اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..
(الحلقة 37)
يوم قررت لجنة مختلطة تضم عددا من الأطر والمناضلين بالإضافة إلى من تبقى في القيادة التنظيمية والسياسية من جناح الاتحاد الاشتراكي / اللجنة الإدارية (رفاق الشهداء أو رفاق المهدي وعمر) تغيير إسم الحزب، في بحر 1991 في أفق عقد مؤتمر إعادة التأسيس تحت إسم حزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي إيذانا بالاستقلال القانوني والتنظيمي (سينعقد سنة 1994 بالمركز التربوي بدرب غلف، ويامكر التاريخ في هذا المركز انعقد المؤتمر الثاني للشبيبة الاتحادية وتمت القطيعة بين شبيبتي الحزب سنة 1983).
أحسست وكأن زلزالا عظيما قد وقع، تحجرت الدموع في عيني وفارت الدماء في جسمي، وانتابني نفس الشعور الذي ساورني يوم انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وقمت على التو باسترجاع صورة القائد ياسر عرفات، على باخرة الرحيل، وهو يلوح بعلامة النصر ويده ترتعش، كان مصابا جللا مؤلما، ومصيبة غير جليلة ذلك الانشقاق / الإنفجار الذي لم يشبه ولا يتماثل مع الانفجار العظيم الذي شكل العالم، بقيت في صفوف الحزب الأم، إيمانا مني بأن الصراع يتم داخل الوحدة طبقا لقانون المادية الجدلية (قانون وحدة وصراع المتناقضات) ، لم تبق سوى الذكريات، تلك الأيام التي كنا نداولها، استئناسا بأمهات الكتب المعرفية، أنتي دوهرينغ لفريديريك انجلس، الذي حال الواقع الحزبي المغربي دون ان نستوعب منه دروس « الانفجار العظيم ».
احتفظت بعلاقاتي الإنسانية مع رفاقي في الطليعة، وتعمدت أن أودع طلب تسجيلي في جدول المحامين بأكادير كمحام رسمي اثر حصولي على الأهلية، يوم ثامن ماي 1990، تذكرا للمحطة الشهيرة التي صفع فيها بنشمسي، عامل الرباط وسلا انذاك في 1983، المناضل الصلد والنقيب النزيه عبد الرحمان بنعمرو، صفعه بتلك اليد القذرة التي اعتقلت الحسين المنوزي في 19 يوليوز 1975 بعين عودة وسلمته للدرك الملكي، بعد فراره من المعتقل السري النقطة التابثة ثلاثة، ومنذ ذلك الحين لم يظهر له أثر.
وظل الأستاذ بنعمرو، الذي تعمد العقل القضائي والأمني، إطلاق “مجموعة بنعمرو” على الملف بنية تضليل الرأي العام بأن الأمر يتعلق بانتهاك حرمة مسكن الغير، وذلك بغية إخفاء حقيقة الصراع السياسي بين جناحين داخل الحزب.
لقد ظل سي عبد الرحمان حاملا لأغلب القضايا الحقوقية، مرافقا لعائلات المختطفين في ردهات المحاكم والمنابر الحقوقية، بعد أن حضر كمحام ووفق ما يقتضيه القانون، عمليات تنفيذ الإعدامات في حق شهداء الحركة الاتحادية، لذلك سنظل أوفياء له، منافحين عنه، ضد كل الأيادي الوسخة والألسنة القذرة التي تسبح لغير ملك القدوس الوهاب، فدمت يا عبد الرحمان منتصب القامة ومشرئب الهامة؛ والرحمة على كافة الشهداء من طينة ثريا الشاوي ومي فامة، فهو مسار عظيم لم تنل منه تلك الوشايات الصغيرة ولا الوشوشات الدنيئة التي تروم التضحية بالإستراتيجيا من اجل التكتيك والفرفارة، كما حصل في مجزرة ثامن ماي، التي كان كل شيء فيها فوقي ومغامرة.
عشنا لحظاته بتفصيل دون أن نشارك في تقرير مصيره وتداعيات الإنشقاق القسري. فلن ننسى يوم بادر إلى مؤازرتنا أثناء محاكمتنا استئنافيا في ربيع سنة 1982 ورغم انه تم رفع العقوبة في حقي من خمسة أشهر حبسا إلى سنة نافذة، فإنني كنت سعيدا ومعتزا بترافع سي عبد الرحمان و تأكيده على انتمائنا الاتحادي وتمسكه به، داحضا تهمة انتمائنا إلى “منظمة رفاق الشهداء المنضوية تحت لواء إلى الأمام”، وكان الأستاذ علي الكتاني قد آزرنا ابتدائيا لكن غاب أثناء الإستئناف وقيل لنا لاحقا أنه غضب مما جرى في ملف مماثل ترافع فيه، نسب فيه بأن أحد المتهمين سلم رسالة استعطافية لفس هيئة الاستئناف والتي خفظت العقوبة لفائدة كافة المتهمين في تلك المسطرة.
وبالنسبة لي كانت أكبر حجة على أننا مختلفون ومتميزون ومزعجون، رغم غلاء كلفة هذه الشهادة. وأذكر انه بعد مغادرتي للسجن، زرت النقيب بنعمر في مكتبه، ووجدت عنده الفقيد أحمد بنجلون في طور التمرين، وطرحت عليه موضوع المنحة التي حرموني منها، رافقني إلى المصلحة المركزية بالرباط، واستقبلنا المدعو العلوي جمال الدين، بصفته رئيسا للمصلحة والذي دخل في سجال عنيد رافضا ايجاد تسوية، انسحبنا فرفع النقيب دعوى في الموضوع، ولم يكن يهمني مآل القضية، بقدر ما يسرني أن أكون موكلا عوض زبون لمحام يعي ويعرف جيدا من يصادقه حقا ومن يجامله نفاقا.
فرغم اختلاف التصور سياسيا والمقاربة حقوقيا؛ فإن علاقتنا موضوعية يؤطرها الاحترام والتقدير المتبادلان، رغما عن أنف الأنوف.