اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..
(الحلقة 56)
رغم التحولات العميقة على مستوى تبني المقاربة الحقوقية كسياسات عمومية، منذ سقوط جدار برلين وإبرام توافق واشنطن، فقد ظل الفاعلون الحقوقيون المهتمون بالإنسان ولا زالوا مجرد أعضاء في أسرة أو قبيلة وفي أحسن الاحوال أفراد حرفيين في حزب ما أو زاوية دينية!
فهل ينفع الندم عندما نكتشف اننا كنا حطبا لمعركة غير مضمونة الغاية، حتى لا نقول خاسرة؟ فاليساريون عوضوا حقا النضال السياسي بالعمل الحقوقي، وانقلبت الآية فصار السياسي في خدمة الحقوقي، يوجهه ويستثمره، في حين تخلى ما تبقى من تقدميين «مؤسساتيين» عن أسباب النزول وتخلوا عن البعد الحقوقي والاجتماعي، ليوظفوا حراسا لنمط الاقتراع وشفافيته و شهودا على الحق في تفعيل «عدالة المنتصرين» كفضيلة بين رذيلتين، ريع كابح ودين جانح، ليبقى التعليق على الوقائع لدى «النزهاء» الذين، تحت مظلة المقاربة الحقوقية، راجعوا، تجذرهم، ودمقرطوا نهجهم الشيوعي، كمتفرجين على “اللعبة” ومن خارجها؛ بمثابة تسلية للوقت السياسي في انتظار غودو، وبين المحطات ينام الرفاق إلى يوم الإقتراع او الاستفتاء ليتم إخراج نفس بيان المقاطعة بحبر جديد.
لكن مع الاستعمال التعسفي لوقائع التاريخ بنفس الأسطوانة المكرورة “وبتأثير من الهزيمة العربية وماي الطلاب (1968) في فرنسا والثورة الثقافية الصينية، خرجت للوجود الحركة التلاميذية والحركة الماركسية اللينينية المغربية؛ فانعقد المؤتمر الثالث عشر (1969) وخرج ببيان سياسي يعبر عن بروز تيار جديد في الساحة الطلابية والسياسية، بمشروع سياسي جديد يعلن إفلاس الأحزاب الإصلاحية المساومة، ويعلن ارتباط الطلبة بالجماهير”؛ فما الذي جد منذ التأسيس لهذا الخطاب؟ هذا السؤال يحتاج إلى حلقات خاصة، لأن أغلب من صاغوا في الأصل هذا الخطاب طوروه وتجاوزوه، منذ أن تفرغ المؤسس حسن بنعدي إلى مناهضة حزب “بنبلا” ويقصد حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وانتهي برئاسة حزب الملك في العهد الجديد.
ومنذ أن انشغل المؤسس نور الدين الصايل بالسينما كقضية ثقافية ومعركة عمومية؛ ومنذ أن قام العديد من أعضاء القيادة اللاحقين بمراجعات سياسية وتنظيمية متوالية وُصِمَتْ بالتحريفية واليمينية والإنتهازية؛ ومنذ الحروب (داخل السجن المركزي ) والتي استهدفت ايضا كل من انتقد تقديس “نظرية ترى الطلبة طليعة تكتيكية في الثورة”، كأساس للتصور السياسي للفصيل الجديد الذي هيمن على المنظمة الطلابية أ.و.ط.م من خلال السيطرة على المؤتمر الخامس عشر (1972)، فاخْتُلِقَتِ الذريعة لدى النظام لتبرير حظرها في 24 يناير 1973.
صحيح أن موازين القوة محددة وفق السياقات، غير أن القوة ينبغي أن نستمدها من حرية الإرادة وليس من الحق في السيادة، حيث إنه شتان بين المفهوم الجديد للسلطة (Autorité ) وبين المفهوم الجديد لممارسة السلطة (Pouvoir )، ليظل السؤال الحقيقي مطروحا حول مدى قدرة الفعل الحقوقي، والحالة هاته، على مناهضة اصولية الدولة، باعتماد آليات النضال المدني “الجماهيري” المتقادمة التي تركز، كأولوية، على حل التناقضات الثانوية قبل التناقض الرئيسي، في ظل إكراهات تحديث المجتمع وتحديات دمقرطة الدولة، والتي ( المطالب والتحديات ) كانت تنتمي، في نظر بعضهم ، وإلى عهد قريب، إلى عمق بنية الثقافة البورجوازية وتمثلاتها بمقاربة أخلاقية، والحال أن السلوكات تحتاج إلى تقويم برد الإعتبار إلى البعد الديموقراطي والطابع السلمي والإصلاحي للنضال، لأن التخوين والعمل به، موضوعيا، هو ضرب من الأصولية والتطرف والعنف الرمزي والمعنوي تجاه الخصوم غير التناحريين، ليطرح سؤال تأهيل العمل الحقوقي وتطهيره من مخاطر المحاكاة أو التماهي مع العمل الحزبي، كما يتماهى غلاة الحقوق مع غولات الواجبات .