المنتخب المحلي: رافعة للتنمية أم شرعنة للتهميش ؟

ابراهيم الغدويني

لقد شكلت الطريقة الأنسب لتسيير المجتمعات هاجسا أجهد الإنسان و دفعه إلى إعمال كل قواه العقلية من أجل إبداع قواعد و ضوابط و أنظمة تمكنه من تدبير شؤون الأفراد و تأطير العلاقات بينهم بطريقة تكفل مصالح الجميع ، و تشكل الديمقراطية إحدى أهم الإبداعات البشرية في مجال تدبير الشأن العام بحيث تضمن هامشا مهما من العدالة و الإنصاف و المساواة ، هذا النظام الذي يقتضي ، كما هو واضح في أبسط تعريفاته ، حكم الشعب لنفسه بنفسه من خلال ممثلين له يختارهم بكل حرية . إلا أن هذا الاختيار ليس كافيا لوحده لضمان الحقوق الفردية و الجماعية لأبناء الشعب ، بل إن كل الحكاية تبدأ بعد ذلك من خلال مدى قدرة هؤلاء الذين يمثلون الشعب على إيصال هموم الناس إلى حيث يجب أن تصل و الحرص على تلبية انتظاراتهم و حلحلة مشاكلهم ، مما يستوجب التحلي بالكثير من القدرات و الكفايات و المؤهلات المعرفية و الأخلاقية اللازمة لأداء هذه المهمة الجسيمة كما ينبغي .

فوعي الشعوب ازداد  كما ازداد تعاطيها للشؤون العامة على المستوى الإداري والتنفيذي بطريقة لا تقف على مجرد المشاركة في اختيار الحكام، بل تحتكم إلى المساهمة بصورة أو بأخرى في ممارسة الديمقراطية، ومن الممكن تعاملها مع هذه الظاهرة الجديدة من خلال تحمل المسؤولية الكاملة في إدارة كل ما يتصل بحياتها اليومية من مشروعات. مما دفع بالدولة المعاصرة (أي الدولة الليبرالية الجديدة) سواء منها المتقدمة أو النامية إلى أن تتجاوز حدود الدولة الحارسة المقيدة بالمرافق العامة التقليدية المسماة بالوظائف الأصلية السيادية العمومية التي تديرها الدولة وتظهر فيها صاحبة السلطة والأمر والنهي، وتتجاوز أيضا حدود الدولة المتدخلة، والعمل على تقنين هذا التدخل الذي يختلف من دولة إلى أخرى لإدارة المشروعات العامة الاقتصادية والاجتماعية ، بقصد تحقيق التنمية الفعالة من جهة ومن جهة ثانية تحقيق قدر من التضامن الاجتماعي على أساس من العدالة والمساواة.

من أجل ذلك، فقد عمدت الدولة في البداية إلى التخفيف من حدة أسلوبها المركزي، باتباع أسلوب عدم التركيز الإداري، متنازلة عن بعض اختصاصاتها إلى هيئات أنشأتها تلبية لمصالح محلية أو لاعتبارات فنية، وتحت تأثيرات الاتجاهات الديمقراطية تنازلت عن بعض تلك الاختصاصات لهيئات منتخبة من الوحدات الإدارية الترابية في الدولة لتباشر إدارة أمورها ومشاكلها بنفسها متبعة بذلك النظام المحلي، والخضوع للسلطة الإدارية الوصية في إطار نوع من اللامركزية سواء في مدلولها السياسي الهادف إلى توجيه السياسة التنموية وفق مقتضيات الصالح العام وإعطاء الهيآت المحلية حق اتخاذ القرارات بشكل انفرادي، أو في مدلولها الإداري المتمثل في تقريب الإدارة من المواطنين وإسناد حل المشاكل المحلية إلى سلطات منبثقة عن جماعات معينة لمساندة السلطات المركزية بالوسائل التقنية والفنية.

إن ممارسة الجماعات المحلية لاختصاصاتها يفرض، بالإضافة إلى توفر الموارد المالية، وجود الموارد البشرية، حيث إن تدبير الشأن العام المحلي يتأثر بعقلية مسيريه ذات الطابع القبلي أحيانا و الحسابات السياسوية الضيقة التي من شانها أن تعرقل الفعل التنموي  وبالأسلوب الذي ينهجونه في ذلك. ومن هذا المنظور، فإن تحقيق الأهداف المسطرة لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يستدعي باستمرار بعض المؤهلات، لأن للمنتخبين المحليين صلاحيات هامة ومتعددة ترتبط بكل مجالات التسيير المحلية، دون إغفال دور الموظف العمومي المحلي، باعتباره المنفذ لقرارات المجالس المحلية، مما يفرض طرح السؤال التالي: هل الوسائل البشرية مؤهلة لتفعيل اختصاصات الجماعات المحلية، وقادرة على مواكبة متغيرات تدبير الشأن العام المحلي.و عن أي منتخبين نتحدث ؟

لقد أصبح مفهوم الجماعة المحلية يحدد انطلاقا من البعد الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب تكريس ثقافة التدبير التي تؤسس على أسلوب «التدبير المقاولاتي» بهدف إعطاء فعالية أكبر للعمل المحلي، غير أن هذا النوع من التدبير يتطلب توفر المسيرين على مؤهلات وإمكانيات معينة لتساعدهم على ضمان التسيير الجيد للشأن المحلي لتحقيق المردودية المطلوبة، لكن الممارسة المحلية أثبتت أن مهام التسيير المحلي تعترضها مجموعة من الصعوبات

ويظل أبرز هذه الصعوبات ضعف المستوى التعليمي والثقافي للمنتخبين المحليين، إضافة إلى غياب التكوين، فعلى الرغم من أهمية التعديلات الجديدة والإصلاحات الواردة في القوانين المتعلقة بتنظيم الجماعات المحلية والتي أقرت النظام الأساسي للمنتخب المحلي، بما يتضمنه من معطيات جديدة تهدف إلى تحسين وضعيته وتدعيم مكانته للدفع به قدما نحو تدبير أفضل للشأن المحلي، فإن اشتراط التوفر على مستوى نهاية الدروس الابتدائية للترشيح لمهمة رئيس المجلس، وأن يكون كاتب المجلس ومقرر الميزانية من بين الأعضاء يحسنان القراءة والكتابة، يبقى دون مستوى التطلعات.

من خلال هذه التعديلات، يطرح السؤال: ما مدى مساهمة منتخبين بهذا المستوى التعليمي والثقافي الهزيل في تحقيق تدبير جيد للشأن المحلي؟ خاصة أمام الدور الجديد الذي أصبحت الجماعات المحلية مطالبة به، حيث يفترض في المستشارين توفرهم على مستوى يؤهلهم للتأقلم مع شروط الإدارة المحلية والاستيعاب المحكم للاختصاصات المسندة إليهم.

لكن على الرغم من اشتراط توفر مستوى تعليمي أعلى في المنتخبين الجماعيين، فإن ذلك يظل تطورا دون المستوى المطلوب، وهذه الوضعية تساهم في تهميش المؤسسة التمثيلية وتدخل السلطة المحلية في تدبير الشؤون المحلية، بحجة تجاوز العجز وعدم كفاءة المنتخبين المحليين.

فنظرا إلى تنامي الاختصاصات الموكولة إلى مختلف الوحدات المحلية، يتحتم على المنتخبين إدراك أهمية المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وارتباط مباشرة اختصاصاتهم بعدد من الإجراءات والمساطر التي تتدخل فيها عناصر أخرى تلزمهم بالمعرفة الدقيقة بالدور المنوط بهم وبحقوقهم وواجباتهم، وكذا بالقوانين التي تؤطر العمل المحلي.

كما أن التعقد الذي أصبح يطبع العمل المحلي والإكراهات التي تواجهها الجماعات المحلية في سعيها إلى تحقيق شروط التنمية، أضف إلى ذلك الصعوبات الأخرى التي تعرفها الجماعات المحلية، كالوصاية المفروضة عليها، وضعف الموارد المالية،…، يحتم على المنتخبين توفرهم على الخبرة والكفاءة اللازمتين واتخاذ كافة التدابير التي تمكن من التغلب على هذه الصعوبات وتحقق التنمية

المحلية، الأمر الذي يتطلب تكوين وتأهيل المنتخبين المحليين  فجماعة تغدوين مثلا في إطار عملها لا تعرف انسجاما بين مختلف مكونات أعضاء المجلس  للنهوض بالأعباء الملقاة على عاتقهم، فحتى لو توفرت الإمكانيات المالية فلن تستطيع تحقيق شيء دون مرافقتها بمسيرين في المستوى المطلوب. أما المستوى التعليمي فيظل غير كاف لإدارة الشؤون المحلية، وخصوصا في الجماعات الكبرى التي يتعقد تسيير شؤونها ويتطلب كفاءة ومؤهلات عالية.

كما أن المشرع لم يعط مسألة تكوين المنتخب أية أهمية تذكر، وذلك على خلاف ما قامت به العديد من التشريعات المقارنة ، إضافة إلى ذلك نجد غياب مؤسسات متخصصة في مجال تكوين المنتخب.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *