المغرب و “فلسطينه”

أكثر من 40 عام ونحن متعاطفون مع القضية الفلسطينية، ننظم لها منتديات ونتلو عليها أشعارا ونقف محتجين أمام البرلمان في ذكريات انتفاضات الفلسطينيين من أجل تحررهم.. بل هناك من التيارات الفكرية، خصوصا الإسلامية المعتدلة او السلفية المتعصبة من تخصص في أمر واحد وأوحد هو فلسطين. لدرجة يتم صلب وتكفير من يتنكر لقضيتها. عاشت معنا فلسطين في كل لحظة نريد فيها تمثل العروبة والاسلام كمكون لهويتنا.

فلسطين ليست فقط مسجد الأقصى، ولا غصن الزيتون (رموز وجداننا الفلسطيني)، فلسطين ايضا دولة-سلطة وساسة يشتغلون في السياسة وبورصتها.. فلسطين الدولة غذرت مغربها مرتين تحت ضغط واقعية تموقعها : غذرتنا سنة 1987 عندما التقى ياسر عرفات بعبد العزيز المراكشي، الزعيم السابق للبوليساريو في نيروبي، وتعانقا كدلالة قوية لنصرة فلسطين لقيتهم، فأحس ملك المغرب، المغفور له الحسن الثاني، بغصة في قلبه ونبهنا، في خطاب تاريخي غير مسبوق، ان قضية فلسطين لم تعد قضية المغاربة.. جرت طبعا مياه تحت جسر السياسة لكن جرح الغذر لم ينذمل. خذلتنا السلطة الفلسطينية (ليس المسجد ولا غصن الزيتون) ثانيا وحديثا عندما اتخذت حيادا سلبيا حيال أحداث الكركرات واعتبرت صراع المغرب لتحرير أرضه أمرا لا يهمها لأنها قيدته كقضية داخلية تهم المغرب فقط…

لقد رسخ المرحوم ياسر عرفات في عقول القيادات الفلسطينية وشعراءها عقيدة صلبة هي التي دفعته لارتكاب تلك “الرذيلة الدبلوماسية” مع المغرب. عقيدة فحواها ان المغرب فعلا هي دولة احتلال وان مصير “الشعب الصحراوي” هو مشترك مع مصير الشعب الفلسطيني.. وقبض أجرا كبيرا على هذه العقيدة من ليبيا والجزائر وجنوب أفريقيا وغانا وكل الدول التي كانت ترى في المغرب منافسا قويا على المستوى الجيو-سياسي. وبالتالي فمفهوم جدا ذلك الصمت المطبق الطويل للسلطة الفلسطينية حيال قضية الوحدة الترابية للمغرب.

مصطلح “دولة احتلال” الذي يتخذه “الفلسطيناويون” كذريعة أصلية لمعاداة التطبيع مع إسرائيل يحتاج حقا لتمحيص بالنظر لغموضه وعموميته. تاريخيا، هناك كثير من دول الاحتلال وهي التي نتعامل جميعنا معها يوميا بمن فيها السلطة الفلسطينية: ألمانيا محتلة سابقة لفرنسا واليوم هما اختان حليفتان في كل شيء .. روسيا محتلة لدول عديدة بوسط آسيا.. الصين محتلة… بريطانيا محتلة…. أسبانيا محتلة.. البرتغال محتلة.. العراق محتل.. مصر محتلة.. إيطاليا محتلة
الاحتلال ظاهرة جيوسياسية وتاريخية واقتصادية، لا يمكن تبريرها طبعا لكن النظر إليها كذلك لا يكون بالعاطفة وأحكام القيمة لأنها دينامية من ديناميات الاستغلال الاقتصادي لتقوية التموقع وبالتالي الحد منها يكون بقلب موازين القوى عبر تحالفات جديدة وفرص اقتصادية جديدة..

إسرائيل دولة احتلال مثلها مثل عشرات الدول القوية اقتصاديا والثواقة للتوسع الإقليمي. طبعا لا نبرر ما تقترفه من بشاعة استيطانية في حق شعب أعزل، لكن بالمقابل لا يمكن أن يستقر موقفنا من ذلك فقط على مستوى شيطنتها (لأنها عبثت ببيت المقدس وغصن الزيتون) بل نطرح تساؤلات حول التكتيك الاستراتيجي الذي وظبته السلطة الفلسطينية لحل هذا المشكل الداخلي اولا الذي لا يهم غيرها ولا يبقى للدول المتعاطفة معها سوى تحريك الآليات الدبلوماسية والاقتصادية بدون المراهنة فقط على الدين والوجدان.

التكتيك الفلسطيني تشوبه خروقات تظل تستغلها إسرائيل. القيادات الفلسطينية بمختلف مشاربها والوانها السياسية ومموليهم الاقليميين راكموا ثروات طائلة واستثمروا بقضية فلسطين كأصل تجاري جد مربح وتحولت فلسطين لموضوع بائع vendant.. من عريقات لدحلان مرورا بهنية ومحمود عباس.. وزوجة عرفات الست سهى التي كشفت مستور ثروات زوجها صاحب المسدس… كل القيادات تستثمر مع الاسرائليين وتدبر مشاريع مشتركة وتعالج الرموز والقيادات بمستشفيات إسرائيل ويشيدون مستوطنات ومباني عبر شركات عقارية مشتركة. حتى الحائط العازل للضفة الغربية هو تشييد فلسطيني اسرائيلي…

والطلبة الفلسطينيون هم اكثر الطلاب العرب حظا وحظوة. لهم منح بأوروبا وامريكا ويحصلون على الكارت الأخضر الأمريكي والجنسية الأمريكية في وقت قياسي.. والصحفيون الفلسطينيون لهم دوما كوطا خاصة بأكبر المحطات الاعلامية.. و أساتذة واطباء ومحامي فلسطين لهم دوما الاسبقية في عقود العمل والادماج… حتى أن الحسن الثاني رحمه الله لم يكن يتردد في منح الكفاءات الفلسطينية مهن ووظائف حساسة بسلك القضاء والسلك الدبلوماسي.

ما منحته دول الخليج لحركة فتح، وما منحته إيران وروسيا وتركيا وقطر لحركة حماس، وما منحته أوروبا وامريكا للسلطة الفلسطينية، يفوق ما حصلت عليه مجتمعة دول إثيوبيا وايريتريا واليمن والصومال ومالي وتشاد والنيجر من مساعدات ومنح دولية… المشكل هو أن المال الموجه لفلسطين يذهب لأرصدة الزعامات وذويهم ومريديهم…ولا يبقى للشعب الفلسطيني والمتعاطفين معه سوى المسجد وغصن الزيتون.

في الاخير… “للمغرب فلسطينه”… لأن المغرب يكابد في صمت منذ استقلاله: فهو دولة مضغوطة باحتلال اسباني مستغل قديم لا يريد أن يحيى علاقات ولا ان يقتلها (اول دولة عارضت قرار ترامب هي أسبانيا) ، و رازحة تحت ضغط استغلال اقتصادي فرنسي، ومضغوطة بجوار جزائري لئيم.. دولة لم تستكمل بعد وحدتها الترابية ويكلفها ذلك ملايير الدولارات ولا تخرج للرأي العام الدولي تستجدي عواطف الناس كما فعلت فلسطين طيلة عقود خلت.. ولم تكلف فلسطين قليل حبر لتؤازر المغرب في قضية استقلاله..

تحولت قضية فلسطين لطابو.. فمن يعلن تعاطفه هو أكثر درجات العروبة والمواطنة مقارنة بذلك الذي يعلن حياده.

لنا “فلسطيننا” المحتلة، وسنسعى بكل الآليات الدبلوماسية المستجدة وبكل التموقعات المستجدة، والتطبيعات والتحالفات الاستراتيجية المستجدة على استرجاعها.
سيبقى وجدان “المسجد وغصن الزيتون” مشتعلا لكن، لتسمح لنا السلطة الفلسطينية. الاجندات والأولويات تغيرت في عالم انقلب رأسا على عقب بحيث لا “يحك جلدك غير ظفرك”

يونس وانعيمي

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *