اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية
(الحلقة 22)
صدر قرار محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء في حقنا، يؤيد الأحكام الابتدائية بالنسبة للبعض وترفع العقوبات بالنسبة للبعض، بإضافة سنة، ومضاعفتها بالنسبة لكل من محسن عيوش ومصطفى المنوزي ولعبد الرحيم عميمي، مع الحكم بإبعادهم عن الدارالبيضاء الكبرى، بعلة انهم معتبرون في حالة عود؛ وعلى الخصوص عبد الرحيم عميمي الذي سبقت محاكمته سنة 1976 بتهمة توزيع منشور التحريض على الإضراب ، وحوكم ابتدائيا بسنتين، واستئنافيا تم تخفيض الحكم إلى شهرين.
وكان قد حوكم بمعية كل من إدريس لشكر ولحسن القرني والهاشمي فجري وصلاح الدين المنوزي وسعيد لعلا، ومحمد الصفراوي وأمينة أوباري وخديجة مشكور وأمينة لشكر والطاهر وديعة وصالح سعد الله كمجموعة أولى، ثم محمد بوشطو ومحمد مرزاقي وخالد بويزم ومحمد نصيح واحمد جودار ومحمد لشكر ومحمد تيرس كدفعة اعتقلت لاحقا.
وفي سنة 1981 اعتقل عبد الرحيم مرة ثانية، إثر أحداث 20 يونيه وحوكم في إطار تلك المحاضر المعروفة بعبارة “”استهوتني المظاهرة فانخرطت فيها “” ، طبعا حوكم إلى جانب عديد من أطر ومناضلي الكنفدرالية الديموقراطية للشغل بقيادة محمد نوبير الأموي ولكبير البزاوي وعبد الرحمان شناف ومحمد لمراني، والنقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين، على رأسهم مولاي عبد الله المستغفر الإدريسي. بالإضافة إلى منتمين للاتحاد وهم مصطفى القرشاوي ومحمد كرم وآخرين.
وكان عميمي قد حوكم بسنة ونصف حبسا نافذا، قضى ثلثي العقوبة بالسجن الفلاحي (العاذر) بناحية مدينة الجديدة، في حين كان قد قضى ثلث المدة تقريبا بالسجن المدني غبيلة؛ وهي فرصة خولت له إمكانية التعرف، عن قرب، على القيادة المسقبلة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعلى الخصوص المرحوم مصطفى القرشاوي الذي كان يقضي أغلب وقته في القراءة والكتابة، وخاصة فيما يتعلق بالتجديد في نظرية الإشتراكية الديموقراطية، والتي سنلمس ملامحها في أدبيات المؤتمرات اللاحقة. لقد تم ترحيله، أي عميمي، وآخرين، إلى سجن “العذير ” الفلاحي، لأن الإدارة كانت تحضر لاستقبال معتقلين جدد. وتحضرني لحظة إيداعنا، نحن المجموعة عشرة ( يوسف التمري ومراد كوثري ومبارك بيشارة من كلية الطب، ومحمد جرحو من كلية الحقوق وأحمد بلقاضي من المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، وعبد الإله رفاق وخالد عزام ومصطفى اللوزي وعبد العزيز مهداوي من كلية العلوم )، معتقلي دجنبر 1981، في السجن المدني، وأذكر لحظة استقبالنا ، في الحي اللاتيني، من قبل المناضل محمد لمراني أحر استقبال، ومدنا بالأكل ومواد النظافة؛ وكان أحدنا قد انبهر قائلا ” الله الدوش سخون والبسطيلة، لوكان عرفنا هاكذا داير الحبس كون جينا ليه برجلينا شحال هادي “.
وهي حياة جماعية، بنرجسيات فردية متعددة لعدم الانسجام؛ سأعود إليها لاحقا، حياة لا تماثل ” حياة بيضانسي ” الثانية ، حيث ” جمعتنا الأقدار مع عبد الرحيم عميمي ، هذه المرة ك” ذوي السوابق “. وفعلا استفدنا من التجربة السابقة، وخاصة بالنسبة لعميمي الذي استثمر “شبكة علاقته” مع موظفين الإدارة والحراس المربين و قدماء سجناء الحق العام، المشغلين في المطبخ والمصحة وأيضا المسؤولين عن التدبير الذاتي للحي اللاتيني، مما بوأه مكانة خاصة في العلاقة مع تيسير الخدمات ” غير الممأسسة ” وغير المرخصة مبدئيا داخل السجون.
وإذا كان لا مناص من الاعتراف؛ فإن الفضل يعود لعميمي في تيسير إدماج الكثير من حديثي العهد بتجربة الاعتقال، كان مساعدا لهم ومتضامنا ونصوحا ومبادرا ومكونا، ورغم كل اختلاف مفترض، فكان يقتسم معنا زاده المعرفي والمعلوماتي ، ينبه ويحذر ويرشد ، وعلى صعيد الالتزام والوفاء الحزبي فلا احد يستطيع منافسته ، فهو من القلائل ، من بين من عايشتهم منذ استقطابي التنظيمي الرسمي سنة 1979، الذين ظلوا صامدين في وجه القمع والتحريفية ، مخلصين لمسار الحركة الاتحادية الأصيلة.
فمنذ واقعة طرد المكتب الإقليمي للشبيبة الاتحادية من طرف الكتابة الإقليمية سنة 1979 ، ظل ، صحبة قلة ممن ” ورثناهم ” كتركة حزبية عائمة ، كأطر و موارد بشرية ، يكافح من أجل الحفاظ على المكتسبات التنظيمية والسياسية والذاكرة، بالدفاع عن استراتيجية النضال الديموقراطي كما صاغها المؤتمر الوطني الثالث للاتحاد الاشتراكي، والتي في ضوئها صغنا مقاربتنا السياسية للمرحلة، حزبيا وجماهيريا، في القطاع الطلابي والتلاميذي والعمالي والمجال الحقوقي ، رغم تعثرنا في بلورة قطيعة مع سلوكات وادبيات تصريف الصراع، سابقا ، داخل الحزب وفي مواجهة الخصوم السياسيين والطبقيين ،سياسيا ايديولوجيا ، ورغم محاولات تجديد التفكير والتنظيم ، عبر التكوين النظري المكثف كأولوية ، فالصراع لم يكن فكريا بما هو مهيكل و مؤسس للبديل المنتظر، وإنما غالبه كان يتخذ شكل حزازات ونزاع شخصاني ، وتخوين وكولسة وتنكيت.
ومن باب الاعتراف نمر الى خانة الإنصاف لكي نؤكد على أن معاناة كثير من المناضلين ومن بينهم الأخ عبد الرحيم عميمي لا يمكن اختزالها فيما تعرضوا من إعتقال وقمع، ولكن في عدم تقدير ما يختزننوه من ملكات وكفاءة سياسية وفكرية، وعدم إعتبار ما يملكونه من قدرة على العطاء والتضحية بسخاء ، لولا خيانة الصحة وخذلان مقتضيات الزمن السياسوي وآفاقه الانتظارية أوالمغامرة .
ومن باب الإقرار للتاريخ النضالي وللجغرافيا السياسية، رافقت عميمي وصاحبني لمدة لا تتجاوز – حسب الزمن الحزبي والتنظيمي – نصف عقد ، بما فيها مدة الاعتقال ، تبدو قصيرة، ولكنها مكثفة ونوعية وثرية بالانجاز والبناء التنظيمي والتكوين والاحترام المتبادل، على المستوى المحلي والوطني، لم تكن علاقتنا ذاتية وحميمية بما يكفي ، ولكنها متينة موضوعيا، كنا نخطئ في حق بعضنا البعض ، ولكنها تلك الأخطاء تحصل في الممارسة فقط ؛ رغم أن بعض المحيطين يحاولون ” الإرتقاء” بتلك الفلتات إلى مستوى الخطأ في المبدأ، فكيف يتأتى لهم ذلك ونحن تعاهدنا، وتمثلنا، عن وعي واقتناعنا الصميم وحرية اختيار ، أن ” الاختلاف في وضوح أفضل من الإتفاق في غموض ” .
ولا يسعني إلا ان أشكر ” حياتنا البضانصية ” التي وفرت البيئة الملائمة لاختبار قدراتنا على التساكن والتعايش ، و ” نشكر ” العقل الأمني الذي ، وإن منعنا من اجتياز الامتحانات الدراسية ، فقد ” رخص” لنا ، رغم أنفه ، أن نعيد الإعتبار للمشترك الذي يوحدنا، وحفظ أسرار توافقنا على خلق بدائل ما قبل آخر بديل وليس بأخير، وكذا ترسيخ قيمة التسامح الذي توفقنا في إختبارها العسير ، وتخطينا كل المعوقات التي تحول دون تجويد علاقتنا العتيدة، وكل إرادة لتأهيل توثيق ذاكرتنا النضالية بخلفيات أسباب النزول المبدئية، لأن الرهان الجوهري في آخر التحليل هو الاحتكام لضمير الذاكرة والحقيقة الحزبية .