اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..
(الحلقة 35)
عام 1980 كان حافلا بالوقائع السياسية والاجتماعية والثقافية في العلاقة مع مساري الحياتي، فباستثناء عملية الاختطاف السياسي التي اشرت إليها في الحلقة 34، وما خلقته من تصدير لفوبيا “الاختفاء القسري” كما يحلو للغة الحقوقية ان تنعته، تهذيبا وتخفيفا من روعه، وخاصة بالنسبة لمن اكتوى بناره وفظاعاته؛ فإننا عشنا لحظات نضالية كيفية، ساهمت في إذكاء روح الإقدام ودقت ناقوس المسؤولية والجدية و الحيطة والحذر.
وعلى أساسه وسعنا من ملكات التكوين والتلقي الثقافي والتواصل المعرفي، في النظرية والممارسة الحزبية والنقابية بالقطاع الطلابي، فلا مناص في هذا من الاعتزاز، على سبيل المثال، بكل من امحمد التطواني ومحمد بيفقيرن ولحسن والعياض ومنية شادي وطبعا عبد الرحيم عميمي واليزيد البركة، كل من موقعه و “مجال تخصصه”.
فهم يستحقون جملة واقترانا كل الإعتراف لما اسدوا لي ولكل المرشحين والناصرين والعاطفين الذين “توفقت في استقطابهم” سواء، لفائدة التنظيم الحزبي او للقطاع الطلابي او الفعل المدني. دون أن أتجاهل الروح التضامنية التي يتحلى بها كل من محمد حجار ونجاة إخيش وسعيد حسنين ومحمد زكي وشعيب فريخ وعبد اللطيف دنيال، فقد شكلوا بالنسبة لي أجود بنية استقبال، بإنسانيتهم وعفويتهم وتواضعهم، مما أهلني لنيل ثقة المناضلين في قطاع الشبيبة الاتحادية وانتخابي أمينا للمال بالمكتب الإقليمي للشبيبة الاتحادية، وفي القطاع الطلابي تم تأطيري ضمن الخلية “القانونية” بكلية الحقوق بالدارالبيضاء، وعلى إثرها انتخبت نائب الكاتب العام لتعاضدية كلية الحقوق، في إطار أوطم، إلى جانب كل من محمد بيفقيرن ( أمين المال ) ولحسن والعياض ( مكلف بالشأن النقابي ) ومحمد حجار ( مكلف بالشأن الثقافي ) ونجاة إخيش وحكيم بن الرداد ومصطفى مرضي وبوبكر رضوان و لم أعد اتذكر العضو التاسع…
لقد ترشحنا تحت يافطة لائحة المهدي وعمر من اجل الوحدة والديموقراطية، وهذا لا يمنع من الاحتفاء وتكريم الصديقة نجاة سفير التي اعتقلت معنا سنة 1981 وحوكمت في مسطرة ثانية، والفقيدة حبيبة الزاهي، في ظلال رحيلها، رفيقتها في لائحة الطلبة القاعديين. واللحظة الثالثة التي سيظل تاريخ الحركة الطلابية والرأي العام البيضاوي والنخبة السياسية والمثقفون يحتفون بها، حينما نظمنا الأسبوع الثقافي الاول خلال مرحلة رفع الحظر عن منظمة الأ.و.ط.م، وفي كلية مستقلة عن جامعة محمد الخامس بالرباط . وذلك بفضاء الكتدرائية المسيحية، والتي أعارتها مؤسسة الفاتيكان لكلية الحقوق لاستغلالها ملحقة للتدريس والأشغال الموجهة (TD) .
وكان البرنامج حافلا ومتنوعا ومتعددا من حيث المواضيع و الفعاليات المؤطرة . وأهم ما سطر فيه هو: الحركة الطلابية والصراع الطبقي بالمغرب . التعليم في برامج الأحزاب السياسية . الطبقة العاملة والحركة النقابية بالمغرب. الاعتقال السياسي وحقوق الإنسان. أمسية شعرية وفنية ملتزمة. وعلى هامش التظاهرة نظم معرض لصور ولوائح المعتقلين السياسيين والشهداء، ومن المؤطرين، أتذكر انه شارك كل من الفقيد عبد الواحد بلكبير واليزيد البركة و الفقيد احمد بنجلون وفؤاد عبد المومني.
وهنا لابد من التنويه وتجديد الامتنان للدكتور امحمد بناني عميد الكلية الذي دعم الأسبوع وفرض على عمالة الدالبيضاء ان تقبل وترخص بتنظيمه بالكنيسة موفرا حافلات النقل، ذهابا وإيابا من وإلى الحي الجامعي. ناهيك عن حرصه الشديد على عدم السماح لقوات “القمع” على اقتحام الحرم الجامعي.
والمرة الوحيدة التي عاينت فيها خرق التقليد يوم نظمنا جمعا عاما أطره رئيس المنظمة محمد بوبكري. وللشهادة يقدر ابناء الحركة الوطنية. وفي سياق احتفائي بذاكرة الوقائع والمواقع تحضرني عدة لحظات قوية، اللحظة الاولى هي عندما حاول بعضهم توزيع رسالة النقد الذاتي “الشهيرة التي حررها آنذاك بعض معتقلي الحركة الماركسية اللينينية من بينهم الرفيق بالعباس المشتري وأمين مشبال ويونس مجاهد وعبد الله المنصوري …فعم التوتر والفوضى القاعة.
واللحظة الثانية هي عندما حاول المناضل محمد فلاحي تمزيق لائحة الشهداء بدعوى أننا لم نحدد فيها من “سقط في الجبهة” ومن “استشهد بسبب الإضراب عن الطعام” ومن “استشهد تحت التعذيب” وخوننا آنذاك وقال ب “أنكم كلكم خصكم تتحاكموا”، وأهم وأعظم لحظة تخصني هي اللحظة الرائعة التي أهداني فيها، صديقي وزميل الدراسة بالكلية الشاعر عبد الحق ضريف، مناضل في حزب الطليعة قصيدة عن ابن عمي الحسين المانوزي المختطف، أعقبتها لحظة حقوقية بامتياز أبدع فيها المناضل الرفيق فؤاد عبد المومني والذي فصل، ولأول مرة في تاريخ التظاهرات، في بسط حقائق ووقائع الاختطاف من تونس إلى المعتقل السري بوان فيكس 3، كنا ندعوه خطأ دار المقري .
كان أسبوعا ناجحا بكل المعايير، ولازال وقع عبارة الفقيد أحمد بنجلون يتردد في ذاكرة مسامعي، حينما قال: كيف لي أن أعالج موضوع الطبقة العاملة والحركة النقابية في كنيسة بهذه العظمة، محاطا بهيبة التشكيلات والرموز الروحية، إن الأمر قد يكون صعبا أمام هول هذا الفضاء الذي ألجه لأول مرة في حياتي مكرها لا بطل.
كانت التظاهرة ثقافية بامتياز وتوصيات كانت بمثابة دفتر تحملات وخريطة طريق لمأسسة الصراع فكريا وسياسيا والرفع من مستواه، وعلى أساس ذلك انشغلنا بالتكوين ، محاولين تمثل أدبيات “أنتي دوهرينغ والانفجار العظيم” لكن الزمن السياسي اسقطنا في فخ الحروب الصغيرة المفرزة للانشقاق العظيم.