المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري (الحلقة 20)

اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.

مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية

(الحلقة 20)

كثير من القراء يعتبرون أن ما نبذله من مجهودات لكي نصنع صمودا نقاوم به عنف الزمن المعتقل، هو منتوج فطري، خاضع للتمرين أو الترويض، كما هو الحال لدى الجنود، لذلك نؤكد بأن الصمود موضوعي قبل ان يكون ذاتيا، الصمود سياسي وليس إرادوي، فهو يستمد عناصر نشأته أو تشكله من البيئة التي تعيش فيها الذات. فمن كان محيطه قويا، كان صموده مؤسسا، ومستمرا او مستداما، حسب طاقة الوعاء الثقافي والاجتماعي الذي يحتضنه.

وقد سبق لي أن أكدت بأن جلادي مغرب سنوات الجمر الذين عايشونا، ونحن تحت ” رحمتهم ” أو قبضتهم، لا فرق، ممثلون فاشلون، يتظاهرون بالقوة ،،،هذا ما استنجته بعد أول استنطاق خلال إعتقالي الأول، فقد «استقبلني» المدعو ع ش ، رئيس فرقة مكافحة العصابات بمعقل المعاريف، بقهوة سوداء و سجائر ماربورو، متبجحا بطريقته المستوحاة، حسب ادعائه، من أمريكا، فتدخل مرؤوسه منبها إياه بأن رئيس الإستعلامات العامة قال له بأن المنوزي لا يشرب السجائر ولا القهوة، هو معروف بالخبز و أتاي..

كانت مسرحية تافهة أمام واقع التعذيب الذي لا يرتفع سوى على « الطيارة » والشيفون، لأول مرة أكتشف جلسات « معلقة » على وزن الحدائق المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع. هي أول مرة أستوعب فيها مغزى ومعنى قيمة الكرامة المفقودة، وفق ما وصفت به احدى معلقات الجاهلية « ابن المراغة »، يسألونك عن أمور معلومة لديهم، امعانا في الإهانة و التحقير، سلمت جسدي للتعذيب وحجزت معنوياتي في ثلاجة الجلد والصمود، ليس لأني أماثل سيدنا بلال ( الموعود والمعول على الجنة)، ولكن لأن قضيتي صامدة والإعتماد لا يكون إلا على الصمود الموضوعي/ السياسي، فمن انهار مشروعه واختياراته، سقط فريسة للفناء، يخلد الضحية ويفنى الجلاد، موتا بطيئا، وتخلد ظلاله فقط، لكن وصمة عار على جبين عهد قضى، إلا من مؤشرات التكرار.

فلكي نقيس مؤشرات صمودنا، علينا ان نتساءل من كان يسندنا ويقوينا خلال محنتنا؟ اي مشروع حملناه حلما ووعدا فتمثلنا بصموده في وجه الردة والانحراف ؟

بعضهم قال بأنني لم اشر إلى أسماء بعض المحامين الذين حضروا أطوار محاكمتنا، إثر الاعتقال الثاني يقصدون ، ارد بأنهم كانوا مجرد متفرجين وانتظاريين كما هو حال ” جهتهم ” الحزبية التي لم تنتدبهم أو لم ترخص لهم، لذلك نجدد التحية لكل من شذ عن السياق وآزرنا بعيدا عن أية حسابات ضيقة، وأشد على يد النقيب محمد الطيب الناصري رحمه الله والأساتذة عبد الله الولادي وعبد الكبير طبيح و سعيد انظام وياسين شكري ومحمد درعام ومصطفى الهسكر، وكل المحامين الذي تحايلوا على ” الإحراج ” فانتدبوا مساعديهم ونابوا عن الجميع دون استثناء، وجميع من آزروا بعضنا فقط.

والشكر موصول إلى مجلس هيأة المحامين بالدارالبيضاء بقيادة النقيب عبد العزيز بنزاكور، وطبعا نثمن ونحتفي بكل المجهود الذي بذله جنود الخفاء من المحامين، وعلى الخصوص الأستاذ امحمد التطواني، المناضل الاتحادي آنذاك، وعضو مجلس تعاضدية كلية الحقوق بطريق الجديدة، عن ولاية 1978 / 1980، و الذي تعرض للاعتداء وسرقت منه حقيبته من قبل ” البوليس السري” ، وبها بعض الوثائق المفيدة في القضية.

وكذلك الشكر موصول للأستاذ مصطفى كرين عضو المكتب الاقليمي الأسبق للشبيبة الاتحادية. موظف سابق في قطاع التأمينات، قبل أن يمتهن المحاماة، والذي رغم أنه كان مبحوثا عنه، تحت اسم محمد كريم، من طرف جهة أمنية محددة، تجهل هويته، ومطارد من قبل جهة أمنية أخرى تعرف جيدا أن محمد كريم هو نفسه مصطفى كرين؛ قام بأدواره المتطلبة كما يجب، وعلى الخصوص أنه من حرر عريضة نقض القرار الاستئنافي الذي رفع العقوبة ضدنا إلى اربعة اعوام مع الإبعاد عن الدارالبيضاء لمدة خمس سنوات، بالنسبة لكل من المنوزي وعميمي وعيوش؛ ورفع العقوبة الى ثلاث سنوات بالنسبة لكل من محمد حجار ومحمد بلمقدم وعبد الحفيظ الحجامي وعبد الواحد فتار، وسلمها للاستاذ محمد العربي صادق الشتوكي الذي تبناها ووقعها باعتباره محاميا مقبولا لدى المجلس الاعلى ( محكمة النقض حاليا).

وهنا لابد من استحضار روح الاستاذة الفقيدة رقية بجة والترحم عليها، والتي تفرغت طيلة ايام المحاكمة لمؤازرة طلبة المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ( عبد اللطيف زركل ومصطفى فارسي وأنس الحسناوي ثم الفقيد عبد الغني حسوني الذي كان يعتز بمحاميته ” الفراشة الماهرة ” كما يحلو ان يسميها ) .

هكذا كان حزامنا القانوني والمهني المنتج لمادة الصمود الحقوقي. أما عن صانعي الصمود الموضوعي والسياسي ، فرغم ظرفية الاعتقالات، وطبيعة الفترة الانتقالية العصيبة التي كنا نجتازها بحكم وقع الصراع التنظيمي والسياسي والايديولوجي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورغم حداثة البنية الجديدة لتنظيم الشبيبة الاتحادية ، حيث لم يمر سوى أقل من شهر على تجديد هياكل المجلس الإقليمي والمكتب التنظيمي، وتواجد أغلب المناضلين في السجون، على الصعيد الوطن، ناهيك عن الارتباك التنظيمي الحاصل في التواصل بين القواعد والقيادة.

فإن خصاصنا، في العلاقة مع الصمود الموضوعي، تم سده بفضل تفاني وتطوع وتضحيات جميع المناضلات والمناضلين، ودون الحديث عن العائلات والأمهات بالخصوص، فالكل ساهم حسب قدرته وإمكانياته، يصعب التمييز بين هذا وذاك، ولكن لأن المناسبة شرط، فلا مناص من التنويه والاحتفاء، على الخصوص، بكل من الأخ مصطفى نوامو والأخ عبد اللطيف فرحات و صالح البشرة ( صهر محمد وعبد الرحيم ازريع) ، والأخوين سعيد حسنين و شعيب فريخ ( عضوي المكتب السابق للشبيبة الاتحادية ) ثم لا يمكن أن نتجاهل عملية تمكيننا من الدروس من قبل الأخوين عبد اللطيف دويبي وعبد الرحمان بزاز بمساعدة كل من لحسن كصاب وعبد الناصر عطاف وكذلك مصطفى مزياتي، وغيرهم، مشكورين، عديدون، لأن الدعم المعنوي الذي يغمرنا كان عظيما، رغم صعوبة الظرفية وشح الإمكانيات، من هنا لابأس أن ننبه مناضلات ومناضلي المستقبل ( الذين يفترضوا ان الاعتقال ممكن في حقهم كضريبة للنضال )، بأن الصمود السياسي ووضوح الآفاق غير كافيين لدعم الجلد والصبر الذاتيين، بل لابد من توفير عصب الحرب كما يقول نابليون بونابارت، أو عصب الدعوة كما يعبر عنه الشيخ عبد السلام ياسين ، إنها الإمكانيات المالية.

ففي إطار التوقع وفق نظرية المخاطر، لا بأس من الادخار والتوفير تحسبا لكل الطوارئ. وهنا لابد من التنويه بمجهودات الرفيق المناضل محمد السمهري ( عضو م ع د ش ) و الملقب ب ” القائد “، لما أسداه من خدمات في هذا الصدد، وبهذه الروح المتفانية، متفرغا لصالح “حياتنا الجماعية ” من خلال حضوره الدائم في ” البارلوار ” ( غرفة الزيارة ) أو ” البانوار ” ( شباك ايداع السلة او قفة الأكل ) .

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *