المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري (الحلقة 23)

اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.

مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية

(الحلقة 23)

دون غلو في الإفتخار وبكل تواضع يقتضيه واجب التثمين الذاتي، ودون التفريط في حقنا بالاعتزاز بدورنا كمجموعة داخل السجن المدني بالدارالبيضاء، خلال فترة اعتقالنا إثر الخطاب الملكي ليوم 22 يناير ، فقد شاءت الأقدار أن نشكل قطب الرحى في العلاقة مع كافة المعتقلين باختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية والمذهبية، والحزبية على الخصوص، سواء من حيث بنية الاستقبال أو التواصل او التضامن.

ولقد خولت لنا هذه الخصال أن نلعب دور الوساطة فيما بين المجموعات المتباينة ، او بين بعض المجموعات والإدارة السجنية، وهذه الممارسة من أجود ما اكتسبناه بمعناه القيمي، في العلاقة مع تعلم حسن تدبير الاختلاف، وبالنسبة لمقاربة البعض منا، فكانت تعتمد الإنطلاق من ضرورة وجدوى تدبير المشترك، بعد جرد عناصره الموجبة، وتحديدها، ثم تشخيص كل إمكانيات الإلتقائية.

وكانت الإدارة نفسها ترتاح لهذه البيئة آخذة بعين الإعتبار عواقب اللعب على التناقضات المفترضة، والتي كنا نقدر عفويا بأنها ثانوية أمام الإدارة كامتداد لعقل الدولة الأمني، رغم أنه في سجون مماثلة يتم استثمار كل التناقضات الممكنة، وحتى لا نغبن غيرنا داخل الفضاء السجني الذي كان يأوينا، فما عدا بعض التشنج المذهبي والتعصب السياسي، فحيواتنا الجماعية كانت مؤطرة بالاحترام وحسن الاعتبار، والفضل طبعا يعود ل ” وكلاء ” كل مجموعة على حدة؛ طبعا عشنا لحظات عصيبة شذت عن السياق المذكور ونعتبرها، بعد المعاينة والتقييم، بمثابة الاستثناء، الذي يؤكد القاعدة.

ولكم أن تتصوروا الصعوبات التي كانت تعترض هذا البناء، أي تشييد وعاء للتساكن والتعايش، في ظل اختلاف المنابع تشعب المصبات. فمن أجل ترتيب المرحلة ، عمدت الدولة إلى اعتقال قيادات وأطر أحزاب وهيئات وجمعيات سياسية ودعوية أو بخلفية دينية، وبالموازاة، إن لم نقل بالمقابل؛ دعم نظيراتها في المشهد السياسي، العلني والسري. فبغض النظر عن السياق العام الذي فرض على الدولة اعادة النظر في مكونات قاعدتها الاجتماعية، في العلاقة مع الشرعيات، الدينية أو التاريخية أو الوطنية الاجتماعية، وحاجة المؤسسة الملكية إلى اعادة التوازن بتأهيل الارتباط العضوي مع الحركات الإسلامية الموالية أو المنافسة للأصولية الدولتية؛ بصرف النظر عن هذا السياق العام؛ فإن الدولة في شخص رئيسها، وفي ظلال تصاعد المد الشيعي إثر قيام الثورة الإيرانية، حيث بدأ يتقوى نفوذ ولاية الفقيه كثورة دائمة وكخيار استراتيجي عابر الحدود، قرر أن يؤكد للعالم، على أنه ليس فقط ” قائد سياسي مؤمن ” وانما ايضا ” أمير المؤمنين قوي .

وكان خطابه الشهير ‐ إثر انتفاضات 1984 ، والتي اندلعت عشية المؤتمر الإسلامية – واضحا في محاولة إبداء الإرادة والإستعداد لمواجهة الخطرين الشيعي والشيوعي معا. فإذا كان أغلب اطر ومناضلي الحركة الماركسية في السجون والمنفى، وبالتالي فإن ما جاء من تفخيم وتهويل في الخطاب، ما هو إلا مبرر لإخلاء الساحة والسبيل للمقربين من الدولة، حتى لا نقول لفائدة ” التائبين ” والعملاء رغم أن الحركة الاسلامية أنشأت أصلا لمحاربة الحركة التقدمية والديمقراطية، قبل أن ” تغير ” مشروعها من تلك الادوار الاستئصالية ( العنيفة ) إلى مطلب إقامة ” الدولة الإسلامية ، وتصطف في خانة المعارضة للنظام ؛ وفي هذا السياق تأسست النواة الجنينية لأسرة الجماعة سنة 198 ، قبل ان تغير اسمها الى جماعة العدل والإحسان ، والتي اعتقل قياديوها بسبب منشورات الشيخ ياسين، في جريدة الصبح، والتي كانت تعتبر ” نجاح الثورة الإيرانية دفعة قوية للمد الإسلامي ودعما قويا لمشروع إقامة دولة الخلافة، كنموذج بديل للأنظمة السياسية القائمة. وكان من بين من شملهم الاعتقال واودعوا، معنا، بسجن غبيلة المرحوم محمد البشيري احد الوعاض المشهورين بالدار البيضاء ، والذي نقاشاته دعوية وخلافية جدا .

وبالنسبة لمعتقلي مجموعة 71 ” المنسوبين للشبيبة الإسلامية ، والمتهمين بمحاولة قلب النظام بالعنف، فقد تم انتقاؤهم، باعتبار أغلبهم من الرافضين للاندماج، وفي هذا الصدد فقد كانت الأحكام قاسية في حق أغلبيتهم، خاصة من نسب اليهم الانتماء إما لفصيل ” فصيل الجهاد ” و ” جماعة الحق ” ، و” حركة المجاهدين بالمغرب ” ، و ” مجلس أهل الله ” و ” شبيبة الثورة الإسلامية ” ، وقد صدرت في احكام قاسية يوم 31 يوليوز 1984 ( عبد الكريم مطيع الإعدام غيابيا ) ، من قبل غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، برئاسة مولاي أحمد الغزواني، وهو نفسه الذي قضى في حقنا تلك العقوبات القاسية مذعنا لإرادة العقل الأمني. مما يوحي أن ما وحدنا، كمعتقلين ضحايا ” النظام ” هي وحدة المحنة والمصير، وهذا ما عزز نوايا نحو التعايش وتدبير الصراع الفكري والسياسي سلميا وحضاريا، خاصة مع البهائيين الذين كانوا مسالمين بشكل ملفت للنظر، وعلى رأسهم الدكتور موعياد، الذي اكتشفت في السجن بأنه ايراني الجنسية ، فقد كان الطبيب الرئيسي، سابقا، بمستشفى قرية الجماعة، وكذلك رفيقه محمد العلوي، ربان في الطيران المدني المغربي، وزوجته الإيرانية. بالإضافة الى مشكور والاسماعيلي والذين اعتقلهم العامل احمد مطيع إثر مطالبتهم بعزل مدافن البهائيين عن مقبرة المسلمين.

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *