المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري (الحلقة 27)

اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.

مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..

(الحلقة 27)

قبل أسبوعين من اعتقالنا الرسمي الأول ، أي ما بين تاريخ اجتماع مجلس التنسيق الوطني للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وتحت رئاسة من تبقى من أعضاء اللجنة التنفيذية لأ. و.ط.م وهم محسن عيوش وحسن السوسي من منظمة ع د ش ، ومسعود بوعيش من الاتحاد الإشتراكي و عبد الرحيم بنصر ومحمد العلوي من حزب التقدم والإشتراكية . إثر القرار التاريخي السيء الذكر الموجه إلى المؤتمرين من بين أنصار جناح داخل المكتب السياسي للاتحاد الإشتراكي ، بالانسحاب من فعاليات المؤتمر الوطني السابع عشر لأ.و.ط.م ؛ هذا القرار الذي تلاه إدريس لشكر آنذاك ، يوم كان حليفا لمحمد اليازغي ( الحلقة 28 ستكون خاصة بهذه الواقعة ) .

بين تاريخ هذا الاجتماع الذي تقرر فيه خوض إضراب وطني في جميع الكليات والمعاهد والمدارس العليا ، وبين تاريخ تنفيذ هذه المعركة النضالية الطلابية ، أي ثالث دجنبر 1981 ، وفي إطار إفشال هذة المعركة ، عمدت مصلحة الإستعلامات العامة إلى استدعاء عدد كبير من أطر ومناضلي المنظمة الطلابية .

وباعتباري حضرت الاجتماع ممثلا لتعاضدية كلية الحقوق بالدارالبيضاء ، بصفتي نائب الكاتب العام للتعاضدية المنتخب ، أو الكاتب العام (ممارسة) الفعلي، إثر انسحاب الكاتب العام المنتخب ، وهناك ، عند مدخل المكتب رقم 25 ، بمفوضية المعاريف ( تم هدمها مؤخرا بدعوى تحويلها إلى مقر رئيسي للفرقة الوطنية للضابطة القضائية ) ، هناك وجدت الصديق والرفيق مصطفى الشناوي ، النائب البرلماني حاليا عن فدرالية اليسار الديموقراطي .

تم استنطاق كل واحد منا على حدة ، وسألوني عنه وأنكرت اية علاقة لي به ، عدا كونه طالبا بكلية الطب . ومنذئذ لم أره إلا يوم زيارته لي في السجن المدني، قبل صدور القرار الاستئنافي برفع العقوبة إلى خمسة أشهر إلى سنة نافذة . سعدت كثيرا بزيارته لي . وهنا لابد أن أثير واقعة لا زالت عالقة بذهني ، وهي ان أحد المعتقلين ، الذي كان يعتقد أن الشناوي زارنا بصفته من فصيلهم ، اي فصيل الطلبة القاعديين ، فقلت له بأنه فعلا ” زاركم ” ، ونظرا لحسي التحفظي واليقظ ، اعتبرت انه ، من الناحية الأمنية، ليس كل شيء يقال ، خاصة وأن موعد انعقاد محكمة الإستئناف لم يعين بعد ، والملف لم يحفظ بعد ، وكانت إدارة السجن تسجل أسماء الزائرين . وقد تأكد حدسي وتوقعي ، فقد تم ضبط بيان حاول نفس الشخص تهريبه عبر البارلوار اي المزار ( مكان الزيارة ) ، حرره بإسم من معه من الطلبة القاعديين ، وبالمناسبة كنت الاتحادي الوحيد .

تم نقلنا إلى السجن المدني لعين البرجة ، وهناك التحق بنا كل من عبد الكريم الجرموني وعبد الإله الهيري ، في حين ظلت نجاة سفير ، عضو مكتب التعاضدية ، ( زوجة الفقيد المناضل محمد جابر ) . حوكمنا من جديد استئنافيا ، فأيدوا الأحكام الابتدائية ، مثلا ، بالنسبة ليوسف التمري ، بخمسة أشهر ، ومراد كوثري بستة أشهر . في حين رفعوا العقوبة بالنسبة لي من خمسة أشهر الى عام نافذ ولمحمد جرحو من ستة أشهر الى سنة حبسا نافذا .

أما عبد الإله الهيري وعبد الكريم الجرموني ونجاة سفير فقد تم تعديل الحكم في حقهم وحوكموا بالمدة التي قضوها في السجن . ولحد يومه لم أفهم السبب في رفع العقوبة ، خاصة وأن تاريخ محاكتمنا صادف واقعة الإفراج عن الفقيد عبد الرحيم بوعبيد ومن معه من بين قادة الاتحاد المعتقلين على خلفية واقعة ” عدم قبول القرار الملكي بإجراء الاستفتاء ” .

قضينا العقوبة كاملة ، ومن حسن حظنا أنني اجتزت الامتحان بمعدل جيد وبميزة ، وحصلت على دبلوم الدراسات الجامعية العامة ( DEUG) ، مما خفف من وطأة الاعتقال بالنسبة لي ، والمحنة بالنسبة لابي وأمي والعائلة . وبعد خروجي من السجن واصلت دراستي ونضالي ، بنفس الوفاء والحماس .

ومن بين المعطيات التي تقاسمتها مع رفاقي ، والذين كنت أبعث اليهم ” توصيات وتحذيرات ” بعدم زيارتي ، لأسباب أمنية ، خاصة وأننا كنا في فترة انتقالية ، والصراع داخل الحزب لم يستنفذ بعد شروطه الذاتية ، المعنوية والتنظيمية ، ناهيك عن توتر العلاقة مع خصومنا السياسيين ( في قيادة الحزب) مع تناقضنا الرئيسي ، وهو مسار تكبر يوما عن يوم تعقيداته ، والتي تفاقمت اكثر في موقعة ثامن ماي ، بسبب الازدواجية في التنظيم والاصطفاف والخطاب السياسي والفكر . وهنا لابد من التأكيد على ان واقعة لقائي بمصطفى الشناوي اخترتها كمعطى نموذجي ، ينبغي ان يحتذى به من بين وقائع كثيرة ونماذج مختلفة . فإرتباطي به ، لم أستطع تذكر اسباب نزوله ، هل حضوري في تظاهرات طلبة كلية الطب ، خاصة تلك المعارك التي خاضها طلبة السنة الرابعة ، حول المناهج ومحتوى الدراسة والامتحانات ، والتي توجت باعلان الوزارة الوصية عن ” رسوب جماعي ” بالنسبة لهؤلاء الطلبة ؛ أم سببها لقاءاتي مع مجموعة من الرفاق ، في حلقات تنسيقية سرية ؟ ولكن الأكيد أنه يعرف عني ما هو معلوم للجميع ، وكذلك أنا فاعل .

والمهم أن الفضل يعود بالتأكيد لصديقاتنا وأصدقائنا المشتركين ، على رأسهم الصديق والأخ المناضل عبد اللطيف عابري ، زميل ابن عمي عبد الرحيم بكلية الإداب بالرباط ، إلى جانب مصطفى حيدة وعبد الرحيم التباني ومحمد اللوزي ، وبالمناسبة لابد أن أقدم تحية خاصة لوالدته الفاضلة مي هشومة ، والتي أتمنى لها ولجميع امهات المناضلين واامناضلات تمام الشفاء . وسعاد محسن ، التي كانت صديقتي منذ سنة 1979 يوم كانت طالبة بشعبة العلوم الاقتصادية بكلية الحقوق .

واستمرت الى يومه ، بكل وفاء ، وأتذكر يوم فاجأتها برسالة من السجن على عنوان محل إقامة والديها بحي بلاطو . وهي إشارة على أن ” الأجهزة الأمنية ” يعرفونها ضمن ” تنظيمنا” ، وارجعت الي الرد (هكذا فهمت او أولت المعنى ) بإشارة وهي أن عبارات رسالتي جميلة وبفرنسية قوية وراقية ” . وبفضلهما تعرفت على محماد رومان وعبد الله باحسين ، هذا المناضل (الصامت ) والجندي الخفي الذي وفر منزل عائلته الواسع لإيواء عدد كبير من المناضلين ، وكان آخر فوج استقر بتلك الدار يتكون من كل من الأخ عبد الوهاب أكحيري (شقيق الفقيد المناضل المصطفى أكحيري رفيقي في لجنة القطاع الطلابي الوطنية لرفاق الشهداء ، عن تنظيم مراكش ، إلى جانب لحسن آيت ثوير) ، ثم محمد بيفقيرن صديقي وزميلي ورفيقي منذ أن كنا عضوين في تعاضدية كلية الحقوق الى زملاء بهيأة أكادير ، وطبعا مصطفى الشناوي وزوجته الطبيبة سهام الصقلي ، فحسن الرحوة ابن تارودانت والذي تعرفت عليه يوم كان قاطنا بمعية الدكتور لحسن بولحيان إبن أكادير ، وهما معا الآن في مدينة مراكش ، الاول اختصاصي في الأمراض النفسية والعقلية ، والثاني طبيب اختصاصي في التحليلات ” الأناباطولوجية ” و الصديقة فاطمة أصواب الطبيبة حاليا، و الفاعلة الحقوقي والأخت والصديقة يزة كاهم رفيقتي في التنظيم الطلابي ” لائحة المهدي وعمر” ، زارتني مرارا في السجن ، وهي محامية حاليا بهيأة الجديدة .

بالإضافة إلى الفقيد محمد فوزي ، الذي ظل رفيقا ، في بنسركاو واكادير ايضا ، إلى أن رحل عنا ، وهو من عائلة مقاومة معروفة ، فعمه الموظف سابقا بمحاكم اكادير كان صديقا للعائلة جمعاء . وللتذكير دائما لابد من التذكير بالأخت عائشة أبو العلا زوجة المناضل عبد الغني الراقي ، عضو المجلس الوطني لمنتدى الحقيقة والإنصاف والقيادي في الك د ش ، وعضو المؤتمر الوطني الإتحادي . وكذلك المناضل القصري عبد السلام لعزيز ، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الإتحادي ، وهو رفيق لي في النضال ، سواء خلال الحياة الطلابية أوالسياسية أوالحقوقية .

أي منذ علاقتنا التنظيمية يوم كان طالبا بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ، ثم بعدها إلى يومه ، مرورا عبر الفترة العصيبة التي توافقنا ، كل من موقعه ، على إعادة تشكيل مرحلة ما بعد سنوات الرصاص ، في أفق تحقيق شعار الوحدة والديموقراطية .

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *