الانسجام في العقل الجمعي لقوى الثورة والتغيير في شمالي إفريقيا، يستدعي البحث في أساس البنيان المجتمعي، والتركيبة السكانية، والثقافة المجتمعية المغمورة والمؤثرة في تحديد مسار الثورة من اجل أعادة هيكلة الدولة بما ينسجم مع أصالتها وحضارتها العريقة.
ليس مستغربا بان يتجاهل العرب حقوق الشعوب والأمم التي غزتها وفرضت عليهم العقيدة الإسلامية وبنت كيانات كبيرة بالاعتماد على مبدعيها ومثقفيها وأبطالها في تكريس العقيدة الإسلامية التي أصبحت ميراثا أساسيا للحركة القومية العربية وبناء الدول القومية العربية بأشكالها المتعددة الجمهورية – والجماهيرية والملكية وتسلط الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية على مؤسسات الدولة.
الأمازيغ:
الأمازيغ اسم يطلق على من يتكلّم “الأمازيغية” وتعني باللغة الامازيغية :
(الإنسان الحر النبيل) واللافت في الأمر إن “أمازيغ” كلمة أمازيغية تجمع على “إيمازيغن” ومؤنثها “تمازيغت” وتجمع “تِمازيغين”، هذا يؤكد الدور الأساسي للمرأة الأمازيغية في بنية المجتمع وبناء حضارتها والحفاظ على تراثها وهويتها.
الأمازيغ هم السكّان الأصليين في الشّمال الإفريقي الذين ينتشرون في مساحة تمتدّ من برقة و واحة سيوة على مشارف مصر شرقا، حتّى المحيط الأطلسي غربا، و على امتداد الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي حتّى مالي والنيجر جنوبا.
وقد أطلق الرومان عليهم تسمية (البربر) وتعني باللغة الرومانية الأمم الأدنى حضارة من الرومان أو المتوحشون، ولم يطلق على الامازيغ هذه التسمية عبثاً من قبل الرومان ، بل هو انعكاسا للمقاومة الامازيغية الأسطورية في وجه الغزاة الرومان، أما ذات التسمية عند العرب سابقا وحاضراً فهي تعني ( البداوى المتوحشون) وتم تكريس هذه التسمية في العهد الأموي الذي اتسم بالعنف والقسوة والسبي والمجابهة الأمازيغية العنيدة لها وتمثل في قتل الخليفة يزيد بن أبي مسلم عام 720 وإعلان العصيان على الحاكم الظالم مستلهمين فهمهم للإسلام من أفكار الخوارج في المساواة والعدالة وشرعية الوقوف في وجه الحاكم الظالم. بعد سقوط الدولة الأموية في الشّام سيطرت الخوارج العباسيين وحكموا أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا بحدود عام 768 وأقاموا إماراتهم فيها، ومنهم ( الأغالبة) وكانت قبائل بربرية الأصل سيطرت على المنطقة وأعلنت استقلالها عن الخلافة الأموية في الأندلس. وكانت دولة (المرابطين) أولى تلك الدول التي امتدّ نفوذها في الساحل الإفريقي ثمّ تبعتها دولة (الموحّدين) التي امتدّ نفوذها في جميع أنحاء شمال إفريقيا، من المغرب حتّى تونس. وقد استمرّ حكمها حتّى أواخر القرن الثالث عشر الميلادي.
الحضارة الأمازيغية :
الامازيغ لعبوا دورا مهما في الحضارة المصرية الفرعونية فقد سيطروا عليها وحكموها عام 950 قبل الميلاد من خلال الأسرة الثانية والعشرين والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين والتي دامت أكثر من مائتي عام وأعتبر ذاك التاريخ بداية التقويم للسنة الأمازيغية وقد ورث العالم أوابد تاريخية صنفت معجزات بشرية.
دولة نوميديا الأمازيغية
من الدّول التي لعبت دورا هامّا في تاريخ شمال إفريقيا هي دولة نوميديا “البربريّة” التي تأسّست بعد سقوط قرطاجة عام 146ق. م. وكانت عاصمتها قرطبة التي تعرف اليوم بقسنطينة التي تقع في الشمال الشرقي من الجزائر، وامتدّ نفوذها إلى شرشال عاصمة موريتانيا جنوبا و طنجة في المغرب شمالا، وكان من أشهر ملوكها ماسينيسا ويوغرطة.
ديهيا هي بنت تابنة (585 م – 712 م)، قائدة عسكرية وملكة أمازيغية خلفت الملك أكسيل في حكم الأمازيغ وحكمت شمال أفريقيا وكانت تشمل مملكتها الشاسعة الجزائر وتونس وليبيا وكانت عاصمة مملكتها هي مدينة خنشلة في الأوراس شرق الجزائر، قادت ديهيا عدّة حملات ومعارك ضد الرومان والأعراب والبيزنطيين في سبيل استعادة الأراضي الأمازيغية ونجحت في قيادة شعبها بفطنتها وذكائها وقدرتها العسكرية واستحوذت على حب شعبها .
وقد برز أسماء كثيرة في التاريخ الإسلامي من أصول أمازيغية وأنسب العرب أصولهم إليهم منهم طارق بن زياد، ويوسف بن تاشفين خامس حكام دولة المرابطين وسميَّ بـ”الخليفة الراشد السابع″، وعالم الطيران عباس بن ورداس التاكراني والذي عرف باسم عباس بن فرناس ، وابن خلدون “مؤسس علم الاجتماع″، والرحالة ابن بطوطة، والمجاهد المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي، والمفكر الجزائري مالك بن نبي، وابن رشد ، وابن البيطار ، ابو القاسم الزياني وآخرون.
اللغة الأمازيغية:
تعتبر اللّغة الأمازيغية جزءاً من اللّغات الآفرو آسيوية، وتكتب بالأبجدية التيفيناغ وهناك جدل حول أصولها ويعتقد البعض بان أصولها يعود إلى السومرية والبعض يعتقد بان أصولها يعود الكوشية وهي تسبق بذلك اللغات السامية وتعتمد هذه الفرضية على نتائج فحص الجينات الأمازيغية واختلافها عن الجينات العربية، وعزّز فرضيات ابن خلدون والعلماء الأوروبيين الذين جزم بعضهم بكون الأمازيغ ينحدرون من بحر إيجا .
المرأة الامازيغية،
تتميّز المرأة الأمازيغية بالصّلابة والقوّة حيث ساهمت الطبيعية الجبلية في تشكيل شخصيتها وطباعها، وتعتبر الملكة الكاهنة (ديهيا) التي حكمت دولتها عشر سنوات وجابهت اعتى الجيوش العربية والرومانية والبيزنطية واشتهرت بفطنتها وخططها العسكرية حتى سموها أعدائها بالشيطانة ولازال الشعب الامازيغي يكن لها كل الاحترام و تحتفظ الذاكرة الامازيغية باسم لالاّ فاطمة نسومر التي قاتلت الجنرالين ماكمهون و راندون وكانت رمزاً للثورة ومقاومة المحتلّ.
أنّ ثقافة الأمازيغ هي ثقافة قائمة بحدّ ذاتها،
فقد نقلت المرأة الامازيغية أحرف لغتهن بالوشم على وجوههن وأبدعن رقصات تتناغم مع الموسيقى والاغاني القبلية التي تحكي قصص واساطير كفاحهم وتاريخهم المليء بالبطولات
وقد أبدعت المرأة في صناعة الحلي وخاصة الفضة المطعمة بالمرجان التي لها خصوصية في معتقدات الامازيغ حيث تجلب الخير والنماء وكان للصناعات اليدوية مثل السجاد والفخار دور مهم لنقل الفلكلور والتراث الحضاري لهم .
الحركة الأمازيغية:
لم يرحل الاستعمار الغربي من شمالي أفريقيا إلا بعد تضحيات كبيرة قدمها الشعب الأمازيغي لكن لم تقطف ثمار تضحياتها بل أزداد مأساة هذا الشعب العظيم بعد أن تولى الحكم أزلام الاستعمار وفرضت سلطتها على مقدرات الشعب والدولة وبنت كيانا باسم الدولة فوق هرم الدولة الأساسية التي تشكل أركانها الشعب والأرض الأمازيغي.
عرفت تلك الدول بالدولة التسلطية التي تحتكر مصادر القوة والسلطة و تقيم شرعية نظام الحكم على القهر عبر الأجهزة الأمنية المتعددة والتركيبة العسكرية الخاصة وبناء منظمات مجتمعية مشوه رافدة لإدامة نظام الحكم ، تلك التركيبة التسلطية قامت بحملات تعريب بمنهجية قومية عروبوية بذريعة إنهاء هيمنة اللغة والثقافة الاستعمارية، حقيقة تلك الحملات لم تطال اللغة الاستعمارية ففي المغرب والجزائر وتونس بقيت اللغة الفرنسية ملازمة للغة العربية في مؤسسات الدولة والمدارس وهي ثاني لغة في البلاد ، إنما استهدفت الخصوصية التاريخية الأمازيغية في شمالي إفريقيا لإمحاء حضارة هذا الشعب، لكن الحراك الشعبي الامازيغي وبالرغم من الإمكانات المحدود والعزلة والحصار التي تعيشها فقد هزت عروش تلك السلطات وذلك إيمانا منها بعدالة قضيتها وحتمية انتصارها.
فقد أتبعت عدة خطوات مهمة لتفكيك الدولة التسلطية وهي :
1 – بناء منظمات مدنية مترابطة للحفاظ على التراث والحضارة الامازيغية ودعم النخبة الثقافية لتعزيز تواجدها في مؤسسات الدولة.
2 – دعم التوجهات الديمقراطية في الحركة السياسية في شمالي إفريقيا.
3 – الحضور القوي للمثقفين الامازيغيين في الحركة العالمية الهادفة إلى إحداث تحولات في بنية النظام العالمي الجديد.
تلك الخطوات السلسة مع قوة الاحتجاجات الشعبية وخاصة في 20 فبراير عام 2011 في المغرب تمكن الامازيغ انتزاع دستوري باللغة الامازيغية وكان قد سبق وأعلن العاهل المغربي محمد السادس سنة 2001 عن إنشاء “معهد ملكي للثقافة الامازيغية” الذي يعتبر مؤسسة أكاديمية للبحث في شؤون اللغة الامازيغية والاهتمام بثقافتها.
وكذلك في الجزائر كانت لقوة الاحتجاجات الشعبية الامازيغية الأثر البالغ في رضوخ السلطة القومية العروبية الاقصائية وإجبارها على الاعتراف الدستوري باللغة الامازيغية عام 2016 واعتبار الثاني عشر من يناير عيدا رسميا في البلاد.
الخلل الذي أصاب تركيبة تسلطية الدولة العروبية والتي اعتبرت نفسها الوريث الشرعي والوحيد للإمبراطورية الإسلامية في الشمال الإفريقي لم تستطيع تشويه التاريخ الامازيغي وفق منهجية اسلاموية عروبية هجينة ، ونظرا لطبيعة تلك الأنظمة الفوقية الانعزالية فان الصراع السياسي الداخلي والإقليمي تعتمد وبشكل رئيسي على القوى المجتمعية التي يغلب عليها الطابع الامازيغي فان الحركة الامازيغية سوف تحدد مسار الثورات المغاربية بشكل عام وتفرض عليها الطابع السلمي الديمقراطي الحر لبناء الدولة المدنية التعددية التي تضمن حقوق كافة المكونات دستوريا.