المنوزي يكتب: يوميات الحبس الاختياري (الحلقة 73)

مصطفى المنوزي

نعود إلى الخطاب الملكي ليناير 1984 الذي ركز فيه على عبارات اعتبرها مهينة وتمس بالكرامة الشخصية وتهين الكبرياء، إلى درجة أنه قرر مقاطعة مدينة مراكش، بما يعنيه التشطيب عليها وعلى الساكنة من خريطة العناية والتنمية؛ عبارات وردت في بيان صادر وموقع بإسم منظمة إلى الأمام.

مما حدا بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى شن حملة إعتقال واسعة في صفوف المناضلين دون تمييز، ومن بينهم محمد اليونسي عضو اللجنة الطلابية النقابية، سابقا، أي قبل رفع الحظر عن المنظمة الطلابية أ. و.ط.م بكلية الحقوق طريق الجديدة، وبالضبط خلال الفترة ما بين 1977 و 1979، والذي وردت الإشارة إليه في الخطاب كمحام متدرب متهم بقيادة مظاهرات سيدي يوسف بنعلي. وسبب اعتقاله هذه المرة هو أنه اعتبر من ذوي السوابق (وهو نفس الشيء الذي حصل معنا بالدارالبيضاء). فقد سبق أن اعتقل في بحر 1980 رفقة عدد من ” الطلبة القاعديين “من بينهم المحامي حاليا الزميل خالد بوعشرين والقاضي سابقا والمحامي حاليا الأستاذ عبد الكريم جلول وحوكموا بأحكام تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة اشهر، وحسب اليونسي فقد تم استنطاقه حول علاقته بتنظيم إلى الأمام، خاصة وأنهم، خلال تفتيش غرفته رقم 54 جناح الرازي بالحي الجامعي بطريق الجديدة بالدارالبيضاء مناشير تحمل توقيع إلى الأمام، وبذلك تم اعتقاله ومحاكمته بمراكش سنة 1984 وفق هذا الإنتماء ب15 سنة سجنا نافذا.

والحال، وحسب مصادر موثوقة، أنه لا علاقة له بالطلبة الثوريين الذين فضلوا إصدار بيانهم باسم إلى الأمام رغم إعتراض بعضهم. ونفس الملاحظة المثارة سابقا: هو أن الخطاب استهدف إلى الأمام في حين من اعتقلوا لا علاقة لهم مباشرة بتنظيم إلى الأمام في بوادر إعادة تأسيسه من جديد، فالاعتقالات كانت واسعة وتميزت بالعشوائية والإنتقائية أحيانا أخرى وهو الأمر الدي يبرر الاعتقالات التي شملت أيضا المناضلين والحزبيين الذين لم يشاركوا أصلا في هذه الانتفاضة، ليقدم الكثير منهم إلى المحاكم و صدرت في حقهم أحكام قاسية، توزعت بين الإعدام والمؤبد وأحكام أخرى، ومن ضمن المعتقلين مجموعة ما يعرف إعلاميا ب”مجموعة مراكش 1984” وعددهم 43 معتقلا و تضم محامين متمرنين وطلبة وتلاميذ ومهنيين، وضعوا بداية في مقر الشرطة القضائية بجامع الفنا، قبل أن ينقلوا إلى المعتقل السري درب مولاي الشريف بالدارالبيضاء، حيث أخضعوا لجلسات تعذيب واستنطاق قاسية، على يد الجلاد اليوسفي قدور، توجت بملفات طبخت طبخا لتنسجم مع مضمون خطاب الحسن الثاني، قبل أن ينقلوا إلى السجن المدني بمراكش، حيث أمضوا زهاء ثلاثة أشهر ليقدموا للمحاكمة في 07 ماي 1984 وكانت التهم: المؤامرة، الغاية منها قلب النظام، المس بشخص الملك، الإنتماء إلى منظمات محظورة. و في منتصف ليلة 25 ماي 1984 تم النطق بالأحكام التي تراوحت بين سنة و 15 سنة.

من هنا وجب التأكيد على أن الوقائع تحتاج إلى تفصيل مزيد ودعم من حيث التدقيق والتحقيق، فقد تواصلنا والأستاذ محمد اليونسي، الذي يقدم سيرته هذه الأيام عبر الفيديو، وقد أكد لي مرة اخرى واقعة ضبط مناشير بإسم إلى الأمام، ليس في غرفته رقم 54 بالحي الجامعي، كما سبق وقيل وإنما بشقة كان يكتريها بحي المعاريف، بعد أن سبق أن أخبرني بها خلال مروره من السجن المدني بعين بورجة و استقبلناه، ولم أكن متأكدا بأنه أنضم إلى منظمة العمل الديموقراطي الشعبي، في طريقه إلى الرباط قصد العلاج؛ أكد لي بأن جزءً من المناشير التي ضبطت سنة 1980 بشقته نسيه منذ أن سلمته إياه إثر ضبطي لها في قمطري بمقر تعاضدية كلية الحقوق ( أنظر تفصيل الواقعة في الحلقة 72 من يوميات حبس اختياري)، لقد دلوني على اليونسي بإعتباره مسؤول عن “تنظيم القاعديين” وتظلمت لديه بأن هناك مجهول ما يستعمل قمطري لإيداع “الممنوعات”.

وهذا ما يؤكد أسلوب التقية الذي عانينا منه وبسببه الويلات الفظيعة، فكثير من المناضلين يؤدون وأدوا الثمن محل او نيابة عن آخرين (أحيلكم إلى ما قاله بول ريكور في فلسفة الفعل والمسؤولية والجزاء عنه). وهنا تحضرني واقعة الفقيد صالح أعراب الملقب بالشتوكي، الذي تم اختطافه للإشتباه في كونه المدعو بصالح الشتوكي فقضى ثلاثة أشهر في المعتقل السري درب مولاي علي الشريف بالدارالبيضاء خلال خريف/شتاء سنة 1970 رفقة افراد عائلتي، قبل أن يفرج عنه و يستدعى للمحاكمة شاهدا في قضية “مجموعة الغيغائي ومن معه.

فمن هم الطلبة القاعديون؟ وهل يشكلون فصيلا منسجما أم تيارات متباينة القيادات؟ وما علاقتهم باليسار المنضوي تحت إلى الأمام أو الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين والذي عرفت بعض مجموعاته مراجعات داخل السجن المركزي بالقنيطرة منذ 1979، توج ببيان مجموعة العباس المشتري وأمين مشبال ومن معهما؟

أسئلة تستدعي مقاربة تشاركية قصد كتابة وتأليف جماعي لذاكرة تلك الفصائل وانشطاراتها، تأليف متعدد زوايا النظر.

يتبع …

غدا حلقة خاصة بشهادة بما جرى بمراكش قبيل وبعد انتفاضة سيدي يوسف بنعلي.

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *