اختار الأستاذ والمحامي، مصطفى المنوزي وهو من عائلة معروفة بمنطقة تافراوت، عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي ومناضلة في سنوات الجمر والرصاص بالمغرب، أن يكتب يوميات “الحبس الاختياري”.
مؤسس “المنتدي المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف”رئيس “المركز المغربي للديموقراطية والأمن” وأمين عام شبكة “أمان لتأهيل ضحايا التعذيب والدفاع عن حقوق الإنسان”، ورئيس “أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي” وعدد من التنظيمات الحقوقية والجمعوية، اختار أن يتعامل مع حالة “الطوارئ الصحية” التي أعلنت بالمغرب لمواجهة تفشي وباء فيروس “كورونا” المستجد، بتدوين يومياته في “الحجر الصحي” على شكل حلقات متتالية.
(الحلقة التاسعة)
تعرضت لوعكة صحية منذ ثلاثة أشهر، وقررت، بناء على ارشادات ونصائح الأطباء و من اصدقائي وصديقاتي، بأن أخلد للراحة، فقد تعب الجسد وتأثرت معه نفسيتي، وحفاظا على حقوق الجميع، خاصة من تعاقدت معهم، سواء موكلي او زملائي في الإطارات التي ارأسها او أشغل العضوية ومهام المسؤولية في إداراتها، فوضت الصلاحيات الى من يجب ووفق ما يقتضيه القانون.
وقد لوحظ أنني استثنيت المركز المغربي للديموقراطية والأمن ، أولا لأن المركز له طبيعة خاصة ، فهو دينامية ذات طابع اكاديمي وغير مفتوح بالمعنى الجماهيري للكلمة ، ولكنه منفتح على الاكاديميين والباحثين الذين يرصدون ويجتهدون ، من نقد السياسات العمومية في مجال الأمن او ذات به ، إلى اعداد دراسات ومشاريع لتأهيل الاداء الأمني ودمقرطة استعمال القوة العمومية ، وثانيا أن المركز الذي أسس ، بقرار سياسي ، من قبل المجلس الوطني للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ، ويتحمل مسؤولية ادارته التنفيذية مكتب ثلث اعضائه من المنتدى ، تأكيدا لمبدأ الحق في النظر والتتبع ومراقبة مدى الملاءمة مع مبادئ المنتدى وكذا مقاربته في العلاقة مع التفعيل النوعي والمسؤول لأقوى توصية ضمن توصيات ارساء ضمانات عدم التكرار ، وهو بذلك لا يتطلب اي مجهود على مستوى التنظيم والإدارة السياسية المرافقة للوقائع اليومية ، وثالثا وإن كانت استراتيجيا المركز تعتمد و تشتغل بمقاربة قانونية / حقوقية في شق لا يمكن تجريده من خلفياته السياسية والفكرية ، فإن السياسي منزه عن أية حزبية ضيقة، وهذه الاستقلالية تمتد في جميع الاتجاهات .
صحيح إن المركز احيانا يلعب دور الوساطة الاجتماعية والحقوقية ، باعتبار أن الشأن الأمني يكتسي طابعا حساسا ، فهو محفوظ تصعب فيه المغامرة في العلاقة مع الحوار والتفاوض والتسوية مع السلطات الأمنية بجميع مكوناتها المؤسساتية المعلنة رسميا ، ولهذا فنحن نقع مباشرة في تماس مع المسكوت عنه او المحظور ، مما يطرح سؤال جدلية الاستقلالية والتعاون .
ولهذا فإننا نعتبر ان الخوض في هذه المخاطرة ، إنما اختبار للنوايا وجس النبض لإرادتنا المبدئية ، طبعا دون تجاهل أننا مجرد حقوقيين لا غاية لهم الا الاصلاح والتقويم في العلاقة مع حقوق الانسان والحكامة . من هناة فإننا نمارس واجبنا علانية وبكل شفافية حماية لإستقلاليتنا ، غير آبهين بأصوات التخوين والتكفير ، ما عدا إذا طعنا في كرامتنا ، فإننا نبرهن عن استقلاليتنا بالفعل اليومي وبحزامنا الفكري ، وبذلك نتصدى لكل من يريد النيل من كياننا واعتبارنا و سيادتنا وكرامتنا ، بكل سلمية وديموقراطية ، بعيدا عن اية ضغينة او كراهية ، لأن سقف مطالبنا لا يتجاوز ارساء ضمانات عدم تكرار فظاعات الماضي من اختطافات واغتيالات وتعذيب واعتقالات تعسفية ، دون نزعة انتقامية وبنفس القدر دون التفريط في مبدأ عدم الإفلات من العقاب دعما لمن اختار من الضحايا او ذويهم أن يسائل جلاديه ، فكما قال القس ديسموند توتو رئيس لجنة الحقيقة والمصالحة بجنوب إفريقيا : ” لو اخترنا قصاص العين بالعين لصرنا جميعنا عميانا ” .
ولأن المناسبة شرط فإن الواجب يقتضي دق ناقوس الخطر بالإعلان والجزم أن اللحظة الخطرة التي تمر منها بلادنا والعالم ، لحظة تحول الوضع الصحي الوطني إلى تحدي و أولوية أمنية ملحة من شأن عدم النهوض بها أن يقوض الأساس البيولوجي نفسه الذي يقوم عليه الوطن، ناهيك عن باقي الأضرار الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، بل والوجودية حتى .
إن وضعا كهذا يجعل مجمل المنظومة الأمنية أكثر من أي وقت مضى أمام امتحان لمدى القدرة الوطنية على انجاز أمني محترم لأسس الحكامة والديمقراطية وإن وضعا كهذا يدفعنا إلى تاكيد ما جاء في الإحاطة علما التي وجهناها الى الرأي العام الوطني ، بمناسبة حلول الذكرى السادسة لتأسيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن ، بما يفيد تقرير مايلي :
– دعمنا التام لمزيد من الإجراءات الاستباقية الرامية إلى إبقاء مستويات العدوى بفيروس كورنا في حدها الأدنى الممكن، بما يمكن المنظومة الصحية الوطنية من القيام بواجبها في توفير العلاج وحماية لها من مخاطر الانهيار أمام ضغط وبائي كبير.
– الحاجة إلى مزيد من الصرامة في تنفيذ القرارات المعلنة و مزيد من الحد من كل أشكال التنقل لغير الضرورة القصوى؛
– التصدي الحازم لكل الانفلاتات التي عرفتها مدن طنجة وتطوان وفاس وسلا ، باسم الدين والتي تعمل واقعيا على تقويض كل جهود حصر انتشار الفايروس في مستواه الأدنى ، والتي تستوجب تضحيات بشرية واقتصادية واجتماعية وسياسية ، يصعب تقدير ضخامتها في الوقت الراهن وتحري كل المساطر القانونية ذات الصلة؛
– الحرص اثناء تنفيذ هذه الإجراءات على التقيد بالقانون وبأسس ومبادئ الحكامة؛
– جعل هذه اللحظة مناسبة وطنية لاستثمار كل ممكنات الحكامة والديمقراطية الأمنيتين في دستور 2011 ومنها الفصل 54 المتعلقة بالمجلس الأعلى للأمن .
وفي ضوء ما حصل خلال تطبيق مقتضيات حالة الطوارئ الصحية وجب التأكيد على ضرورة تحمل الدولة مسؤولية في كل ما يمكن أن يصدر من انتهاك سواء كان مصدره الموظفين و المكلفين بانفاذ القانون ، كمسؤولية فردية او كان أساسه المسؤولية المرفقية ، وعلينا كحقوقيين رصد الخروقات والحرص على التطبيق السليم للقانون وحفظ حقوق الدفاع وضمان شروط المحاكمة العادلة ، وبذلك سيقطعون الطريق على عودة مؤشرات تكرار ماضي الانتهاكات ، ودعما للدولة غير الأمنية وغير المخيفة أي الدولة القوية الآمنة ، التي يفترض فيها القطع مع منهجة وتواتر الانتهاكات وعودة الانفلات الأمني .