وصف الدكتور محمد المدلاوي، استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل بـ”الديبلوماسية التي تسير قدُما، في تفاعل واعٍ مع معطيات الواقع الدولي المتحرّك، في علاقة تلك المعطيات مع عقيدة الدولة ومع مصالح الأمة، كما تمّ تحديد كل ذلك في الدستور”.
ولاحظ المدلاوي أن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل “أعطى دفعا لديناميكية فكرية كانت قد سرت من قبل في الفكر الجمعي للمجتمع المغربي”. “فقد أخذت تـتـقـوّى اليوم سردية جديدى متعددة الأبعاد هذه المرة، من حيث إنها تطرح أسئلة جديدة محلّ حزمة الأجوبة القديمة القائمة سلفا كأجوبة صالحة لكل المستجدّات”.يقول المتحدث.
وأكد الباحث الأكاديمي أن كل مأسَـسة وترسيم للتبادلات لا “يمكن إلّا أن يريحني شخصيا في قطاع نشاطي الذي هو البحث الأكاديمي”. مضيفا “فـلي كثير من الزملاء الباحثين الأكاديميين في حقول اللسانيات والتحقيق الفيلولوجي والثقافة المغربية-اليهودية، أتبادل معهم منذ عدة عقود في الندوات الدولية هنا في المغرب وخارج المغرب عبر العالم والذين يحصل أن يزوّدوني خلال تلك الملتقيات ببعض أعمالهم مما لا إمكانية للحصول عليه في المغرب، وأحيانا حتّى خارج المغرب مما عدا إسرائيل”.
وأضاف :”في ما مضى، وإلى حد الساعة، كان/يكون على الفرد أن يتعاطى لبهلوانيات جدّ معقدة، بأن يشد الرحال مثلا إلى بلد ثالث من أجل أن يحصل عن طريق البريد على وثيقة (كتاب، دورية، مقال مصوّر) لا توجد سوى في إسرائيل. وأعتقد أن هذه الوضعية تصدق على كثير من قطاعات الأنشطة الأخرى، التي لا يمكن لأي مأسسة للتبادل إلّا أن تريحها فيما يتمّ القيام به على أرض الواقع بطرق ملتوية مكلفة، مما لا يتعارض مع أيّ قانون من القوانين القائمة”.
وزاد الباحث :”لا أحد باستطاعته أن يزعم أنه لا يرى في ما حصل سوى جانب الأعمال والتبادلات الثقافية”. موضحا في سياق كلامه :”لقد كتبت شخصيا ونشرت كثيرا من الأعمال والمقالات حول الثقافة والتراث المغربي-اليهودي؛ وهي ثقافة بلغت في عيني من الغنى والتنوّع ما جعلني أتحدث خلال تلك الأعمال عن “الأدب المغربي-اليهودي”، وهو مفهوم أجدر في عيني بالمصطلح أكثر مما تعودنا على تصنيفه بـ”الأدب المغربي الناطق بالفرنسية” مثلا. ومن أواخر تجليّات هذا الأدب ممّا يندرج تمام الاندراج تحت المفهوم، رواية “المغربي الأخير” للكاتب الإسرائيلي الصفريوي المولد والطفولة، جبرائيل بن سمحون، التي كتبت تقديما لترجمتها من العبرية إلى العربية على يد الأستاذ العياشي العدراوي”.
واستطرد الدكتور المدلاوي :”أنا على أتم الوعي بأن رهانات النزاع الإسرائيلي الفلسطيني جليّة في خلفية المسألة وتشكّل قلب الشق السياسي والدبلوماسي للتطورات الأخيرة للعلاقات المغربية الإسرائيلية، خصوصا إذا ما تمّ استحضار الصفة الدستورية لجلالة ملك المغرب كــ”أميـــــــر المؤمنين”، ومسؤوليته على مستوى العلاقات الدولية كــ”رئيس لجنة القدس”، وكذلك تاريخ موقف المغرب في إطار عقيدة الدولة الخاصة به من هذا النزاع”.
ومهما كان كانت طبيعة ودرجة الخلاف على هذا المستوى، يقول المتحدث :” تظل إقامة حوار واضح رسمي شرطا قيام لحظوظ التوصل إلى أرضية تفاوض من أجل التفاهم”. وفي هذا السبيل، تتوفر العلاقات المغربية-الإسرائيلية على ورقة رابحة كبرى ” يتعلق الأمر ـ حسب الباحث محمد المدلاوي ـ بجسر العنصر البشري الذي تشكله الجماعات اليهودية المغربية-الإسرائيلية، إنها جماعات جدّ ديناميكية، سواء في باب الأعمال أم في باب السياسة، وكذلك على المستوى الفكري والأكاديمي، زيادة على كون تلك الجماعات قد ظلت بشكل موصول وعبر الأجيال مرتبطة متشبثة ثقافيا وعلى أرض الواقع ببلد أسلافها، المغرب، “بلد الحليب والعسل” كما تورد ذلك أساطيرها، و”بلد الصالحين ومقامات العبادة والمزارات” كما هو قائم بالفعل على الأرض”. يورد المتحدث.