اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية
(الحلقة 15)
بعد صدور الأحكام في حقنا ابتدائيا ، بالنسبة لمجموعتنا ( قضية المانوزي ومن معه ) ، تمت المؤاخذة بعامين حبسا نافذا وغرامات مالية ، لكل واحد منا ، وكذلك كان الأمر بالنسبة لعلي موريس السرفاتي وطلبة المعهد العالي للتجارة وادارة المقاولات ؛ بعد صدور هذه الأحكام ابتدائيا ؛ انطلق عمليا عداد العمر الإفتراضي لحياتنا الجماعية ، فقد تقرر مصيرنا داخل ” حياة بيضانصي ” .
ويجدر بنا التنويه بأن التفاصيل ستحال إلى سيرتي ” في ترتيب النهايات ” ، لذلك سأكتفي هنا بالإشارة الى بعض الوقائع العامة ، من بينها أنه عهد لتتبع الملف ومتابعتنا من طرف النيابة العامة للشاب نورالدين الرياحي نائب وكيل الملك آنذاك ، والذي سبق أن خاض تمرينه الأول خلال اعتقالنا الأول في دجنبر 1981 ، وكان حديث العهد بتعيينه ، وهو المشهور بعلاقته الوطيدة بمهندسي المرحلة ، الأمنيين والقضائية ، وعلى رأسهم إدريس البصري وزير الدولة لأم الوزارات.
في حين ترأس هيأة الحكم السيد حسن مطار ( الوكيل العام في آخر مساره المهني ) ، وهما إسمان ستكون لهما بصمة قوية في المسار القضائي الوطني لاحقا ، في حين انتصب لتأطير الدفاع عنا عدد كبير من المحاميات والمحامين ، على رأسهم المرحوم النقيب محمد الطيب الناصري والأستاذين المرحومين عبد الله الولادي ومحمد ضرعم ، بالإضافة إلى الأساتذة مصطفى هسكر وعبد الكبير طبيح و عائشة لخماس وآخرون أغلبهم محامون شبان ، إما متطوعون او بتكليف من مجلس هيأة المحامين بالدارالبيضاء على عهد النقيب عبد العزيز بنزاكور ( وسيط المملكة في آخر مساره الحقوقي ) .
قبل صدور الأحكام ، كنا واعين بأنها ستكون قاسية ، حيث كنا نتوقع ان نفس الأحكام التي صدرت لاحقا من طرف محكمة الاستئناف برئاسة المستشار مولاي احمد الغزواني ، الذي طبق في حقنا حالة العود ، في مقرها بحي الأحباس ، قرب القصر الملكي ، غير أنه يبدو أن المناوشات وسوء التفاهم الذي اعترى مجريات المحاكمة ، خاصة ان تمت معاينة عدم انضباط ممثل النيابة العامة ، الذي تقدم في حقه الأستاذ طبيح واحتج على الطريقة التي يترافع بها ، حيث كان يبتعد عن مقعده ويكاد يقترب من القاضي ، هذا الأخير الذي سبق وان نبهه بالبقاء في مكانه قائلا له ” بقا في بلاصتك وانت بارك كا تحوت علي ” ؛ مما اضطر نائب وكيل الملك الى إعلان الانسحاب من الجلسة ، وكانت أول سابقة في تاريخ القضاء المغربي .
وقد بلغ إلى علمنا أن رئيس المحكمة الابتدائية حينئذ ، السيد محمد بناني تواصل مع وكيل الملك السيد محمد دومو مخطرا إياه بأن ممثل النيابة قد انسحب من قاعة المحاكمة ، مستدلا بمحضر الجلسة الذي دون به السيد كاتب الضبط تلك الواقعة . كانت مسرحية متميزة و غريبة الأطوار ، كتب سيناريوها واخرج أطوارها الأساسية العميد قدور اليوسفي ، فقد تواتر أنه مختص في فبركة القضايا وصياغة نماذج من المحاضر الأحكام القضائية من التعليل الى منطوقها ؛ في حين عشنا بقية الأطوار مرتجلة وعفوية ، خاصة عندما اتمم أحد المحامين المؤازرين لأظناء ” غير منتمين ” مرافعته مخاطبا ممثل الحق العام : وانتيا النيابة العامة والله الى حشومة عليك هاذ شي لي درتي في هاذ الدراري مساكن “.
ضحك الجميع نصف ضحكة متوجسة تحسبا لأي صدمة جراء الأحكام المفترضة .