اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..
(الحلقة 55)
حصل لنا شرف المساهمة، خلال سنة 1979، في تأسيس ملامح، بل لبنات، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ورغم أن السن كان لا يسمح بتحمل المسؤولية، فبحكم انتمائنا كشباب لعائلات المعتقلين والمختطفين السياسيين، التحقنا في انتظار بلوغ سن الرشد الذي كان محددا حسب قانون الأحوال الشخصية في 21 عاما.
وهذا ما حصل عندما انتخبنا منتدبين للمؤتمر الأول للجمعية المحظور. وقد سبق الحديث عن هذه الوقائع في حلقة سابقة؛ غير أن المفيد هو التأكيد على أننا واكبنا مسار الجمعية منذ التأسيس وعايشنا في ظلها كل أشكال المعاملات، منذ أن أسسها الاتحاديون الذين كانوا ينعتون بالإصلاحيين، إلى أن احتكرها من ينعتون أنفسهم باللاستمرارية لحركة الماركسيين اللينيين، ومع ذلك لامناص من الإعتراف والإنصاف.
فقد كانت جامعة بامتياز، من جهة جامعة لورشات للتربية والتكوين، وجامعة لجميع مكونات الطيف والفعل المدني المدافع عن الحقوق الإنسانية وعلى الخصوص لقدماء المعتقلين السياسيين؛ وتزامنت سنة 1979 بداية تصاعد المد المحافظ، توج بانتصار الثورة الايرانية “دينيا”، في حين تم تهريب اللون التقدمي وإعتقاله وإعدامه، وهيمن الشيعيون على الشيوعيين؛ و كرد فعل، أيقضت الرجعية كل خلاياها النائمة على امتداد الجزيرة العربية ( الوهابية) والمشرق (تنظيم الإخوان بدعم من السادات) وجبال أفغانستان (المجاهدين من كل ارجاء العالم الإسلامي)، وظل عقد الثمانينيات عنوانا لورش اسمه اندحار المد التقدمي وارتكاسة المد التحرري، وإنتعاش فكر التسوية والتصفية للقضية الفليسطينية ولقضايا التحرر والتقدم.
وبذلك يمكن الجزم بأن المدة الفاصلة بين سقوط جدار برلين وبين زمن انهاك اليسار المغربي بسبب القمع والحروب الإنشطارية والتخوينية الداخلية، فكاد كل المؤسسين أن يتحولوا إلى انحرافيين وتحريفيين ومهرولين نحو عناق الجلاد، حسب تقييم البعض الذي سيمر من نفس المحنة ويتعرض لوصم التخوين لاحقا؛ كانت الملابسات والسياقات كافية لاستنتاج وتبرير جدوى تبجيل قيم العالم الحر، من قبل اللبراليين الجدد الذين يعتمدون «حقوق الإنسان» المدنية والسياسية بديلا عن الصراع الإجتماعي والفكري.
و بإسم الدفاع عن حرية المبادرة والحق في التملك وحرية الإثراء، تماهت الرسائل والوسائل وصارت «القوة الاقتراحية» بمثابة “الثورة” الهادئة التي ستفكك بنيات التقليدانية افتراضيا، مادام التغيير شبيه بالتحويل عبر الإصلاح المتدرج، من حيث النتائج وبكلفة أقل، إنه كان يكفيهم خطاب قوي وواقعي ومتجذر، بنفحة المزايدة والتخوين، لكي يضمنوا السقوط السلس للحكومات المتعاقبة عن طريق التناوب التوافقي فيما بين الأصولية والمحافظة، في حين سيتوهم فلول الجذريين أن الواجهة الحقوقية كفيلة بتعزيز المعارضة غير المؤسساتية.
حقا إن الوقت قد حان منذ رفع الخوف إثر حركة الفبرايريين، التي لم تكن سوى حالة نضالية لم تفلح في تحويل المطالب الاجتماعية والحقوقية إلى سياسية، كما لم يفلح حراك الريف في التعويض و استكمال مشروع نقل الصراع من المجال السياسي المغلق إلى الفضاء العمومي، لنقصان التأطير وغياب قيادة فكرية وسياسية، فانتقلت الحركة من اجتماعية إلى محض حقوقية منشغلة بالمحاكمة العادلة وإطلاق سراح المعتقلين على خلفيته، مما يستدعي سؤال تأهيل الفعل الحقوقي حتى لا يتماهى مع العمل الحزبي أو يغامر بالحلول محله بديلا ،بعلة “عياء الدكاكين”، وفي ذلك عودة لإشكالية العلاقة بين الأحزاب والمنظمات المدنية أو بين النضال السياسي والنضال الجماهيري .
(يتبع في الحلقة 56 )