المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري(الحلقة 53)

مصطفى المنوزي

اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.

مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..

(الحلقة 53)

في بحر السنة الجامعية 1986.1985، ونحن رهن الاعتقال بسجن عين البورجة، تواصلت مع إدارة كلية الحقوق ومع الأستاذ عبد الحميد الوالي حول موضوع بحثي للإجازة، وتم الإتفاق على معالجة اتفاقية الإتحاد العربي الإفريقي ودورها في حل عقدة تجزئة المغرب الكبير، المبرمة يوم 18غشت 1984 بين المغرب وليبيا بمدينة وجدة.

كانت مغامرة، لأن الإتفاقية كانت مهددة بالفشل نظرا لطبيعة النظامين وتباين اصطفافهما في العلاقة مع القوى العظمى، ناهيك عن كون بقية دول المغرب الكبير غير منخرطة، فالتوتر في المنطقة لم يكن على مايرام خاصة وان الاتفاقية أبرمت في سياق كان يبدو فيه وكأن المغرب محاصر، فبغض النظر عن علاقته بالجزائر بسبب قضية الصحراء، خاصة وأنه في
12 نوفمبر 1982 استدعت منظمة الوحدة الأفريقية “الجمهورية الصحراوية” لحضور اجتماعاتها بعد قبول عضويتها فيها، وعلى المستوى الداخلي الوطني كان الراحل الحسن الثاني في خصومة مباشرة مع الفقيد عبد الرحيم وحزبه، إثر الإعلان في 27 سبتمبر 1981 أن المغرب يقبل بتنظيم استفتاء في الصحراء مهما كانت نتائجه، وكذلك توتر العلاقة مع موريتانيا،
فبتاريخ 27 فبراير 1984 اعترفت هذه الدولة التي كان حزب الاستقلال يعتبرها جزء من الوطن، رسميا بـ”الجمهورية الصحراوية”. وماتلاها من وقائع أهمها انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1984 احتجاجا على منحها العضوية لـ”الجمهورية الصحراوية”، وأعلن رغبته في أن تتولى منظمة الأمم المتحدة الإشراف على جهود حل قضية الصحراء.

وفعلا شرعت في جمع الوثائق وتلخيص مضمونها، مؤطرا ذلك في منحى التركيز على ممكنات حل عقدة التجزئة، طبعا استحضرت قضية الصحراء المغربية وتضحيات جيش التحرير المغربي، وعلاقته بالحركة الاستقلالية والتحررية الوطنية والمغاربية؛ والوضع في الجزائر كعنصر فاعل ومؤثر، من زاوية أنه جزء من الحل ولكن في إطار مغرب الشعوب؛ غير أنه في بحر سنة 1985، قام مجموعة من حراس السجن من الهجوم علينا واقتحموا زنازننا وأسرارنا، وصادروا كل حوائجنا وكتبنا ومزقوا صورنا وبعض دروسنا و وثائقنا ثم حاصرونا ومنعت الإدارة عنا زيارة العائلات والتواصل (التفاصيل في حلقة سابقة)، وكأنهم يعيدون واقعة هولاكو، ضاع جزء مهم مما حضرته بالنسبة لبحث الإجازة، وعندما أرجعت لنا بعضا من الحوائج، وجدنا انها ناقصة وممزقة؛ وفكرت أن أواصل البحث؛ غير أنه بتوصية من بعض الرفاق ومسؤول في إدارة الكلية، قررت العدول عن ذلك مع إشعار الأستاذ المشرف بأنني سأعوض البحث بالمثول أمام لجنة “عرض ومناقشة” .

وفعلا بعد نجاحي في المواد الكتابية، تقدمت، بعد إجتياز مواد الشفوي، تقدمت امام اللجنة برئاسة الدكتور محمد الغوماري، الذي شرحت اسباب عدم تمكني من اعداد البحث حول الموضوع المحدد؛ فمنحني 20 دقيقة لتحضير عرض في محور “La souverainté d’état” ، نبهته أنني طالب في القسم العربي، قال لي بأن أمام إجازة في الحقوق مزدوجة، ومن حقنا ان نمتحنك بأي لغة من اللغتين وفي جميع الشعب والمواد ذات الصلة بموضوع “سيادة الدولة”. كان تعقيبه إنذارا مفيدا، وفعلا تناولت الموضوع من زاوية القانون الدولي العام وعلم السياسة والإقتصاد السياسي، و ركزت آنذاك على مفهوم تقرير المصير، والوحدة الترابية، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، ومبدأ السيادة المالية والإقتصادية.

قاطعني الدكتور الوزاني وطلب مني الحديث عن ديكتاتوريا البروليتاريا، توقفت هنيهة لأسترجع أنفاسي، لأني حسبت أن في الأمر فخ ما! تدخل الدكتور الغماري ضاحكا “هذا موضوع الى 20 ثانية أخرى ، ومع ذلك قلت متلعثما” هل تطلبون مني أن أتحدث عن سيادة الدولة العمالية؟ شكروني وناولوني بطاقتي والنقطة (25على 30). وبعد حصولي على الإجازة رجعت إلى موضوعي لألملم جراحه، وتأكد لي فعلا بأنه موضوع شائك وحساس، خاصة وأن الوضع في الصحراء تفاقم و تأزم أكثر، في الإتجاه الذي يخالف منطلقات العائلة التي أنتمي إليها في صيغة استنزاف للتضحيات والزمن الإحتماعي الوطني …يتبع في الحلقة 54 .

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *