مع اقتراب ساعة الصفر بشأن الدخول المدرسي المرتقب، والذي يأتي هذه السنة في ظرفية حساسة بسبب جائحة كورونا التي أعلنت منذ مطلع السنة الجارية ميلاد عهد جديد، تكاثرت وتناسلت العديد من الأخبار والتوقعات الخاصة بالسيناريوهات المحتملة لتدشين دخول مدرسي استثنائي بكل المقاييس. نقاش غاب عنه موقف بعض المؤسسات الرسمية، التي يهم رأيها في الموضوع كثيرا، وفي نفس الآن ترك المجال في ظله للعامة للحديث وفق الهوى ووفق المصلحة الخاصة للشخص المتحدث، بعيدا عن استحضار التحليل النسقي الذي يأخذ كل المتغيرات بعين الاعتبار ( الصحية والاقتصادية والتربوية والتتشيئية…).
في هذا الإطار، انخرط البعض معلقا بالاستهزاء على القرارات الأخيرة المعلنة من قبل الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين والتعليم دون أن يقدم مقترحات أو بدائل. بينما، وقف البعض الآخر حائرا في انتظار معرفة وجهة الأغلبية بين اختيار التعليم الحضوري أو عن بعد. وبين هذا وذاك، لحظنا انخراطا غير موفق لبعض الأفراد المحسوبين على القطاع، الذين يفترض فيهم التعامل مع القرارات الرسمية بمنطق الحكمة التي لا تقتضي الكثير من الشرح والدخول في التفاصيل….على اعتبار أنهم يعرفونها أو يفترض فيهم ذلك.
الفاعل التربوي أيا كان موقعه، يبقى موظفا لدى الدولة. لديه حقوق وعليه واجبات. فالمسؤول الأول عن القطاع حينما يعلن أمام العموم بأن الوزارة لديها خطة محكمة للتعامل مع كل السيناريوهات التي ستطرح، فالأمر كذلك حتى يثبت الواقع العكس. حينما يتحدث فاعل تربوي أيا كان موقعه بمنطق التشكيك أو التكذيب، فإنه بقصد أو بدونه يمرر رسائل الشك التي تؤسس لفقدان الثقة بين المدرسة وشركائها من جهة، وبينها وبين محيطها السوسيواقتصادي من جهة أخرى.
نعم، وحتى لا يقال بأننا نطبل أو نرمي الورود أو نزين….وكلها أفعال لا أعرف لها شخصيا سبيلا (فقط للأمانة)، لا يمكن أن ننكر أن مدرستنا تعيش أزمة إذا نظرنا إلى واقعها نظرة ماكروتحليليلية. لكن، في المقابل نتساءل هل هناك مدرسة في العالم بأسره لا تعيش أزمات؟ وهل أزمتنا هي قدرنا أم أنها نتيجة طبيعية لسياق مجتمعي متخبط في الكثير من المناحي؟ أو بمعنى آخر، ألسنا نحن من نصنع واقعنا؟…أسئلة كثيرة، لا فائدة من الإجابة عنها الآن…لأن اللحظة لحظة تدبير الواقع بما له وما عليه.
الحديث عن المدرسة وواقعها يجرني إلى ضرورة دعوة كل الفاعلين إلى إلقاء نظرة عميقة في وثيقة القانون الإطار 51-17 التي تقدم الملامح الكبرى لمدرسة اليوم ومدرسة الغذ. ملامح تستفاد منها أمور كثيرة، لعل أبرزها:
– الحديث بمنطق ثنائية الاختيار بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، هو حديث يحتاج لمزيد من التوضيح لفهم التصور في شموليته. ذات القانون يؤكد على كون التعليم عن بعد مكملا للتعليم الحضوري، وبالتالي فمستقبل مدرستنا يتوقف على فهم البراديغمين معا والبدء في تنزيلهما معا وتطويرهما معا….مع التشديد على كلمة معا…؛
– الملاحظة الأولى تجرنا هي الأخرى إلى ملاحظة متصلة بها، وهي أن إنجاح كلا النموذجين معا يقتضي تظافر جهود مكونات المجتمع المدرسي الموسع (الإدارة بكل مكوناتها، الأطقم التربوية، الأسر، جمعيات المجتمع المدني، هيئة التأطير والمراقبة، أطر التوجيه المدرسي، المجالس المنتخبة، السلطات المحلية، النقابات…..). في ذات السياق، وحب التذكير بأن إنجاح المحطة التي على الأبواب مسؤولية هؤلاء جميعا، وليس فقط مسؤولية المدير أو الأستاذ الذي يريده بعض العامة فقط ليحضر للمؤسسة لأنه(شبع) من العطلة كما يظنون خطأ…المدرسة هي نواة أساسية لمجتمع سليم وقوي، هي أم ثانية لقاضي الغذ ولشرطي الغذ ولطبيب الغذ ولمهندس الغذ ولسائق الغذ ولأم الغذ ولأب الغذ….فإن صلحت الأم ستصلح الذرية، وإن ترك الجميع الأم تواجه مصيرها لوحدها…فلن نلوم إلا أنفسنا يوم غذ…
تبقى هذه مجرد تأملات فاعل تربوي ومواطن يعرف قيمة المدرسة وقيمة الأم، ويجدد من خلال هذه المعرفة الدعوة للجميع للتعبئة والتحسيس والتوعية لإنجاح محطة الدخول المدرسي في ظروف تراعي سلامة عقول وأجسام أبنائنا وبناتنا من جهة، وسلامة كل الأطر الإدارية والتربوية التي تعمل أحيانا في صمت وهي على الجمر من جهة أخرى…فألف تحية لكل من يضع نفسه رهن إشارة الوطن وأبنائه من أجل غذ أفضل…
إبراهيم عفيف
فاعل تربوي