اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية
(الحلقة 19)
من بين قدماء المعتقلين السياسيين الإسلاميين الذين كانوا نزلاء معنا في السجن المدني ” غبيلة ” طيلة فترة المدة التي قضيناها ، وتطورت العلاقة معهم ، إلى حدود يومه ، إنسانيا وتمأسست على مستوى العمل السياسي والحقوقي ، كثير من الإخوة ، مصطفى براقز واحمد الحو ومحمد حقيقي و أحمد حيدو ومحمد بهاج عبد الغني بوطاهر ، و حسن الحسني العلوي، غير أنني آثرت أن أركز في حلقتي هاته على الأخ حسن الحسني العلوي والأخ مصطفى براقز، دون أن يعني ذلك أن البقية لا تستحق مني أي اعتبار او تقدير، فهم لا يقلون عن الأخوين محبة وصداقة، وانما المهنجية اقتضت أن أركز عليهما ، نظرا لمحورية وجودهما في مساري.
فالأخ براقز ابن جيران عمي لحسن بأكادير، وصديق لأبنائه، خلال الطفولة والشباب، بالحي الصناعي والمعروف بحي الباطوار؛ وما يهم من التركيز عليه أنه كان من بادر إلى الإتصال مع مجموعتنا، في البداية، خلسة، مع محسن عيوش وعبد الرحيم عميمي، ثم بالتدريج بدأت اتواصل معه؛ كان منفتحا وذا تكوين ثقافي وعلمي عالي، ومن خلاله توصلنا إلى فهم ما جرى في ملفهم، وبواسطته تعرفنا على أغلب المعتقلين وانتمائهم ” التنظيمي ” ، فهو يكاد يكون الناطق باسم مجموعته، ينسق فيما بينهم ويصيغ مطالبهم، ويتواصل مع الإدارة، رغم الصعوبات التي تعرفها الظرفية. وفعلا لم نكن نميز فيما بين من ينتمي حقا للشبيبة الإسلامية ومن ينتمي إلى التيارات المتعددة التي تفرعت أو انشقت.
وإن العديد من المعطيات التي كانت ” خفية ” أكدها لنا الأخ حسن العلوي، وأهمها أن الذي اعتقل، في بداية السلسلة، طالب بكلية الآداب عين الشق بالدار البيضاء إثر عملية الفرزالأمنية التي انطلقت بعد أن عرف تنظيم الشبيبة الإسلامية الأم انقساما إلى عدة فصائل إثر خلاف داخلي، وبداية تبلور ماسيعرف فيما بعد بجمعية الجماعة.
هذا الشاب ظل محتزا لمدة نيف وسبعة أشهر في المعتقل السري درب مولاي الشريف، إلى تضخم عدد المعتقلين، وصارت المجموعة، بعد إلتحاق معتقلين آخرين في فترات مختلفة، صارت تعرف، إعلاميا، وتشتهر بمجموعة ال71 .
وكان الأكثر إثارة هو واقعة إعتقال مصطفى برافز، الطالب بفرنسا، أثناء دخوله إلى المغرب، وقد ضبطت بحوزته منشورات نقدية للأوضاع بالمغرب، وقد عمد الراحل الحسن الثاني غاضبا، على هامش تقديم خطابه الشهير المذكور سابقا ، أي إثر أحداث يناير 1984، إلى عرض نسخة من المنشور تحمل صورا له، على الهواء مباشرة، على العموم، رغم إعتراض أحد مستشاريه، وكان مؤتمر القمة الإسلامي قد أنهى أشغاله بالمغرب قبل أيام، وهو المؤتمر الذي اهتم بقضية القدس والتي بمقتضاها يترأس المغرب في شخص أمير المؤمنين لجنة ترعى شؤونها وتدبر مصيرها، وبالمناسبة كان موضوع منافسة ومواجهة المد الشيعي مدرجا بحدة. مع مرور الأيام تأكد أن لا علاقة لهؤلاء المعتقلين بالشيعة ولا بإيران؛ رغم المحاولة اليائسة للإقحام وتلفيق نفس التهمة ل ” بعض ” المنتمين منهم لحزب البديل الحضاري وكذلك حزب الحركة من أجل الأمة، مرة أخرى ، وذلك بمناسبة قضية ” بلعيرج ” خلال ولاية الرئيس الحالي للجنة النموذج التنموي يوم كان وزيرا للداخلية.
وكان حزب البديل الحضاري قد تأسس في نونبر 2004، تحت قيادة الأمين العام المصطفى المعتصم ونيابة حسن الحسني العلوي. ومن بين أعضاء قيادته الأستاذة سميرة عناني، والتي شغلت مهمة كاتبة عامة لجمعية المحامين بالدارالبيضاء. وهي منحدرة من عائلة وطنية بمدينة الكارة نصفها استقلالي وبعضها اتحادي. ومن جهة أخرى، فقد ظلت علاقتي متواصلة مع مصطفى براقز، بعد خروجه من السجن، وخاصة بعد إشتغاله لدى المجموعة الحضرية بأكادير، ويعود له الفضل اساسا، في إخراج مشروع معالجة النفايات بأكادير الكبرى.
انقطعت أخباره في المشهد، و لم اسمع عنه أنه التحق بأي حزب، ناهيك عن كونه لم يكن ضمن نظرائه الذين انخرطوا في المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف ، كبقية المعتقلين ضحايا سنوات الرصاص؛ من بينهم حسن الحسني العلوي الذي واصل اهتمامه بالشأن العام، السياسي السلمي و بمقاربة حقوقية و ضمن دينامية المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، مخلصا لاستراتيجيته و لقضايا ضحايا سنوات الرصاص.
ونظرا لصدقيته واستقامته وأمانته، وكذا انفتاحه واعتداله وانسانيته ، فقد استحق منا كل الثقة والارتياح في شخصه، فكنت من أشد المدافعين عن تزكيته ضمن قيادة المنتدى، وعندما انتخبت رئيسا لمنظمة الضحايا، اقترحته أمينا على خزينة المنتدى المالية، بكل إلحاح وإصرار، ونفس الشيء بالنسبة للمركز المغربي للديموقراطية والأمن فقد تقلد مهمة أمين المال لولايتين، وفي ذلك رسالة متواصلة لكل غاية عنوانها الاحتفاء والوفاء له ولغيره من الغيورين على مصلحة الوطن، ومن المنافحين، بصرف النظر عن مرجعيته الفكرية، عن مطلب إلغاء عقوبة الإعدام ، ناهيك عن حماسه لتفعيل مطلب المصادقة على اتفاقية روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، بل كنا قد رشحناه لتولي مهمة تنسيق الإئتلاف المغربي من أجل مصادقة المغرب والانضمام إليها .