اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..
(الحلقة 48)
قبل أن يقبل ملفي، ضمنيا، من قبل مديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل، حيث راسل مديرها السيد العبودي النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بأكادير، جوابا على استشارة حول طبيعة مركزي القانوني كمعتقل سياسي استنادا إلى الشرط الوارد في قانون مهنة المحاماة، في العلاقة مع مدى وصمي بجريمة الشرف أو عدم المروءة؛ وهي مدة الانتظار طالت وفاقت السنة، من غشت 1986 إلى أكتوبر 1987، رغم أنه بإمكان مجلس هيأة المحامين ان يبت في طلب ولوج المحاماة داخل أجل شهرين.
وهي وقائع لها ما بعدها من تداعيات ومواقع؛ قبل كل ذلك بادرت إلى الاتصال والتواصل مع بعض قدماء اصدقائي وعلى رأسهم محمد كوزوز وعبد الله بونخيلة، اللذين اسقبلاني بحفاوة وسخاء، وكل أسبوع كنت لا أبرح منزل المرحوم الحسن بونخيلا، سليل آيت باعمران المقاومة، و الموظف بمكتب الاستاذ عبد الحق السوسي، وكذا زوجته الفاضلة ام عبد الله المعروفة بفاضمة التكاضية، وتكاض هي بلدة بجماعة سيدي بيبي، معروفة بنضال ساكنتها منذ السبيعينيات، وقد اعتقل من خيرة شبابها وحوكم أكثر من 33 عضو في الاتحاد الاشتراكي، وفي قطاع الشبيبة على الخصوص، وذلك على خلفية المشاركة في انتفاضة 20 يونيه1981، وهي لا يتم ذكرها بأن يتم الاختصار على الدارالبيضاء.
وكان عبد الله ابنهما البكر يحتضنني وأخوه حسن وكذلك شقيقاته الطيبات والصغير آنذاك، كان بيتهم العامر، فضاءا للحوار الثقافي وخلية للإبداع الفني من شعر ومسرح، فكل من هؤلاء الشباب واليافعين ساهم بلبنة من أعمدة العطاء الفني والمسرحي بمدينة الشهيد كرينة، ولعل المعلمة البارزة والوقع البليغ هو مبادرتهم لتأسيس جمعية سنابل أنزا، بمشاركة عدد من فعاليات وأطر أنزا، من بينهم على سبيل الذكر و”قدرة التذكر”، عبد الحق مويدة واسماعيل والأخ محمد كوزوز وحميد ماشوري، ورشيد ريفقي أخ المناضل عبد المجيد ريفقي الرئيس الحالي لفرع منتدى الحقيقة والإنصاف باكادير؛ وشقيق الدكتور علي ريفقي الطبيب الاختصاصي في أمراض القلب.
وهذا الأخير الذي حصل لي الشرف أن تعايشت معه طيلة شهرين بحي الطلبة بالسجن المدني بغبيلة بالدارالبيضاء، في يناير 1982، قبل أن يرحلونا الى سجن عين بورجة، ونلتقي عندما استقبلته يوم الإفراج عنه وصاحبته الى منزلنا بسيدي عثمانن، ولا يمكن ان أنسى طيبوبة والدتهم وكرمها.
وهو نفس الدفء الذي احتضنني وبروز إحساسي بالطمأنينة والأمان، وأنا بين ظهراني أسرة الحاج عبد الكريم الباعمراني وزوجته يجو محند الباعمرانية والدي محمد كوزوز، في فضاء تسوده مسلكيات محبوبة ومؤطرة بقيم الجنوب صحراوية المنبع والأصل، كانوا جميعا لطفاء، ولست أذكر سوى إسم كريمتهم، الشابة والواعدة الزهراء.
في كل البيوت كانت القضية الفلسطينية واللبنانية حاضرة بقوة، تحف حضورها وحضور شأننا الوطني العام، أصوات مارسيل خليفة والشيخ إمام ومصطفى الكرد واحمد قعبور، وفي منزل بونخيلة كانت روح محمد الماغوط حاضرة، تطوف كلما عرضت مسرحية “كأسك يا وطن” الرائعة التي كتبها.
وقد شخصها المبدع دريد لحام وفرقته، وبقيت دائما أردد على مسامع اصدقائي، أنها (أي المسرحية ) تذكرني بحي أنزا بأكادير ومنزل عائلة بونخيلة ومنزل عائلة كوزوز المناضلتين وتذكرني بجمعية سنابل أنزا التي حصل لي الشرف أن شاركت في الإخراج الجماعي للمسرحية الراائعة ايضا “شمسون ودليلة” التي نالت بها أحسن تشخيص وأحسن إخراج في مهرجان مسرح الهواة بأكادير لسنة 1988، لكاتبها الشاعر الفلسطيني معين بسيسو، كان زمن معاناة والنضال لكنه جميل ونبيل.
وللتحضير لتلك المسرحية قصة، تصلح وحدها أن تخرج فيلما، فلأول مرة يتم إشراك ومساهمة عدد كبير من الصديقات الأصدقاء، اغلبهم يتلمسون بداية مشوارهم الفني والإبداعي، بصدقية لافتة وحماس ناضج ومنضبط؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر الفنان ادريس الملومي والسعدية نظيري وحسن بوزيا وكلهم أعضاء آنذاك في جمعية الأمل، إضافة إلى الشاعرة أمينة إقيس، أستاذة الموسيقى.
وطبعا مويدة واسماعيل سبعة ومباركة مسيحي وعبد الرحيم خوخي وحميد معاش والتقني جمال الصبار وأمين المال الصديق حميد ماشوري، ومحمد موناصير شقيق الشهيد عبد الله موناصير. لقد كان من المفترض أن يتم افتتاح مهرجان مسرح الهواة بمسرح الهواء الطلق، غير أن أجواء الطقس حالت دون حضور وفد وزارة الشبيبة، فتم تأجيل الافتتاح الرسمي إلى يوم غده، فكان من حظ جمعية سنابل انزا أن عرضها كان مبرمجا في نفس التوقيت بقاعة بلدية أكادير ( قاعة ابراهيم الراضي حاليا )، شاهد الوفد ومعه لجنة التحكيم المسرحية، وعشنا جميعا لحظة وطنية بروح فليسطينية، استمتعنا وعشنا من خلال لوحة وراءها مجهود جماعي وطننا بحلم جديد؛ و في حلة تراجيدية مفتوحة على كافة الآفاق والتكرار والانتظار، إنها ثمرة كفاح اصدقائي مؤسسي جمعية سنابل أنزا، التي ساندتها بقلبي وإمكانياتي، وكان حلمي أن تشكل امتدادا للثورة الثقافية، التي بدأتها الشبيبة الإتحادية بأكادير بريادة اسماعيل المنوزي ومحمد كوزكوز ومحمد كزوز وعبد الله بونخيلة والشهيد محمد كرينة والإخوة ريفقي وأحمد بطاش وعبد الله موناصير والحسين بوساين واللائحة طويلة طول سلسلة مشروع “ثورتنا الثقافية” الموؤودة ، ليس بمطنق “أبطال بلا مجد” ولكن على قاعدة “وتستمر الحياة رغم اختلاف وافتراق السبل” ولو على اساس الذاكرة المشتركة .