والمحاميات من هيأة البيضاء لنداء الشباب الواعد، وحضرنا لدعمهم وتأطير حماسهم وغضبنا شراكة، وبكل تدبر سلمي وتدبير حضاري، كما تضامن وتجاوب زملاء وزميلات وافدات ووافدين من هيئات أخرى، خاصة وأنه تزامن توقيت الوقفة الرمزية مع إنعقاد مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، ولم يكن عدد الحضور متوقعا، وفعلا كان حدثا مسبوقا، كما ونوعا، مما خلق هلعا لدى “المتورطين” في هذه القضية الشائكة، فتحرك بعض الإعلام الذي لم يتطرق بتاتا إلى سبب الوقفة ولا إلى “الصدمة ووقعها الإنساني مضمون الشعارات والمطالب.
وعن بعد ،اكتفى بمعاتبة المحامين بعلة أن الدفاع لا يكون سوى بالقانون، وبأن التجمهر على حالته خرق قانون الطوارئ الصحية، وإلى هنا، وبكل نزاهة فكرية، يمكن قبول هذه المؤاخذات إلى حد ما، رغم أن اللجنة المنظمة غير مسؤولة عن حجم الحضور، ولا يمكن أن تتحكم في “إنفعال” المحامين، ناهيك عن كون جميع المحامين فُحصوا أمام مدخل المحكمة، أي قيست درجة حرارتهم، قبل أن يلجوها قصد ارتداء بذلهم، وفي جميع الحالات فكل محام يتحمل مسؤولية عواقب أفعاله واتجاه أي تقصير إن كان له محل.
لكن أن تقتصر بعض العناوين، في شخص “مراسليهم” الذين غطوا التظاهرة عن بعد، على اختزال الحدث في حجم الحشد وعدد الحضور واعتبار هذا “التقصير” تطاول وتحدي للقانون وبدعوى أن مؤسسة المحامين “تعتبر نفسها دولة داخل دولة”، فهذا قد يبدو حقا في ظاهره ولكن في عمقه يراد به باطل، خاصة وأنه يتعمد تشبيه (وقفة) المحامين المشروعة ب (خوارج) طنجة، وذلك بخلفية إعتقال (هم) باعتماد نبرة الترهيب من خلال عبارة تحريضية لا تمت لمغزى الحقيقة الإعلامية بأية صلة.
إنه نفس الأسلوب الذي تسلكه شرطة نظام الحسبة بمشرق الإستبداد، أي وشاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تفكير، أنزه إعلامنا الوطني عن تمثله، أسلوب “مراسلين هواة” يتوافق مع التكفير والتحريض على القتل، فأي فرق بين هذا الأخير وبين التواطؤ من أجل إعدام المحاماة والمحامين؟
من هنا وجب التأكيد على أنه لا تماثل بين البشر وبين الوقائع و الحالات، والمحامون لا يتهربون من المساءلة؛ إن كان لها محل، فهم في حالة دفاع شرعي قصوى، فهم لا يتوسلون سوى رد الإعتبار ومواجهة جناية بمخالفة او جنحة حتى، فالمهنة وقطاع العدالة كانا في حاجة إلى صدمة من هذا القبيل كي يصحو المحامون وعقلهم قبل ضميرهم، وحصل التعبير عن الغضب، وهو حدث له ما بعد من واجب الدعم النضالي العام، إنطلاقا من الحق في صيرورة القضية مجتمعية، لأن المحاماة رسالة تعيش وتنتعش من خلال نضال رجال ونساء الحق والقانون والعدالة، الذين بهم يترسخ ضمان الحق في الحياة الكريمة والعادلة.
فهنيئا لمبادرة المحامين الشبابية، ويسعدني أن أتذكر واستحضر، من خلال حماسهم المنضبط، قولة الشهيد عمر بنجلون المحامي والمناضل الحقوقي “نحن ضد المغامرة، لقد كانت شرا لابد منه في مواجهة عنف النظام”.
وكنقد ذاتي علينا أن نقر بأننا يوم الجمعة 19 يونيه (عشية ذكرى انتفاضة 20 يونيه 1981 ) خضنا، بكل مخاطرة، معركة رد الإعتبار للبذلة ولمن يرتديها بفضل مبادرة شبابية، عمرا وروحا، لم تكن بالحجم المطلوب بسبب حالة الطوارئ ولكن وقعها سيظل بحجم “الموت ولا المذلة”، نفسا حقوقيا ينشد الكرامة ويقاوم الإنهيار.
مصطفى المنوزي