المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري(الحلقة 47)

اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.

مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..

(الحلقة 47)

رغم الوقع النفسي والسياسي الذي خلفته وقائع المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد في نفوس اغلبية القيادة المنبثقة عنه، خاصة لدى الفقيد بوعبيد ومحمد اليازغي ومن معهما، خاصة في سطوع نجم محمد نوبير الأموي الذي، حان الوقت بالنسبة إليه، لرد الدين، فقد كانت كدش التي يتزعمها ذراعا نقابيا وحزاما عماليا وجماهيريا بالنسبة للحزب، بل إن بعض المحللين اعتبروا أن النقابة كانت بمثابة ورقة ضغط في يد الحزب لدعم القوة التفاوضية عند مجابهة النظام او “التحالف المالي الحاكم”.

حان الوقت لتنقلب الأدوار وتصير النقابة ورقة لتدبير تسويات داخل الحزب، وهذا ما ستظهر “ثماره” تنظيميا وسياسيا خلال عقد التسعينيات، الذي تم تدشينه بتقديم الفريق الإشتراكي برئاسة فتح الله ولعلو سنة 1990، لملتمس للرقابة وهو الثاني، بعد ملتمس نفس الفريق برئاسة الفقيد عبد اللطيف بنجلون سنة 1964، فعلى الرغم من فشلهما مسطريا، فإن هذا الأخير خلّف آثار سياسية، من بينها التعديلات الدستورية لسنة 1992 و1996.

بالإضافة إلى تجربة التناوب الحكومي التي أعطت لصاحب الملتمس الرقابة أن يقود الحكومة في عام 1998، وكذلك انشقاق مجموعة من الأحزاب، من بينها حزب الحركة الشعبية سنة 1991 ( رغم أن حقيقة الأمر أنه تمت معاقبة أحرضان على قذفه لرضا كديرة هو الآخر في الباييس الإسبانية )، وظهور أحزاب جديدة، وقد تعززت تداعياته بآخر إنتفاضة تاريخية في 14 دجنبر 1990 خلفت انتهاكات جسيمة، على إثر دعوة للإضراب صادرة عن تنسيق الكدش وأع ش م .

وبعد سنة اي سنة 1992 سيتقوى نفوذ الجناح النقابي داخل المشهد العمومي والحزبي على السواء بانطلاق الحملة التضامنية مع نوبير الأموي الذي سيدلي بتصريح لجريدة “المواطن” عدد 12 فبراير 92، يحيي من خلاله مطلب الملكية البرلمانية، حيث ندى بالحرف “بملكية يسود فيها الملك ولا يحكم”، تم تجاهله، وحوكم على ذلك بتهمة أخرى في محاكمة شهيرة له في دعوى رفعتها عليه الحكومة على خلفية حديث لصحيفة الباييس الإسبانية وصف فيها الوزراء بأنهم “مناقطيا ” أي ” لصوص” حسب محامي الحكومة آنذاك الأستاذ محمد زيان، وصدر في حقه حكم بالسجن سنتين نافذتين، واعتقل من قاعة المحكمة بعد تطبيق الفصل 400 من ق ج، غادر السجن إثر صدور عفو ملكي في حقه، بعد أربعة عشر شهراً من الاعتقال.

غير أنه تبين لاحقا أنه بنفس القدر الذي سيتقوى موقع نوبير داخل أجهزة الحزب والنقابة معا، سيتم استثمار هذا المد من قبل عبد الرحمان اليوسفي الذي عين كاتبا اول للاتحاد بتوصية من الفقيد بوعبيد، سنة 1992 وهي السنة التي بدأ الراحل الحسن الثاني اتصالاته مع اليوسفي. وقام الملك بالمحاولة الأولى للتناوب عام 1994 حيث كان العرض يهم الأمين العام لحزب الاستقلال محمد بوستة حليف الاتحاد الاشتراكي في الكتلة الديمقراطية، بدلا من عبدزالرحمان الذي قدم استقالته غاضبا على نتائج انتخابات 1994، وقد تسرب أن الملك كان متمسكا بعبد الرحمن اليوسفي لتاريخ الحزب وشبكة علاقاته بالخارج، أحزاب ودولا وشخصيات عمومية دولية، وفشلت المفاوضات بذريعة تمسك الملك ببقاء وزير الداخلية القوي آنذاك إدريس البصري في منصبه.

ثم تجدد العرض بعد دورة مفاوضات، قيل أن اليوسفي إطلع خلال ملاذه في كان بفرنسا على معطيات تخص البلاد والحزب، كما انه كان للإصلاحات الدستورية دورها في اكتمال ” الإقتناع ” والتي لبت بعض مطالب المعارضة في دستور 1996 الذي صوتت عليه المعارضة، في إشارة قوية لتوافق الصقور والحمائم داخل المربع. وكان الأموي مترددا في المساندة الصريحة لتجربة التناوب، فما عدا التهديد بالإضراب العام في 25 فبراير 1994، وقبل التراجع عن القرار، كان الأموي قد قال في تجمع احتجاجي إن ” كدش لن تقبل من أصدقائها ان يكونوا حكومة صورية تطبق برنامجا ضد مصلحة الشعب”.

و في 19 نونبر 94 أكد مرددا ان” الكونفدراليين لن يشاركوا في الحكومة، وأن التجربة يجب إعدامها وصولا الى تغيير حقيقي”. وهنا لابد أن أذكر بواقعة مهمة جدا قد تفيد مستقبلا في التقييم والتحليل.

في ليلة توقف المؤتمر السادس رافقت كل من صلاح الدين المنوزي وابراهيم أوشلح ومبارك بودرقة الى منزل المناضل الفقيد محمد الصبري المحامي، الذي رفض بطريقته الدبلوماسية التورط في “التوسط” لهؤلاء كموفدين من طرف اليوسفي، ونبههم بأن الأموي لن يستقبلهم مهما فعلوا، مما يستنتج أن قراره النهائي كان جاهزا ولا رجعة فيه. وفعلا قرر الثلاثة الذهاب إلى بلدة نوبير بثلاثاء فيني، اعتذرت لهم وسلمتهم سيارتي R19، سافروا إليه ولم يفتح بابه وبالأحرى مسامعه، فحصل ما حصل، وسيكون في الموضوع تفصيل .

شاهد أيضاً

سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الخامس والأخير)

– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *