النص الغنائي”ئيكاتين” للفنانة فاطمة تبعمرانت:رحلة الفن الغنائي في عصر “الديجيتال”

بقلم حسن كريم

“ءيكاتين”،( فعل دال على تحقق فعل  أو حدث مافي الماضي، فعرف نهايته)، هو العنوان المتعدد الدلالات، والقابل للقراءة والتأويل، الذي يعتبر مدخلا أساسيا للنص الغنائي الجديد للفنانة المقتدرة فاطمة تبعمرانت.
وبالنظر إلى عدم وروده كلفظة ضمن المتن الكامل للقصيدة، فإنه خلخل نوعا ما أفق انتظار المتلقي، وجعله يطرح تساؤلات من نوع: ما العلاقة بين ” ءيكاتين” كعتبة نصية وبين دلالات النص؟ وهل تحقق الإنسجام ما بين العنوان والقضية المحورية المعالجة شعريا؟ أم أن العنوان اعتباطي، وضع على عجل، دون ترابط مع المضمون العام للنص الغنائي؟.

قطعا، ليست هناك عشوائية على مستوى العنونة، وذلك كما سيتضح في آخر التحليل، بقدرما نهجت فيها الفنانة تبعمرانت مسلكا يخالف المعتاد في ريبرتوار الأغنية الأمازيغية، نمط الروايس تحديدا، وهو مسلك  ارتبط بجل المجموعات الغنائية الملتزمة كإزنزارن على سبيل المثال لا الحصر.

فالطابع المهيمن على عنونة اغاني الروايس عادة ما يتجسد في نمطية غير دالة أحيانا، تتلخص في اعتبار مطلع الأغنية هو نفسه عنوانها ، الى درجة ترسخ تلك الإبداعات في ذاكرة المتلقي مرتبطة بسطرها الشعري الإفتتاحي .

على مستوى ” تيمات” النص الغنائي لأغنية ” ءيكاتين”، يمكن أن نتناولها على شكل ثلاث وحدات دلالية :
الإعتزاز النوستالجي بأكادير :

ظل تشبيه اكادير بجنة فوق الأرض  لازمة يرددها الكورال على امتداد الأغنية، بل، وظفته فاطمة تبعمرانت للربط والإنتقال من تيمة نحو أخرى، تدخل معها في ترابط بالضرورة.

هذا الإعتزاز العاطفي بأكادير ، ظل ملخصا في سطرين شعريين ، ظلا يضبطان ايقاع الأغنية ، دون أن يطالهما تغيير في اللفظ، أو زيادة أسطر من باب التوسع والإستطراد .

الإعتزاز بعمق رسالة الفن الغنائي :

هذه التيمة هي المطلع وهي الختم، مما طبع النص الغنائي بتشكله عبر بنية دائرية، نقطة بدايتها هي نفسها نهايتها. والاستهلال كان تلخيصا لموقف الفنانة ممن يلصقون نعوتا سلبية بالفن الغنائي، وهذا موضوع عرف ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأشهر الماضية، ضجة انطلقت بتأويلات موغلة في السطحية ، مع تجاهل  الإنتباه لكون الفن موهبة إلهية يمنحها الله لمن يشاء، دون أن تكون في متناول كل من هب ودب، دون مقومات أو أسس كما قد يعتقد المنتقدون، الساعون نحو وأده ، ومن بينهم ، للأسف، من فشلوا في الميدان، ولفظهم صاغرين، فانضموا لقافلة المنتقدين، تنفيسا عن حقد داخلي لا غير.

وبقدرما تتزايد الأصوات التي تحاول الإنتقاص من وظيفة الفن الغنائي، بقدرما تلح تبعمرانت على الصمود وعدم اعتزال رسالتها الفنية، فربطت بين تحدي تقدم العمر وبين نضج الإبداع وتجدده، وهذه فعلا ظاهرة تستند على وقائع تسندها، إذ عرف مسار الأغنية الأمازيغية ، ومنذ عقود، أن قاعدة التقدم في السن لا توازي ضمنيا الاعتزال على مستوى الإبداع، بل، بالعكس كان مثار تحول إجمالي في التجربة الفنية على مستوى الأفراد، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة، أبرزها الحاج بلعيد ، الذي لم يقبل على تسجيل أغانيه إلا وهو في سن متقدمة.

إن الأغنية حسب تصور الفنانة لتجربتها الفنية ” صرخة” و” رسالة”. لذلك، لزم أن تواصل مسارها ونضالها الفني، فهي لاتصنف مبدئيا ضمن تيار” الفن من أجل الفن”، أو بمن يربطون بين الأغنية والإستجابة لتزجية أوقات فراغ ، بقدرما تصنف     ضمن الفن الملتزم بقضايا متعددة، سواء تعلقت بالهوية الأمازيغية ، أو بقضايا اجتماعية، او بنبذ العنف كأداة لإقصاء الصوت المخالف لإيديولوجيا معينة، والصوت المخالف له حق على الآخر في حسن الإنصات والنقاش، وهو صوت انساني عام، ولا يرتبط بماهو محلي فقط، وهنا نتذكر كيف كان موقف الفنانة إنسانيا عبر نص رثائي حزين، خصت به حدث اغتيال الفنان القبائلي الجزائري لوناس معتوب، نص بقي ملتصقا في وجدان المتلقي بعنونة تقليدية ” ءيكس ءوزلاي ءيتفيليت” .

الإعتزاز بعصر الديجيتال :

لم تنظر تبعمرانت للثورة المعلوماتية، وانتشار مواقع الإنترنيت نظرة المتشائم، الخائف على الإبداع الفني من الإندثار، وهي تصورات رصدناها عند فنانين كثر، بل، كان تقييمها للتحولات الإجتماعية والمعرفية الناجمة عن هذه الطفرة إيجابيا.

فقد اصبحت المعلومة والمعرفة متاحة للجميع، بدون تفاوت، كما لعبت وسائل التواصل الإجتماعي والإنترنيت عموما أدوارا مهمة في إطار محاربة الظواهر السيئة، كالظلم . مما يعني أننا أمام عملية تقييم لم تهتم بالسلبيات أكثر من تركيزها على الإيجابيات.

إن تقدم الغرب على مستوى العلوم مشيئة ربانية، ومنة خص بها الله تعالى من يستطيعون تحويل العالم الى قرية صغيرة، منظارها شاشات الهواتف الذكية التي تسعها راحة اليد، فأصبح التواصل والتثقيف الذاتي يتدفقان بوفرة .

لكن، على أية أسس نجح الغرب في طفرته العلمية؟. لم يغفل النص الغنائي ” ءيكاتين” الجواب، بل تمت الإشارة إلى كلمتي التربية والتعليم :

هان  نان لان العلما دار ويلي علمنين
ءاويلي تنيد ءيتربان ….

ومقابل ذلك، ظلت صفة ” عالم” في مجتمعنا بدون دلالات وظيفية نمطية، عمادها اجترار تركة الأولين، وقراءة النصوص قراءة أهواء، دون أن يكون ” نتاجهم” رديفا لنتاج علماء الغرب، الذين يفيدون الإنسانية بعصارة افكارهم واكتشافاتهم ، فتستحق الصفة الصورية بذلك نقدا لاذغا :

ماداوا تفام ءيتودرت؟ صرف غار ءوسان
تاجيم ويلي راداون ءيمل تيفاوين

العنوان اذن يفصح عن دلالاته ، فهو رمزي يرتبط بتيمات النص الثلاث، في انسجام قوي. فالزمن الذي يحيل عليه كماض هو زمن أحادية القول والفكر، وزمن الانغلاق وتقييد العقل ، تحت مسميات وأقنعة مختلفة النوع، محددة الهدف ، ولعل تناقض الصورة، مابين انتقاد الغرب وفي نفس الوقت استغلال آخر صيحات اختراعاته وتقدمه العلمي، ابرز دليل انه من الصعب عيش المستقبل بعقليات متحجرة جامدة .

رابط الأغنيـــة:

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *