نشر الفنان محمد الشوبي مشكورا لائحة بمنجزات أول رئيس حكومة في ضوء دستور ما بعد الحراك الفبرايري، لائحة طويلة جدا، ومن باب التثمين والتقييم الإضافي النقدي المنتج للتقويم، كسلوك مدني راقي يناهض كل تبخيس وتتفيه للحياة العامة، أحيي الفنان المتميز على صنيعه، إلى جانب عديد من الفنانين الملتزمين بقضايا وهموم المجتمع.
ومن الواجب أيضا وتفاعلا مع نفس الروح النقدية؛ أضيف وأذكره بأهم منجز في التاريخ الوطني، عرض مشروع قانون حصانة العسكريين العاملين والمسرحين، ينص من خلال المادتين السادسة والسابعة أساسا على مقتضيات تشرعن للإفلات من العقاب، فالمادة السادسة تمنع على هؤلاء بأن يدلوا بأي معطى له علاقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حصل خلال فترة عملهم، وبالتالي وهذا انتهاك جسيم الحق في معرفة الحقيقة وهو بمثابة شرعنة مؤسساتية لجريمة إنكار العدالة، وهي نفس الشرعنة لعدم المساءلة الجنائية التي جاء بها مشروع قانون 02 /12 في المادة السابعة والتي تنص صراحة على مايلي :
“لا يسأل جنائيا العسكريون العاملون والمسرحون عن أفعال اقترفوها اذا صدرت عن أوامر رؤسائهم …” .
وبذلك يتأكد بالملموس أن الأمر يتعلق بصفقة مع الجلادين الحقيقيين والمفترضين، فهذا المشروع الذي عرض من طرف الحكومة على مجلس الوزراء الذي يترأسه الملك يحمل رقم 02/ 12 هو أول مشروع يصادق عليه في أول ولاية تشريعية في عهد اول رئيس حكومة بعد الدستور السادس (أي المعدل للمرة السادسة).
وبالمعاينة المجردة يتضح بأن مشروع القانون رقم 01 /12 و المتعلق بتوضيح وتحديد صلاحيات الملك وتمييزها عن صلاحيات رئيس الحكومة نوقش وصودق عليه بعد مشروع القانون رقم 02 / 12 المتعلق بحصانة العسكر، رغم أن الأساس هو المشروع الحامل لرقم 01 /2012 الذي كان ينبغي أن يدشن به عمل مجلس الوزراء بتحديد ما للملك وما لرئيس الحكومة من اختصاصات وصلاحيات، مما يؤكد أن العملية برمتها، وبغض النظر عن الترتيب المقصود، كانت تروم نسخ ونقض مسلسل الإنصاف والمصالحة، وتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة التي صادق عليها الملك وأمر بتفعيلها ودسترتها.
و لكن بفضل موقف المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في شخص رئيسه ومكتبه التنفيذي خاض معركة فضح الصفقة وكان لي شرف إثارة الموضوع والطريقة التدليسية التي مرر بها المشروع وتمت المصادقة من طرف مجلس الوزراء برئاسة الملك، وذلك بمناسبة كلمة المنتدى التي تقدمت بها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان برئاسة السيدة أمينة بوعياش، بحضور السيد وزير العدل آنذاك والذي نفى علمه بهذا المشروع، وطالب بنقطة نظام ليوضح عدم وجود هذا القانون، ونبهه بعض الجالسين إلى جانبه بأن الواقعة ” التشريعية ” صحيحة، وقد هنأني آنذاك الحقوقي عبد الرحمان اليوسفي على جرأة الطرح وتكلم على إنفراد مع النقيب محمد بنعلال الصديقي، والذي وعدني بنقاش الموضوع بهدوء. وكذلك المحامي( محمد ح ) ( صاحب مقولة خززنا في المعارضة ) الذي تهكم من موقفي سامحه الله وشفاه قائلا ” هههه باغي تلغي القانون “.
ومن حسن حظي أن رئيسة المنظمة وافقت على طلبي ( على المقعد او المنصة ) بتمكيني من صفة مشارك باعتباري عضو سابق في المنظمة و مؤسس وكاتب فرع المنظمة بأكادير. واذكر أن الأخ س ط عضو بمكتبي الجمعية والمنتدى معا، قال بالحرف ” أنت رئيس المنتدى وتطالب بتمكينك من صفة مشارك في مؤتمر المنظمة ” فأجبته على التو للأمر علاقة بقانون حصانة العسكر الذي ينبغي ألا يمر، وفعلا تحدثت إلى ابني نسيم الذي قام باستنساخ أكثر من 500 نسخة من مشروع القانون 02 /12 والتقينا معا ببوزنيقة حيث تنعقد أشغال المؤتمر الوطني، تسلمت منه النسخ و وزعتها على جميع المؤتمرين والمؤتمرات الذين اتوسم فيهم الغيرة والجدية والمسؤولية وأخلاق العناية، وعلى رأسهم الكاتب العام آنذاك الأخ والصديق بوبكر لاركو حفظه الله.
ومنذئذ انطلق النقاش، والذي ذاع سيطه وانتشر في صفوف الحركة الحقوقية وتفاعل معه المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعلى الخصوص رئيسه وأمينه العام، واللذين كان لهما الفضل في تأطير الإستشارة نتجت عنه التسوية المعروفة ” إلغاء مقتضى الإعفاء من المسؤولية الجنائية وتعويضها بالحماية المدنية، في حين أحتفظ بالمادة السادسة على حالتها. وبذلك ينبغي أن نؤكد بأن أول مقتضى يهم السياسة الحقوقية العامة بادر به رئيس الحكومة لأنه يشرعن الانتهاكات الجسيمة السابقة واللاحقة، اما المقتضيات التي تهم خدمة وضمان حقوق الإنسان وتكريسها قانونيا فإن رئيس الحكومة و وزراؤه حرصوا على ترتيبها في ذيل المخطط التشريعي الحكومي.
وهنا لابد أن ننوه ونؤكد بأن للأشخاص وشخصيات أدوار وتأثير، في سياق عدم التماثل فيما بين البشر ، فالرئيس السابق للحكومة لا يشبه الرئيس الحالي، فعلى الأقل هذا الأخير لم يمانع في مقترح وزيره في حقوق الإنسان الذي حين خطة العمل الوطنية من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان بإضافة مقتضيات جيدة ومهيكلة لضمانات عدم التكرار ، وعلى الخصوص سن خطة وطنية لعدم الإفلات من العقاب إقترانا مع ترسيخ مقتضيات الحكامة الأمنية وتأهيل رقابة السياسة الأمنية.
وهي إضافة حقوقية نوعية إعترف السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، خلال حفل الإعلان عن الخطة، بأن الفضل والمبادرة تعود إلى المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وحقا، بمجرد تعيين حكومة سعد الدين العثماني طلبت من السيد المصطفى الرميد موعدا لزيارة تهنئة ومجاملة، استقبلنا و بعد التهنئة اقترحت عليه ضرورة تحيين خطة العمل الوطنية، وافق مقترحا صياغة مذكرة ترافعية، وكذلك كان الحال، وبتنسيق مع الأخ بوبكر لاركو رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وفي ضوء هذه الخطة تعاقدنا كمنتدى مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان حول عدة مشاريع تخص الشق السياسي والمؤسسي من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، خاصة ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومن بينها ورشات تحديد عناصر استراتيجية الحد من الإفلات من العقاب وورشات موجبات الانضمام والتصديق على اتفاقية روما والمتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، وقضايا أخرى ذات الصلة؛ وهي قضايا جوهرية و مصيرية كنا نتمنى ان ينخرط فيها كافة الحقوقيين وجمعياتهم وتنسيقياتهم .