المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري(الحلقة 45)

اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.

مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..

(الحلقة 45)

وفي سنة 1989، ومباشرة بعد سقوط جدار برلين وانطلاق العد العكسي لبداية انهيار المعسكر الشرقي، بعلة تعطش الشعوب للحرية، اجتمع كبار الرأسماليين، و ممثلي الشركات المتعدية الجنسيات، تحت إشراف الحكومة الأمريكية، اجتمعوا بواشنطن، وليس نيويورك العاصمة الاقتصادية والمالية الدولية، وهي المرة الثانية منذ سنة 1945حيث كان المطلوب تحديد معالم نظام اقتصادي/ مالي جديد.

اجتمعوا وصاغوا وثيقة «توافق واشنطن» التي استشرفت العلاقة مع دول العالم الثالث، وقررت تكريس مقتضيات التقويم الهيكلي الصادر في بداية الثمانينيات، بمزيد من تخفيض الإنفاق الاجتماعي في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل، كاشتراطات لأية مساعدات / قروض، مما أثر على كيفية واستقلالية ارساء السياسات العمومية، فكانت السيادة الوطنية مرهونة ماليا للخارج، الفكرة الأساسية التي طرحها وليامسون أخذت منعطفا سياسياً ليبرالياً من قبل بعض المؤسسات الدولية لتطبيق أجندتها العالمية للسيطرة على الموارد الطبيعية والميزة التنافسية للدول من خلال الدعوة العلنية لذلك وممارسة الضغوط الأقتصادية لتحرير العملة المحلية وتحرير التجارة وإلغاء القيود على الواردات و تبني الإصلاحات الاقتصادية.

وتجدر الإشارة أن التوصيات الحقيقية والمعلنة تحددت في سياسة الانضباط المالي ومراعات المصاريف؛ إعادة توجيه الإنفاق العام من الدعم العشوائي إلى الاستثمار في البنية التحتية؛ الإصلاح الضريبي بمعنى توسعة القاعدة الضريبية بشكل معتدل؛ منح الأسواق حرية تحديد الاسعار بحيث تكون أعلى من نسبة التضخم؛ تحرير قطاع التجارة مع التركيز على مبدأ القضاء على القيود الكمية كمنح التراخيص والامتيازات ثم تحرير تدفق الاستثمارات الأجنبية، والعمل على خصخصة مؤسسات الدولة.

وتحرير وإلغاء اللوائح والقوانين التي تعوق دخول الأسواق أو تقيد المنافسة؛ سعر صرف العملة يكون مناسباً ويعكس القوة الاقتصادية؛ مراعاة قوانين وحقوق تملك الأراضي. وهنا لابد من التذكير أن المعسكر الشرقي كان راعيا للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية، ومع انهياره تم تكريس عدم الزامية تلك الحقوق المهيكلة لأسس الكرامة والمساواة والعدالة الإجتماعية، وهو السياق الذي كان له تأثير عميق في التحولات الحاصلة في المجتمعات العالم ثلاثية، والمجتمع المغاربي ضمنه، وهو ما نتجت عنه تحولات على مستوى التفاعل، فالفاعل النقابي لم ينخرط بحكم تعاقده بمقتضى تصريح فاتح غشت.

رغم أن الفرصة كانت سانحة لنسخ التسوية/عقد السلم الإجتماعي مع أرباب العمل تحت إشراف الدولة ورأسمالييها، كما أن الفاعل السياسي كان متتبعا، وحصل لديه الإشباع السياسوي، بعد تسويات تمهد لإصلاح دستوري، قد يختبر التصويت عليه نوايا الأطراف في أفق إنفراج متدرج وتصفية الأجواء الحقوقية، تمهيدا لأي تدبير مفوض للشأن العام، سمي لاحقا بالتناوب التوافقي قاده الاتحاد الاشتراكي، بزعامة عبد الرحمان اليوسفي الذي أقنع أعضاء المكتب السياسي بأن الوطن أولى من الحزب، وكأني به يخمن أنه مطلوب من الاتحاد أن يسترجع نعت “الوطني” لأن “الاشتراكي” لم يعد له نفس المفعول أمام سقوط جدار برلين، وأمام مخاطر السكتة القلبية.

وهو إحساس متخيل يفترض أن الدولة نفسها واعية بأن الغرب الرأسمالي لم يعد يحتاج لمن يلعب دور “دركي المنطقة” كالمغرب مثلا، في ضوء نهاية الحرب الباردة، فقد كان الوعي منذ توافق واشنطن؛ فقد كان يفترض من مسودة جون وليامسون عام 1989 أن تشكل علاجاً ووصفاً من عشرة بنود للدول التي واجهت صعوبات مالية وإدارية و اقتصادية وكيفية تنويع اقتصادها وإدارة مواردها الطبيعية.

بالإضافة إلى دعوته البنك الدولي ومؤسسة النقد الدولية لتبني هذه البنود؛ كان الوعي بأن الهدف من مقتضيات التوافق هو تحويل المساعدات (تعويضات عن خدمة المتروبول الرأسمالي، أمنية وعسكرية بوكالة ومخابراتية ضد المعسكر الاشتراكي)، إلى مساعدات في شكل قروض اشتراطية وبفوائد.

ناهيك عن استفادة الدول “العميلة” من درس سقوط الامبراطورية الإيرانية وواقعة التخلي عن الشاه محمد رضا بهلوي. والخلاصة أن سنة 1989 دشنت مسلسل تصاعد المد المحافظ كآثار لسياسات تاتشر وريغان، وتمكن النظام السياسي من ضخ دم جديد في شرايين الدولة، وكان الحزب مهيئا لأي تسوية أو توافق.

فقد برر عبد الواحد الراضي “إطار الدولة” الدائم في البرلمان وقيادة الحزب منذ بداية عهد المراجعات والتسويات السياسية؛ بالقول بأننا بالتناوب التوافقي نعلن عن نهاية الصراع على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، وهو قول مستوحى من جان جاك روسو ، وإن بشكل يخالف المعنى المقصود من قولة روسو “القوة لا تخلق الحق” لأن الدولة تخلت عن المسؤولية الاجتماعية ومعها الاتحاد الذي تخلى عن البعد الاجتماعي في هويته الحزبية، مع فارق أن الدولة احتكرت القوة العمومية في حين تراخى الحزب وفرط في استراتيجية النضال الديموقراطي وفي قواته الشعبية .

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *