المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري (الحلقة 42)

اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.

مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..

(الحلقة 42)

1989 سنة كانت حاسمة بالنسبة لجزء من خياراتي الفكرية والسياسية والجمعوية كفاعل والمهنية كمحام ، وعلى الخصوص في المجال الحزبي والتنظيمي، ففي هذه اجتزت امتحان الأهلية في المواد الكتابية ونجحت فيها بملحقة كلية الحقوق (معهد المغرب الكبير) بشارع تمارة بالرباط، ثم امتحنت وتوفقت لاحقا في المواد الشفاهية، ومن باب الصدف أن مولاي هاشم العلوي رئيس محكمة الإستئناف والنقيب محمد الصديقي من اختبرا معلوماتي في التنظيم القضائي والقانون الاجتماعي.

وقد سعدت لسببين الأول أن الخوف كان يطوقنا، لأنه في السنة الفارطة (آنذاك)، اجتاز الامتحان أكثر من 60 متمرن، ولم ينجح سوى يحيى أمروي والعربي التلموذي والذي سوف أؤسس معه اتحاد المحامين الشباب بأكادير، وواقعة التأسيس كانت قد خلقت حالة ترهيب فكري ومضايقة من طرف النقيب الممارس آنذاك والنقيب السابق، فقد اعتبرنا آنذاك أننا “لم نقطع الواد ولم تجف أطرافنا”، فلا زلنا مجرد متمرين يمكن في أية لحظة أن “يتم حذفنا من لائحة التمرين دون حاجة الى المثول أمام المجلس التأديبي”.

وبذلك فنجاحنا هو انتصار للمرحلة، فأهليتنا سوف تؤكد شعور بالحرية والاستقلالية، لأنني رغم كوني محام غير رسمي، كنت أمارس قناعتي من تعبير وتنظيم وتظاهر وصحافة، في إطار ظهائر الحريات العامة، وتحت إشراف النيابة العامة، وأتذكر أننا بادرنا إلى تأسيس اتحاد المحامين الشباب، وكان من أبرز المؤسسين، المناضل المرحوم محمد اخويبي، (رفيق سابق للأستاذ عثمان النوراوي والطيب الساسي في سجن لعلو إثر أحداث 8 ماي)، وعبد الله عجول، شقيق المناضل العربي عجول وزير البريد سابقا، والعربي التلموذي مستشار اتحادي و أخ الدكتور حسن التلموذي الطبيب الرئيسي الأسبق للمستشفى الاقليمي لتزنيت.

والأستاذ عبد الحي الوهابي عضو العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان والأستاذ حسن المرجو الفاعل والباحث الأمازيغي سليل عائلة عواد المعروفة في القضاء وقطاع الخدمات. والأستاذ إبراهيم الصديق بوجيد الكريم الذي احتضننا، أنا وعديد من الزملاء المتمرنين، على رأسهم أخي وزميلي الأستاذ أحمد الديكراري صاحب الرقم الترتيبي 1 في وصل وبطاقة الانخراط في اتحادنا الشبابي، والذي انتقل الى هيئة الدارالبيضاء، بمجرد نيله الأهلية. ثم أحمد الضارفي، ذلك المحامي الظريف والوسيم، والذي انتخبناه أمينا للمال للاتحاد بعدي، وكاتبا عاما خلفا للفقيد محمد اخويبي. وكان من المؤسسين ايضا، والذين حرصت على حضورهم معنا، بل انتخبناهم (بالتعيين) وهم الاساتذة عباس مصباح، رفيقي سابقا في رفاق الشهداء وشريكه في مكتب المحاماة الفقيد محمد الفايز، والفقيد عبد المجيد شباك، البشير ناصر.

وقبل الشروع في جمع وثائق الملف التأسيسي قصد إيداع الملف، قدم بعضهم الإستقالة في حين اكتفى الآخرون بالانسحاب في صمت، ولم نكن نحتاج الى تفسير او تبرير، لأن السيد النقيب الممارس آنذاك، والذي هددنا بمتابعتنا تأديبيا بعلة أننا “تجاوزناه” كنقيب وكمجلس للهيأة، وكان دفاعنا مقنعا لأن تأسيس الاتحاد تم في إطار ظهير 15 نونبرب 1958 المتعلق بتأسيس وتنظيم الجمعيات، وليس الظهير المنظم للمحاماة.

هذا النقيب هو نفسه الذي أشرف على جمع عام (مغلق) لتأسيس جمعية المحامين الشباب بأكادير بقيادة عباس مصباح، وللتاريخ، ورغم حربها علينا، خاصة أثناء التحضير لتأسيس الفدرالية المغربية للمحامين الشبان؛ في نسختها الأولى اليائسة؛ حيث روجوا اننا جمعية مخزنية، وهي نفس الأسطوانة التي سنظل نعاني منها طيلة حياتنا (فنحن إما إصلاحيين أو مخزن أو اختياريين)؛ رغم ذلك رحبنا بالجمعية المنافسة فقد زادت من حماسنا لكي نصير أنشط وأجود مما كنا، بدليل المنجزات التي ظل الوقع المهني والاجتماعي (الرياضة والتضامن ) والأثر المعرفي، وكان لها ما بعد خاصة بعد تتويج الأستاذ عبد اللطيف أوعمو نقيبا لهيأة المحامين لمحاكم الاستئناف بأكادير والعيون، وفريقه المنسجم و الذي دعمنا ترشيحهم منافسة للنقيب مبارك الطيب الساسي وفريقه.

وعشنا وإياهم “العصر الذهبي” والذي لم تدم ولايته سوى سنتين فقط بسبب تعديل قانون المحاماة الذي تقرر بمقتضاه انتخاب النقيب من المجلس عوض انتخابه من الجمعية العمومية مباشرة. وبفضل اتحاد المحامين الشباب بأكادير عقدنا شراكات مع عديد من المؤسسات كمؤسسة حماية الطفولة، وأسسنا لدوري رمضان لكرة القدم، لأكثر من عشر سنوات، وبلدية اكادير التي دشناها بندوة حول محكمة العدل الخاصة قبل ان تلغى، أطرها صديق اتحاد المحامين الشباب الاستاذ عبد السلام العيماني (وكيل الملك بالرباط حاليا) ونادي نجاح سوس، واللذين كان يدعماننا في تمكيننا من وسائل النقل وقاعة البلدية التي كان لنا الشرف في تنشيطها بأسبوع رمضان المحامين الثقافي، وساهمنا في دعم مجلس الهيأة في إخراج مجلة المرافعة وتأهيل اجراءات التأمين الصحي وصندوق التقاعد.

وكانت أبرز تظاهرة معرفية توجنا عهدنا القصير، ندوة حول “القانون الاجتماعي، أطره معنا كل من الدكتور موسى عبود والدكتور سعيد بناني والنقيب الهاشمي التسولي والمستشار ادريس فجر وعدد كبير من الأكاديميين والنقباء ومفتش الشغل محمد لماني. والخلاصة أن بفضل نيلنا الأهلية في المحاماة تأهلنا للدور الثاني من النضج، ومنذئذ بقيت أردد بطريقتي الخاصة “من علمني حرفا صرت بسببه حرا “.

لقد تعلمت الكثير، قبل التمرين وبعده، فلولا ما تعرضت له من ذوي القربى “غير المقربين” لما صرت يقظا ولا عاقلا بالمعنى السياسي، لذلك كنت مصرا على أتقيد في جدول المحامين الرسميين يوم ثامن، للذكرى وإعلان عن قطيعتي التنظيمية مع ما يسمى الاتحاد /اللجنة الادارية ومع تابعيه ممن تبقى من قدماء جناحنا الأصيل. خاصة بعد انسحاب ومراجعات أغلب الأطر والمناضلين خلال الفترة ما بين المؤتمر الرابع للاتحاد سنة 1984 و المؤتمر الخامس سنة 1989.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *