اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..
(الحلقة 50)
في سنة 1989 حصلت على الأهلية في المحاماة و”تاهَلْخْ” في نفس السنة (أي تأهلت بالأمازيغية، وتلك قصة عنوانها “حب صنعته الأيام” خلافا لفيلم المحامي الذي يولد محاميا، رغم أنه ينبغي اخذ الأمور بنسبية ولا إطلاقية. فقد سبق في الحلقات الماضية أن عرجنا، ونحن نبسط بعض الوقائع التي بصمت بأوقاعها مسارنا الحياتي، المنسوج بشبكات علائقية يغلب عليها الطابع الجماعي، تفاعلا وانفعالا، على أشكال من العلاقات الثنائية، مع الأم أو مع الأب والأخ والأخت أو الصديق أو الأستاذ، اقصد العلاقات الطويلة الأمد او متوسطة الأمد أو التي ينتج عنها ارتباط أوالتزام أو تعاقد او حقوق؛ هناك علاقة الرجل بالمرأة، هذه العلاقة التي تحمسها نزوة عابرة او يرسخها حب عذري أو يبرمها ويقننها رباط زواج.
وبالنظر إلى مسألة ارتباط المناضلات و المناضلين، عاطفيا، ببعضهم البعض، أغلبهم طلبة، او في بداية تخرجهم، في طور الاستقرار المادي أو عاطلين، كان سؤال الجدية و “المعقول” يطرح نفسه كشرط التصديق من طرف الرفاق والرفيقات؛ فأغلبنا كان منضبطا، فالعلاقة النضالية تستغرق كافة السلوكات، من افتراض الهوى والإحساس به إلى ممارسته. وكان بعضنا “أصوليا” يؤجل كل ما هو “محظور” إلى حين مأسسة العلاقة بالزواج؛ في حين كان “المتفتحون يمارسون الطقوس وينشرون مشاعرهم علانية وعارية أمام الملأ”.
وبالنسبة لحالي فقد شاء الإعتقال دون أن أستلم مهامي كمرتبط “جدا”؛ كما حال التشويش والترهيب دون استكمال شروط العلاقة في بعدها العاطفي بعد الإفراج؛ وهكذا تم التوافق على فك الارتباط في جانبه العاطفي بعد أن “فسخوا” ارتباطي التنظيمي قسريا، في ذلك الصيف القائض. وبعد ولوجي مهنة المحاماة، وحينما كنت أحضر لعودتي من عطلتي إلى أكادير حيث أتلقى تمريني المهني، خاطبني والدي رحمه الله : “”إخساك أتسمونت إخفنك أمصطفى”” “بالعربية” ينبغي أن تكون حازما في أمرك يا مصطفى”” فهمت قصده، فهو لا يقصد السياسة هذه المرة، قلت له “أورتا أوفيح تمغارت لي ريغ”. “لم أجد بعد المرأة التي أهوى”، تدخلت والدتي وسحبت المبادرة والحوار من والدي، ونقلت النقاش إلى الغرفة الثانية (بيت الضْيَافْ)، فاقترحت إسما وأختي فوزية إسما ثانيا. فقلت لهما ولكن لم يسبق لي أن رأيتها، طبعا بعد إلحاحهما على تصنيف الآنسة فاطمة طريق أولا، لاعتبارات سوف تتأكد لي لاحقا؛ وهنا حضرني النقاش الكلاسيكي حول شرط الحب قبل الزواج أم الزواج وبعده حب! هي تأملات وتساؤلات تؤرق راحتي؛ وهنا حضرني موقف نيتشه وهو يتحدث بواسطة نبيه زرادشت (كان المرحوم محمد هجار يتأبط دوما هذا المؤلف ايام غبيلة): إن ما تسمونه الحب، ليس إلا سلسلة من الحماقات القصيرة المتتالية.
أما الزواج فهو الحماقة المستقرة الكبرى التي تجيء خاتمة لتلك الحماقات)؛ رغم أنه لا يجمعنا أي إحساس في البدء؛ قررت أولا أن أعاين الطيبوبة كجوهر لجمالها واختبر الحظوظ، وفي طريقنا لزيارة أسرتها والتردد ينتاب عزيمتي؛ لم يفارقني السؤال الذي وجهه أحد الطلاب إلى المعلم “سقراط” عن الزواج فقال: طبعاً تزوج لأنك لو رزقت بامرأة طيبة أصبحت سعيداً؛ و لو رزقت بامرأة شقية ستصبح فيلسوفاً ” ورغم أن سقراط صار فيلسوفا لأن زوجته كانت طيبة؛ فإنني غامرت في اتجاه الطيبوبة التي وصفت بها فاطمة، ولا تهمني أولوية الفلسفة عن السعادة؛ لأن كل شيء نسبي وجدلي؛ نتيجة الأخذ والعطاء المتبادلين؛ وإن كنت، في حقيقة الأمر، أبحث عن السعادة، ما دمت لست عبقريا او لدي رغبة أن أكون فيلسوفا، فيكفيني ان أتحول بزواجي محبا للحكمة، حكمة المشرع أقصد، مادام كبار الفلاسفة من أمثال ديكارت أو كانط و سبينوزا و جان جاك روسو و ايمانويل كانط، كانوا عباقرة بلا زواج ولا سعادة. لقد كنا خلال حياتنا النضالية مهمومين بسؤال الجدل المادي لدى كارل ماركس وفريدريك انجلس، وعلاقته بالانفجار العظيم – غنتي دوهرينغ، وفي صيف سنة 1989، بعد عام من التواصل والتفاهم باسم فترة الخطوبة، منذ صيف 1988، طوقني الحنين إلى ثانوية مولاي اسماعيل حيث درست خلال سنوات 77 ، 78، 79 ومنزلهم المقابلة للثانوية حيث كانت والدتها تفتح بابه لإيواء التلاميذ المضربين الهاربين من قبضة البوليس.
قررنا وفاطمة أن نخوض المغامرة التي نهى عنها فريدريك نتشه فيما وصفه الحماقة العظمى، واخترنا 20 غشت 1989، عيد وذكرى، ثورة الشعب مع الملك 1953، والانتفاضة المغاربية من سكيكدة إلى واد زم وخريبكة 1955، ومنئذ بدأت تتشكل ملامح حبنا العظيم، ولم نكن نعي أنه كان توليديا ومتراكما بأثر رجعي، أفليس الحب هو، كما وصفه ماركس: “علاقة الرجل بالمرأة، في ضوئها يمكن للمرء أن يصدر حكماً عن درجة التطور الكلي للإنسان، ويتبعُ ذلك أن خاصية هذه العلاقة هي التي تقرر إلى أي حدٍ قد اقترب الكائن البشرى من نفسه كإنسان، وإلى أي حد قد استوعبها؛ ولذلك فإنها تُظهِرُ إلى أي مدى يصبح فيه السلوك الطبيعي للإنسان إنسانياً، أو إلى أي مدى يصبح فيه الجوهر الإنساني في الإنسان جوهراً طبيعيا، وفي هذه العلاقة ينكشف أيضاً إلى أي مدى يصبح فيه احتياج الإنسان احتياجاً إنسانياً؛ والى أي مدى يصبحُ فيه الإنسان الآخرُ ضرورةً بوصفه إنساناً”.
فلا معنى لأي ارتباط لا يخضع للسؤال المتجدد، طبيعي أن تطمح “طيِّبتي” إلى عناق حب الحكمة، وأن يتعمشق طالْب السعادة (على وزن طالْب معاشو وطالْب التعادل مع الزْمان، احتضننا معا بيت من غرفتين بمنزل رقم 9 مجموعة 11 حي إحشاش مدة 9 سنوات)، ذات ليلة سألتني زوجتي فاطمة طريق؛ بنت المناضل أحمد ( المعروف بلحسن لبزيوي) وعائشة الكرسيفي من سلالة آيت خالد او يحيا من دوار أكرسيف أومانوز؛ يا “زْماني” هل تحس بحبي لك؟ أجبتها: أحِسُّكِ بجنون! يا “مْكاني /مَلاذي”.