اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية
(الحلقة 16)
من المفارقات العجيبة التي طوقت نفسيتنا بتعاظم التوجس من متابعتنا ومحاكمتنا جنائيا . ونحن بصدد خلق بيئة ملائمة، داخل السجن ، لأجل تيسير عملية الاندماج السلس ، كاتحاديين ، في الحياة الجماعية ، والحال أنه قبل اعتقالنا بشهر تقريبا ، أي في بحر شهر دجنبر 1983 كنا ، كشبيبة اتحادية ، قد عقدنا مجلسا إقليميا ، ترأسه من تبقى من المكتب الإقليمي للشبيبة الاتحادية بالدار البيضاء ، من بينهم عبد الرحيم عميمي ككاتب عام اقليمي للشبيبة و أنا كأمين المال ، وكنائب فعلي للكاتب العام ، تحملت المسؤولتين معا إثر اعتقال ومطاردة وكذا انسحاب بعض الأعضاء .
وعلى إثر انتخاب مكتب جديد وبتصور جديد التنظيم ، انطلقت حملة المؤاخذات تجاه شخصي والأخوين عبد العزيز مليح ومحمد حسين ، اعتمدت على نفس الأسلوب الذي مورس ضد أطر ومناضلين من أنصار الحركة التصحيحية ، من طرف ” يمين الاتحاد ” من قبيل اتهامنا مجانا بعلاقتنا بالخارج ، المقصود هنا تنظيم الاختيار الثوري أو ما كان يطلق عليهم ” أنصار الفقيه محمد البصري ، وهو تجمع يشمل كافة الاتحاديين في المهجر وكذا المنفيين الذي وجدوا أنفسهم خارج حزب الاتحاد الاشتراكي .
بعد مؤتمره الاستثنائي لسنة 1975 ، ومن سوء الحظ انه لم تتح لنا الفرصة لرد هذه المؤاخذات المغرضة ، لأن مباغثة الاعتقال إثر أحداث مدن الشمال ومراكش ، في شهر يناير ، حالت دون تطويق هاته الإشاعات والتي كان يروم أصحابها ، من ورائها ، تبرير رفضهم لنتائج عملية التجديد و اعادة هيكلة التنظيم كما ونوعا. اعتقلنا في ظل تداعيات هذه الوقائع ، ورغم وقعها المؤثر على معنوياتنا إلى درجة الارتباك ، خاصة عندما كنا موزعين على زنازن كوميسارية المعاريف، وكنا نخشى أن يثار الموضوع خلال الاستنطاقات ، وكذلك عندما تم ايداعنا بالسجن متفرقين ومعزولين عن بعضنا البعض ؛ ومنذ أول فرصة أتيحت لنا باللقاء والتجمع في زنزانة واحدة ، اتفقت وعميمي على إقفال هذا ” ملف ” الخلاف التنظيمي وكذا إرجاء تقييم محطة ثامن ماي الشهيرة .
وفعلا التزم كل واحد منا بتأجيل النقاش ، رغم وعيي الكامل بأن العقل الحزبي وكذا العقل الأمني يعلمان علم اليقين من له ، حقيقة ، ارتباط وتنسيق مع الخارج ، ومنذئذ تصرفنا وتعايشنا كمقاربة واحدة ، وذلك بتجميدنا للتناقضات ” الثانوية ” ، وكان لنا الفضل معا في رأب الصدع فيما بين أفراد المجموعات الأخرى ، واحتواء التوترات التي كانت تحصل أحيانا مع بعض معتقلي الشبيبة الإسلامية .
وبقينا على هذا الحال ، متناغمين في المواقف ” السياسية” التي نتخذها ، وأهمها خوضنا لمعركة مواجهة قرار وزارة الدولة في الداخلية ، بمنع جميع الطلبة المعتقلين من إجتياز الامتحانات ، ثم مشاركتنا في الإضراب الوطني الامحدود عن الطعام ، تضامنا مع مجموعة الشهيد مولاي بوبكر الدريدي ، وكذلك مساهماتنا في دعم فكرة تأسيس جريدة ” المسار ” ، وأساسا المواجهة اليومية لتعسفات ادارة السجن تجاه مطالب تحسين الوضعية داخل السجن ، إلى حدود تاريخ الإفراج عنا معا في صيف 1986 ، حيث إنه بعد أسابيع سأتوصل بقرار بفصلي من تنظيم ( الجهة المصدرة للقرار ) بعلة عدم انضباطي لتوجيهات ” الجناح ” وبدعوى إشاعة موقفي المتميز من وقائع ثامن ماي 1983 ؛ والحال أنني فسرت الإجراء بمثابة رسالة إلى كل من يعنيه الأمر هنا وهناك ؛ تلك الوقائع التي لا يمكن فصلها عن واقعة منع المؤتمر الوطني الأول للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعن تأثيرها على مسار الصراع السياسي والتنظيمي داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .
كما لا يمكن فهم وقع هذه الواقعة دون استحضار مقتضيات إفشال محطة المؤتمر الوطني السابع عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في صيف 1981، ودون الخوض في المعطيات التفصيلية لما جرى ، والتي ستكون موضوع بسط وسرد ضمن سيرتي ” في ترتيب النهايات ” ، أود أن أقر بأنه تستفزني كثيرا مأسسة تجاهل الحقيقة ، وعلى الخصوص طريقة تخليد ذكرى رحيل بعض المناضلين القياديين ، على رأسهم محمد العربي صادق الشتوكي ؛والذي لا يقل دوره أهمية في ما جرى ؛ وأؤكد مصرا بأنه حان الوقت لتنظيم ورشة تقييمية ، لتقاسم وتبادل المعطيات حول محطة ثامن ماي 1983، من شأنها توضيح ورفع الغموض الذي شاب ” التأريخ ” المبتور ، وابراز الحلقات المؤطرة والمفقودة في سلسلة الصراع داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، والذي يصعب معها الجزم والحسم في موضوع المسؤولية ، في العلاقة مع سؤال من طرد من؟ ومن من الأطراف ضحى بالاستراتيجيا من أجل التكتيك ، أو تخلى عن الحزب لأجل الانتخابات ؟ ومن هم المهندسون والفاعلون الرئيسيون وراء ما حصل ؟ وغيرها من الأسئلة الجوهرية والمهيكلة لأركان الحقيقة حول الأسباب والدواعي ، والتي بصددها توافقنا (في السجن ) على تأجيل الجواب عنها ، وذلك حفاظا على مصلحة الحزب في وحدته وخطه ضمن استراتيجيا النضال الديموقراطي ، خاصة بعد أن فرض أمر واقع جديد ، أربك كل تفكير وكل التوقعات.
فليس بالهين استصاغة انعقاد المؤتمر الوطني الرابع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في بداية صيف سنة 1984، تحت شعار ” أزمة الدولة أم أزمة المجتمع ” ، والذي حسم مع التردد السياسي والإرتباك التنظيمي اللذين انتابا عددا كبيرا من المناضلين والعاطفين والأجهزة المعنية .