اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية.
(الحلقة السادسة)
أريد أن أعتمد بعض المقدمات ” الفكرية ” قبل أن أبسط رسائلي التي تبلورت جراء تفاعلي مع الوقائع الاجتماعية اليومية .
يقول فاليري ،،،، ” تكون الدولة أقوى كلما احتفظت بداخلها بكل ما يحيى ضدها ويقاومها ”
ويقول جون ستيوارت ميل ،،، ” ان دولة تقزم رعاياها لتجعلهم مجرد ادوات خنوعة لخدمة مشاريعها ، حتى وان كانت هذه المشاريع مفيدة ، ستعجز في النهاية عن القيام بمنجزات كبرى اعتمادا على أقزام “.
أما نيتشه فقد قال “إن الذي لا يملك الثلثين من يومه لنفسه هو عبد سواء أكان رجل دولة أو تاجرا أو موظفا آو عالما “. أضيف الى ما سبق أن مقالة يومه تستحضر ثلاث وقائع سياسية ، تلخص الوضع الذي نحن فيه ، الواقعة الأولى هي أن الدولة مضطرة لتأجيل كل شيء ، مقابل بقاءها والوطن والمواطنين ، فلا يمكن تصور دولة دون وطن ولا شعب، وهي بذلك يصح أن نطلق عليها نعت ” المرجئة ” ؛ والواقعة الثانية هي أن هناك شرائح وتعبيرات داخل المجتمع المغربي ، كما في سائر اوطان العالم ، لا ترغب في الاجراءات المتخذة ، خوفا على المصالح او خوفا من التغيير ، ويمكن ان نطلق عليهم وصف ” الخوارج “.
أما الواقعة الثالثة وهي ارادة تمسك فئات واسعة وعريضة بالحياة ، حياتهم وحياة الوطن ، لذلك تجاوبوا بالمطلق مع قرار الدولة القاضي بإلخضوع للعزل والحجر الصحيين ، وبذلك يصح فيهم القول والوصف مجازا ب” المعتزلة ” .
هذه مجرد نعوت بلاغية ليس إلا ، من أجل تيسير فهم واستشراف التحولات المفترضة بعد نهاية العمر الافتراضي للحرب على العدو الفتاك . من هنا نعتبر أن الدولة تخضع نفسها لامتحان كبير ، وهي تجر وراءها عدد من الاختلالات البنيوية وتداعياتها ، وأمام هذا الأمر الواقع ، لا يسعها إلا أن تعلن خيار ” الإرجاء ” وكأن لسان حالها يقول للمواطنين ” لا أتوفر على بنيات للاستقبال ، امكثوا في منازلكم الى حين ” ، والنخبة نفسها لم تكن تملك الحق في التباهي بكونها مضطرة للمكوث في ” قاعة الانتظار الكبيرة ” كما كان المرحوم محمد عابد الجابري يدرج في تحليلاته ؛ تلك النخبة التي توزعت من معارضات وموالاة ، وما كان يؤرق العقل السياسي هو إشكالية سرية ” النضال ” و سؤال الموظفين العموميين الأشباح ، وعلى الخصوص هؤلاء الرحل ، في حكومات شكلية ، تهيمن عليها احزاب ادارية ودينية ، وأيضا من ذوي السوابق النضالية ، قبل تيه البوصلة وتحريف المسارات ، ومن باب النزاهة الفكرية كان على الغيورين على الوطن ، أن يستبقوا لحل هذا الاشكال العويص ، وذلك بالتفكير حل معضلة المواطنين الأشباح الذين تتعامل معهم الدولة كزبناء /كمستهلكين لخطاباتها و سلعها المعلبة ، وتعاملهم الأحزاب كقطيع من الأصوات المرجحة للدمقراطية ” الرقمية ” ، وكحزام “ثقافي ” واقي للدولة يبرر منطق التكيف ويسيد مظاهر الأصولية والاستبداد .
فالدمقراطية لا تتأسس فقط على مفهوم السيادة الشعبية وصناديق الاقتراع ، بل على ضرورة تنمية الحس الانساني واستحضار البعد الثقافي والحضاري التقدمي لمطلب العدالة الاجتماعية كطابع غالب للنظام السياسي السائد ، لذلك لسنا مجبرين ان نحشر في قفص الحكومة لمجرد أننا نملك أغلبية عددية ، بعلة التعبير عن الشعب ، فالناس تصوت للاشخاص وليس المشاريع ، وهذه الاخيرة تذوب في اجندة شعار ” المصلحة العليا للبلاد ” حتى لا نقول ” مصلحة النظام الذي يريد ” .
لقد صار من الضروري استحضار هذا الإشكال ونحن نستشرف مستقبل الوطن ، حتى لا نقول مصير الوطن ، الذي سيستمر ليبقى سؤال تأهيل الدولة ، ارادة وقوة ، بعيدا عن الوهم الذي طوقنا طيلة سنين، فلم يعد مجال للاستمرار دون نفس ديموقراطي ، فالدمقراطية محتوى ونفس لا يعقل اختزالهما في مجرد سباق المائة متر ، والحال أن المشروع الدمقراطي لا يفعل الا في سياق سباق المسافات الطويلة ، وعندما نجبر على تقديم الحساب علينا تفادي تكرار لازمة ( الدولة العميقة ومقاومة التغيير ) .
لقد بلغنا مرحلة عصيبة ، مرحلة الشقاء من أجل البقاء ، مرحلة اعادة ترتيب الأولويات بنفس وجودي ، في ظل عالم يحاول ترتيب نهاياته بكلفة أقل ، فهل نملك ممكنات التفكير في تموقع جديد ، حتى لا نقول اصطفاف جديد ، على أساس قيم جديدة ، ينطلق من شعار بيداغوجي : ” من أجل دمقرطة العلاقات الانسانية الدولية ” . لقد اخترنا أن نصارح بعضنا ، كما عاهدنا أنفسنا ، ونحن نفكر جهرا ، لكي تسمعنا ارواح الشهداء والمناضلين الذين أفنوا عمرهم من أجل رفعة الوطن ، ونحن كجيل ناضلنا وتعثرنا في دمقرطته ، وعلى ابنائنا واحفادنا أن يواصلوا كفاحهم من اجل استمرار حياة الوطن ، ونحن نخلد اليوم العالمي للحق في معرفة الحقيقة ، فلنقل الحقيقة كل الحقيقة ونصون الحق في معرفتها ، في خضم معركة الوجود ، وحقيقة مصيرنا ، منخرطين حقيقة بتاريخنا وتضحياتنا ، نميز ، وعن قناعة ، بين التبني وبين الانخراط في معارك ” الرابحة ” بأثر رجعي .