اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية..
الحلقة 54 ( تابع للحلقة 53)
في بحر أبريل 1986، ونحن دائما رهن الاعتقال سيصلنا خبر إنطلاق المفاوضات غير المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت إشراف الرئيس السنغالي آنذاك عبدو ضيوف والأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز ديكويار، بتاريخ31 أكتوبر 1986 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 4/ 50 المطالب بإجراء مفاوضات مباشرة بين طرفيْ النزاع. وفيما يخص جدوى موضوعي (بحث الإجازة حول الاتحاد العربي الإفريقي وحل عقدة تجزئة المغرب الكبير، والذي قررنا تعويضه بعرض ومناقشة)، يبدو أنه لم يعد محل، بعد أن اعلن الحسن الثاني؛ قبل انصرام سنتين على توقيع المعاهدة وبالضبط في يوليوز 1986، بإرادته المنفردة وضع حد لهذه المعاهده، رغم أن إستفتاء شعبيا جرى للتصديق عليها.
إذ جاء ذلك كرد فعل من الحسن الثاني على وصف القذافي لخطوة استقبال الحسن الثاني لرئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز في المغرب، بالخيانة العظمى؛ الشيء الذي رفضه الملك، وأتاح له الفرصة للخروج من الورطة التي وضع فيها نفسه، لا سيما أن الغرب وعلى رأسه أمريكا لم تكن تقبل بهذا الاتحاد. لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وسيظل موضوع “حل عقدة تجزئة المغرب الكبير يؤرق مضاجعي، وعندما أتيحت لي فرصة تحمل المسؤولية في المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، منذ كنت كاتبا عاما إلى أن انتخبت رئيسا للمنتدى سنة 2009.
حاولت استكمال نقاش الموضوع كقضية حيوية واستراتيجية من خلال التفكير في طرح مشروع تأسيس منتدى مغاربي للحقيقة والعدالة، يشيد لحل عقدة تجزئة المغرب الكبير، من زاوية محاولة إستشراف بعض المداخل لتجاوز الوضع الحقوقي السياسي بالمنطقة المغاربية عموما وجنوب المغرب على الخصوص في ظل سنوات رصاص مغربية وعشرية سوداء جزائرية وقهر عسكري بالجماهيرية وحكم البنعلية البوليسي وانتهاكات و فلول العبودية بموريتانيا، مما يستدعي استحضار تلك الفكرة التاريخية الموؤودة “تأسيس بؤرة ثورية” تكون نقطة انطلاق لبناء مغرب الشعوب؛ لولا أن تدبير النزاعات لم يكن مبنيا على أسس دمقراطية/تشاركية، هذه المداخل التي يمكن اغترافها من الذاكرة المشتركة تاريخيا، أفقيا وعموديا، أكيد أنه لم يقتصر الأمر فقط على التفكير في حل عقدة تجزئة المغرب الكبير، ولكن الأمر صار يتطلب؛ في ظل التحولات الحاصلة؛ خاصة ماسمي بالربيع الديموقراطي، معالجة تداعيات مرحلة الاستعمار من قضايا عالقة بين الدول المغاربية وبين الدول الإستعمارية، اذن فالتوترات الحدودية والصراع حول مصادر الطاقة والمعادن سببها عدم تصفية الدين التاريخي الاستعماري وما لحقه من “تعديلات ” الصراع الدولي ببهارات “الشرعية الدولية”.
فعملية استكمال تحرير بقية الثغور اجهضت واستمر الاستعمار الجديد عبر الثقافة والإقتصاد، مما جعل المعالجة التشاركية تقتضي إشراك كل من له علاقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كامتداد لتصفية المقاومة وجيش التحرير، نتجت عنها جرائم ضد الإنسانية من اغتيالات وتسميم بالغازات السامة، واعتقالات واختطافات، هاته الانتهاكات التي تم توارث خبراتها في مواجهة نفس المقاومين وأعضاء جيش التحرير الوطني الذين تحولوا الى مناضلين ينشدون الدمقراطية واستكمال تحرير الأرض والانسان تجاه دولهم والمستعمر، وضحايا مرة أخرى، هاته الانتهاكات لم يطلها التقادم ولا زالت موضوع مساءلة مفتوحة، اعتبرها البعض انقضت بإبرام اتفاقيات ثنائية فوقية ثم بصدور توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة وإعمال مقاربة تعويضية اختزالية، والحال أن التعقيدات ممتدة في الزمان والمكان، مهما قيل من أن العدالة الانتقالية بخصوصية محلية تكفي لطي الملف، ممتدة في ارتباط وثيق بعقدة تجزئة أوطان المغرب الكبير وإشتغال مقص التفرقة والتمييز بخلفيات اقتصادية وتحت لبوسات حقوقية.
من هنا يمكن تصديق ما يشاع عن كون الخصوصية المغربية تتجلى في كون لجنة الحقيقة تشتغل في ظل استمرارية نفس النظام، لذلك نعتبر الإعتراف والإعتذار والوئام والسلام وجبر الضرر والكرامة ببناء الدولة الديمقراطية، مطالب مركبة ومندمجة تجاه المغاربيين بنفس القدر الذي يهم الدول التي استعمرت المغرب الكبير، وعلى الخصوص فرنسا وإسبانيا، فضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان تهم هاته الدول بالأساس، ليس في إطار مهام الوصاية والمراقبة ورصدها في مغرب الشعوب ولكن كمسؤولة بالدرجة الأولى عن التداعيات التي تسببت فيها وأيضا عن عدم جبرها إثر انقضاء صكوك “الحماية”.
فلا يكفي هاته الدول ادعاء الصداقة التاريخية، بل لابد من حثها على تطهير العلاقات مما خلفته الوقائع الاجتماعية والاضطهاد الاقتصادي تاريخيا من بؤر سوداء للتوتر والصراعات و العمل على توفير امكانيات حقيقية مؤسساتية وقانونية لإقرار السلم والتعاون وحسن الجوار؛ وقد يشكل تسديد هذا الدين التاريخي أفضل مدخل لحل عقدة تجزئة مغرب الشعوب، مما يستدعي التفكير في بلورة آليات “عدالة الانتقال الدمقراطي” بتوسيع القراءة والتقييم والتقويم وليشملوا كافة المعنيين بهذا التواصل التاريخي حتى لا نقول المصالحات البينية المعاقة، من حقوقيين وأكاديميين من المغرب الكبير وفرنسا واسبانيا وبالتالي سنكون قد نجحنا في تلمس أول طريق لإقرار عدالة انتقالية مكيفة إقليميا على امتداد حوض شمال افريقيا المتوسطي مع اعتماد نفس المقاربة مع إطلاق الحوار بين الشعوب المغاربية من اجل خلق وعي عام بان التجزئة والاستبداد والتبعية يتطلبان تعبئة وتواصل وعمل مشترك لتحقيق تحول ديمقراطي و نفس المقتضيات تنطلي على شعبي فرنسا واسبانيا، وبذلك نشرعن مبادرة إعادة النظر في كل هذه الأنسجة العلائقية في ظل التحولات الجارية وعلى الخصوص باستثمار تداعيات ظرفية جائحة كوفيد 19 لبناء نظام كوني جديد وبمواثيق أكثر إنسانية وديموقراطية.