اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية
(الحلقة 18)
الحديث عن حياتنا ” البيضانصية ” دون ذكر وتذكر المناضل عبد الواحد لحمر ، ذلك التلميذ الدمناتي ، اليافع والواعد ، الذي كان من المؤكد أنه سيترك بصمته في حياتنا الجماعية ، وفي مساري السياسي والحقوقي . فقد التحق بنا في بحر سنة 1985 ، واحتضناه ضمن مجموعتنا ” الاتحادية ” ، ولم يكن أي خيار آخر ، فهو ابن التنظيم ، فتي التجربة ، يتميز بحماس فائض ، واندفاع غير منضبط ، لكنه صادق ووفي وغيور ، تجده دائما رهن إشارة المجموعة ، كلما تعرض احد افرادها لأي اهانة او محاولة اعتداء ، يميل الى العنف أحيانا ، غير أن باطنه يفيض حبا وإنسانية إلى كل من يبدو له مناضلا شريفا .
عضد مجموعتنا الكبرى ، بنفس الشعور والإخلاص والحماسة ، تجاه الإدارة وكذا ضد من يعتبرهم خصوما فكريين ، وأذكر أنه تسبب لنا في ” عراك ” بالأيدي مع فردين من معتقلي الشبيبة الاسلامية ، ومبرره أنه تدخل لمساندة المرحوم سليمان عنفر ، والذي أكد انه تعرض لاستفزاز من طرف ” أحدهما ” الذي هدد باعادة واقعة ” اغتيال ” الشهيد عمر بنجلون .
ويا لمكر التاريخ، فنفس الشخص الذي كان حاقدا على اليسار، و متطرفا عنيفا ومغرورا وافتخاره بنيله للحزام الأسود في “الكراطي “هذا الشخص هو نفسه الذي صدمني عندما صادفته “منتدبا ” عن تنظيم برشيد في مؤتمر الشبيبة الاتحادية المنعقد ، في نونبر 1998، بمركب محمد زفزاف ( المعاريف ) تحت شعار ” المواطنة ” .
هنأته على ” التحول ” متمنيا أن يتأسس على اساس مراجعة نقدية جدية ومسؤولة . لمزت له بواقعة عراك السجن ، فبرر موقفه أن عبد الواحد قبيح ولم يكن يشبهنا نحن الاتحاديين ؛ وذكرني بأن ذلك العراك كاد يتسبب في وفاة الأخ خالد بختي ، إثر صبه من قبل لحمر بالماء الساخن ، فقد كان هذا الأخير يملك قوة مبهرة ، فقد رفع ” البتية ” (وعاء كبير يطهى فيه أكل السجناء )و افرغها على رأس خالد ” ، لكن الله سلم ، بعد استفاق من إغمائه.
والواقعة الثانية هي تدخله الدفاع ولحماية أحد سجناء الحق العام ، خلال إقامتنا بسجن عين البرجة ، عندما اعتدى عليه احد الحراس ” المربين ” . فقد عنفه ؛ فقام الحراس بالهجوم علينا جميعا ، وعنفوا بعضنا بشراسة ، وصادروا جميع كتبنا ، الدراسية والفكرية والادبية ، وبعثروا ” حوائجنا وأغراضنا ” الخاصة ، بما فيها صورنا و رسائلنا الشخصية . وإثر ذلك قررت الإدارة محاصرتنا ، حصارا شديدا ، لا زيارات محامين ولا العائلات ، طيلة ثمانية أيام ؛ لولا أن بعض الحراس المتعاطفين ، سربوا الخبر الى العائلات ، فحصل ” الاتصال والتواصل ” ثم التفاوض وبعده ” انفراج “.
ردت أغلب ” ممتلكاتنا ” ، وبالنسبة لي ضاعت مني بعض الدروس ، ومسودة بحثي للإجازة ، والذي أعددته تحت إشراف الدكتور عبد الحميد الوالي في موضوع ” الاتحاد العربي الإفريقي وحل عقدة تجزئة المغرب الكبير ” .
لقد كان الفضل في عودة المياة إلى مجاريها يرجع الى صمودنا جميعا ووحدتنا المتماسكة ، ناهيك عن دبلوماسية محسن عيوش وحنكته ، المعززة بشبكته العلائقية ، وهنا لامناص من تجديد طلب المغفرة و الترحم على والدته الفاضلة الفقيدة فاطمة القباج ، التي كان لها دور عظيم ونبيل ، طيلة حياتنا ” البيضانصية ” ( التفاصيل ضمن حلقة خاصة بأمهات المعتقلين . هكذا كان أخونا عبد الواحد لحمر ، الذي كان مروره بالسجن المدني بغبيلة ، مجرد عبور إلى سجن آخر ، ولأنه استأنس بحياتنا ، فقد درجنا نقطة استقراره معنا ضمن مطالبنا ، وهكذا اندمج معنا ، وكنت ، أنا وعبد الرحيم عميمي ، بمثابة الأخ الأكبر ، فقد كان ولا زال ، لحد يومه ، يقدرنا أيما تقدير . وبفضل التقدير المتبادل ، لا يكف عن الاعتراف لجميع نزلاء ” حياة بيضانصي ” بجميل الاحتضان ونبيل العناية . فهو يعتز بالفترة ” الذهبية ” التي قضاها معنا ، وفعلا تغير كثيرا إلى الافضل ، غير انه لا زال يحتفظ ببعض من جرأته وعناده المفيد .
لذلك اكتسب ثقة المناضلين من قدماء ضحايا سنوات الرصاص ، والذين شرفوني يوم رابع ابريل من سنة 2010 ، بأن ترأست ، كرئيس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ، الجمع العام التأسيسي لفرع أزيلال بمدينة دمنات ( حضرت معنا السيدة الفاضلة رقوش آيت بوفكر ، والدة المناضل يدر آيت مسعود ، ونظرا لانها حمت واحتضنت العديد من المناضلين العاطلين والمطاردين من زمن الشقاء والأمن ، ناهيك عن كونها المرأة الوحيدة في الجمع العام ، تشرفت بتكليفها بترأسه الى جانبي ، بمساعدة المناضل الفقيد بوجمعة بجاجا ، بحكم علاقته النضالية بمناضلي المنطقة ، أغلبهم من معتقلي محاكمة مراكش الكبرى لصيف 1971 ، المعروفين ضمن ” قضية الغيغائي (الحبيب الفرقاني ) ومن معه . وهي المحاكمة التي تقدم فيها الفقيد المحامي عبد الرحيم بوعبيد بطلب تجريح رئيس هيأة الحكم ، بعلة انه كان كاتبا خاصا للخائن بنعرفة ، ولا ” يعقل لعميل خائن ان يحاكم رجال مقاومة واعضاء جيش التحرير وطنيين حاربوا المستعمر و” ملكهم ” محمد بنعرفة ” ” . وكان الوكيل العام للدولة ” المجبوذ اراد رد طلب التجريح فأكده حينما عقب بأنه ” صدر عفو عن المعني من طرف اامغفور له محمد الخامس ” .
كان من بين اعضاء فرع أزيلال /دمنات المرحوم محمد آيت حدو الملقب ب ” عنتر ” ، أحد المحاكمين في هذه المحاكمة التاريخية ، وهو صديق للعائلة ورفيقا لجميع من اعتقلوا الى جانبه من المنوزيين وعددهم يتجاوز 16 ، دون احتساب الحسين ابن علي المنوزي المحكوم غيابيا بالإعدام الى جانب ( خالنا محمد آجار الملقب بسعيد بونعيلات ) ( حضوريا ) و عبد الفتاح سباطة وآخرون (غيابيا ) على رأسهم محمد البصري الملقب بالفقيه .
هذا الأخير الذي يعتز أهل دمنات وازيلال وعلى الخصوص أدوز وآيت اومغار ( مسقط رأس عمر منير ) هذا المناضل الذي يستحق ان أفرد له حلقة خاصة لاحقا ، رفقة رفيق دربه الكفاحي اليومي الفقيد محمد بوكرين ، والذي شاءت الأقدار أن يتوفى غداة رجوعه من قافلة انسانية وطبية ، نظمها في أعلى الجبل ، لفائدة قدماء المقاومين وضحايا سنوات الجمر ، رحل بعد يومين فقط من تاريخ تأسيس فرع ازيلال بدمنات .
وكان ابنه لبيب بوكرين حاضرا معنا ملاحظا ، بحكم اشتغاله بمدينة دمنات ، سألته عن الوالد والأسرة ، أكد لي أنه يتمتع بصحة جيدة ، وزف لي بأن زوجته حبلى . حزن لبيب لفقدان والده موح ، وفرح ” مكرها ” لازديان حياته بميلاد نجلته الجليلة ، اسبوع فقط بعد المصاب الجلل ، وهي التي حصل لي شرف تستميتها ذكرى ، عربون محبة للرجل ، وفاء واحتفاء .